الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طبيعة العلاقة بين النفط والغاز والسيادة الوطنية في الاقتصاد الدولي الجديد

عبد المنعم عنوز

2007 / 7 / 13
الادارة و الاقتصاد


اصبح النقاش حادا حول اهمية تشريع قانون النفط والغاز في الوقت الحاضر، ولعل المراقب لاغلب الآراء المتداولة يدرك ان هذه النقاشات تدورفقط في اطارالافكار السياسية وكل ما ينتج عنها من تناقضات طبيعية او مفتعلة ،كما انها في اغلب الاحيان تقع ضمن نظرية اللعبة السياسية لهذا الطرف او ذلك ويحتدم على اثرها الصراع نحوهدف نيل المكاسب الشخصية منها أو التكتلية رغم ان موضوع النقاش يتصل بجوهر اقتصاد الدولة ومستقبل سيادتها التامة.
براينا ينبغي تناول الموضوع من جوانب اخرى اكثر واقعية وموضوعية تنسجم مع قواعد النظرية القانونية والنظرية الاستثمارية الاقتصادية للنفط والغاز وما يتبعهما من آثار مباشرة منظورة او غير منظورة بسبب انتمائها الى اهم عناصربناء الاقتصاد الدولي الجديد ضمن ظاهرة العولمة . وهذا ما يدعو الى التفكيرالمعمق والمعرفي بالاستعانة ببعض الفرضيات والمعطيات الاكيدة التي يمكن عليها اقامة الحجج والبراهين الصحيحة طبقا للمبادئ التي تحكم العلاقات الدولية وشروط بناء سلطة الدولة القوية. الا ان كل ذلك لايتناوله (السياسيون ) العراقييون بسبب ان خطابهم وتحليلهم يفتقربقصد او بدون قصد ( عن جهل ) الى تناول الموضوع بعيدا عن العلمية والموضوعية التي تقود الى اثراء النقاش وتبادل الآراء بشكل جدي لتشخيص ماهوصالح ونافع في النتائج المادية والمعنوية لبناء الاقتصاد العراقي . والمعروف حاليا ان جميع السياسيين يتركزجل اهتمامهم فقط بالجوانب التي تؤمن لهم تحقيق الاهداف السياسية الآنية وبرامج واديولوجيات ضيقة المفهوم تخدم تكتلاتهم المتعددة دون اعطاء اهتمام لمصالح الدولة وتقييم عناصرقوتها، ودون ادراك ان القوي يفعل ماتمكنه قوته من فعله، اما الضعيف فليس عليه سوى تقبل ما لا يستطيع رفضه كما قال توسيديدس في نظريته للواقعية ولعلاقات القوة بين الدول.وهو مانخشاه من التعامل بضعف مع الشركات متعددة الجنسية في تنفيذ استثمار مواردنا في الطاقة.ان سياسة التوفيق المحاصصية فيما بين السياسيين العراقييين حاليا ماهوفي الواقع الا تعبيرا صريحا عن تجاهلهم أو اغفالهم لاهمية تعزيز قوة الدولة العراقية في الاقتصاد والسيادة في مرحلة ظاهرة العولمة التي فيها تحاول معظم الدول بقدر امكاناتها الصراع من اجل القوة لحماية نفسها ومصالحها المتاحة وذلك بزيادة مستويات القوة الاقتصادية لديها.
لماذا تتجاهل القوى الحاكمة ضرورات الامن الاقتصادي للعراق؟ الا يعتبر النفط والغازبقيمته المادية من المواد الاستراتيجية في ضمان هذا الامن؟ ام انهم ( السياسيون) لايفقهون العلاقة التكاملية بين السياسة والاقتصاد ، أوعدم رؤية مدى امتزاج الموت الناجم عن السياسة والموت الناجم عن الاقتصاد اللذي نراه ممتزجا يصعب ايجاد الفاصل بينهما ان لم يكن معدوما؟ ام انهم يدركون كل ذلك وكل ما ينتج عنه من مأساة للوطن ويميلون الى عالم السياسة المتعفن؟

ان هذه التساؤلات وغيرها تتطلب من القانونيين والاقتصاديين التدخل بتفعيل دورهم والمساهمة في ايجاد التوازن الفكري في النقاش لبناء اهم مرتكزات اقتصاد الدولة العراقية وتقديم آرائهم كي تكون شاهدا على وفائهم لمبدا المواطنة التي ينتمون اليها.عليهم تبليغ الحقيقة لمن تهمه الحقيقة والتي يفترض على الطرف الغافل ان ينصت قليلا.
الملاحظة الاولى التي يمكن التركيز على اولويتها في هذا الشأن هو ان لايكون في تبني اي تشريع قادم ومنه مشروع قانون النفط والغازمصدرا من مصادرالتقسيم والتجزئة ،هذا من جانب ، ومن جانب آخرلابد ان يكون للنفط والغاز دورا جوهريا في تعزيز قوة الدولة وتأمين السيادة الوطنية في اقصى مراتبها من الاستقلالية. اليس لهذه المادة الاستراتيجية قيمة اقتصادية فعالة ومؤثرة في عالم العولمة؟ اليست في طبيعتها العراقية الجيولوجية مايجعل منها رأس المال الاحتياطي المضمون للدولة العراقية؟ واذا ثبت ذلك ، اليس في هذه الخواص مايعزز قوة وسلطان الدولة العراقية في العلاقات الدولية السياسية منها والاقتصادية؟

يجمع كل المتخصصون والباحثون في شؤون الطاقة كيف يتمتع النفط والغاز في عالمنا الحالي باهميته في الاقتصاد العالمي بدرجة يصعب معها اعطاء الحقيقة الكاملة عن قيمته الفعلية وتأثيرها في البناء والتنمية وعلاقات الدول والسياسات البينية بين أقطاب العالم الصناعي ومحور الدول الثرية الثمانية. كما نعلم ان موارد هذه الطاقة كانت ولازالت المورد الرئيسي لميزانية الدولة العراقية وستبقى كذلك الى فترة قادمة تتقدم حجم كل الموارد الاخرى مهما سيكون عليه حجم التنمية والانماء القومي في القطاعات الاخرى. وعلى هذا الاساس يمكن اعتبار هذه الطاقة من المواد الاستراتيجية التي ينبغي التعامل لكل ما يتصل بها من عقود أو استثمارات معها على انها جزء من اعمال السيادة الوطنية .
لقد تناول كثير من الباحثين خصائص هذه الثروة الوطنية التي تحضى بافضلية متميزة في حسابات مزايا الاستثمارات الجيولوجية العراقية بما يتعلق بوفرة المخزون وكلفة الانتاج المتواضعة على اليابسة باعماق جدا بسيطة مما يؤدي الى ان تكون الكلفة الانتاجية ومعدل الاندثار لمبالغ الاستثمارمتحققا بادنى درجة من القيمة المصروفة .يضاف الى ذلك طبيعة الخاصية والجودة التي تتمتع بها هذه الثروة الحيوية في سوق المنافسة الدولية للنفط العالمي فهي تتقدم كثير من نفوط العالم بخصائصها التركيبية الملائمة للصناعات التحويلية.
نستخلص من ذلك ان هذه الثروة تشكل رأس مال اكيد ومضمون لدى الدولة العراقية وسواء كان مستخرجا ام انه لازال خزينا في باطن الارض. فان كان مستخرجا ، فانه يمنح الدولة المالكة الملكية التامة حرية التعاقد مع من يشاء في بيع الانتاج ضمن احتياجاته في حدود ماتسمح به طاقته الانتاجية دون تجاوز السياسة النفطية للدول المصدرة.
أما عند عدم استخراجه من باطن الارض ، فهذا لايعني انتقاص من القيمة الحقيقية التي يتمتع بهاالنفط والغاز. فهي لاتختلف اطلاقا في نظر الغيرمن الدول الصناعية المعنية بهذه الطاقة عن حالة احتياطي راس المال من العملات الصعبة لدى الدولة والذي يعتمده البنك المركزي، أوكما هو الحال في احتياطي رأس المال الالزامي لدى الشركات الكبرى واهمية هذا الاحتياطي الذي يتناسب اثره طرديا مع حجمه بما يوفره للمالك من القدرة الاءتمانية في الدخول في معاملات دولية كبرى .ان مقدار المخزون من النفط والغاز في باطن الارض يؤكد تمتع الدولة برأس مال عيني كفيلا بتقديم ضمانات التسديد وقوة الاداء نقدا أو عينا( من النفط أو الغاز) وضمن هذا الواقع الاكيد سوف لاتتردد الشركات مالكة تكنلوجيا البناء التحتي في هذا القطاع من ابرام العقود لبيع انتاجها من المعامل والمصانع والمصافي عند الطلب دون حاجة الدخول في عقود المشاركة التي لايمكن فيها مطلقا تحقيق التوازن العقدي في العقد لحماية المتعاقد الضعيف
.L’équilibre contractuel
فاذا ماارادت الدولة من تطوير منشآتها النفطية ، يمكن ان يتحقق لها ذلك ضمن الافتراضات التالية:
1- طرح سندات الدولة للاكتتاب العام لمن يرغب من المواطنين اقتناء قدر من هذه السندات بقيمة اسمية وبفائدة معقولة ومشجعة قياسا بمعدل الاستثمار في سوق النقد العراقية.
2- السماح لرجال الاعمال العراقيين في اقتناء سندات التاسيس لشركة النفط الوطنية العراقية و دخولهم كمساهمين اصليين .
3- الاقتراض الاجنبي من الدول نقدا أو عينا مقابل شراء وحدات انتاجية نفطية مؤهلة في هذه الصناعة بشرط موافقتها تسديد القرض عينا من النفط والغازبكمية واسعار تفضيلية وجدولة بالتجهيزيحصل التفاوض بتحديدها واقرارها ضمن بنود العقد التي يتم الاتفاق عليها بين الاطراف المتعاقدة.اضافة الى البنود الاخرى التي يحتاجها المتعاقد لضمان التوازن العقدي كما ينصح به عقد البيع التجاري الدولي.
ماهي علاقة موارد الطاقة بالسيادة الوطنية؟
ان السوق الدولية لمثل هذه المواد الاولية تقرركثيرمن اتجاهات السياسات الدولية والمحلية ونعتبرها ايضا من مستلزمات صيانة قوة الدولة في التعامل مع واقع العولمة التي لايمكن مطلقا الابتعاد عنهالاي شخص من اشخاص المجتمع الدولي. فاذا ارادت الدولة ان تبقى ذات شأن في السياسة الدولية والاقتصاد الدولي ، فلا بد ان تمتلك ماتستطيع من عوامل قوة التفاوض ومن خلاله تتمكن انتزاع حقوقها في السيادة والاستقلال ضمن ماتفرضه معادلة تبادل المصالح الاقتصادية. وهي لن تكون كذلك الا حينما تسيطر بمركزية عالية على هذه المادة الاستراتيجية كي تصبح قراراتها ذات فعل مؤثر على الغير.وفي هذا النظام المركزي من مصدر القرار تتم بلورة سياسة الاستثمار وتقرير اشكاله بشكل لايقبل المساومة والتراخي عن تحقيق المنفعة العليا للدولة العراقية. ان بعثرة القرار الاستثماري في النفط والغازيؤدي بالضرورة الى اضعاف قوة الدولة واحتمال كبير لابتزاز امكانياتها من خلال ولوج الغير سيء النية من نقاط الضعف التي ستتعدد عند تعدد مصادرالقرارالاستثماري لهذه الطاقة. وهو مانحذر منه ومن نتائجه عندما تتوزع قرارات الاستثمار على اقاليم أو محافظات هي غير قادرة على تجهيز الماء الصالح للشرب للمواطنين. لاشك ان هذه الكيانات الضعيفة لاصحاب القرار ستكون فريسة وغنيمة وهدية كبيرة للشركات الاجنبية الكبرى.دون الاشارة فوق ذلك الى مايؤدي اليه هذا الحال من فساد اداري واقتتال من اجل الاستحواذ على المال العام الذي سيصبح مشاعا للبعض.
من ناحية اخرى، فان النفط والغاز من الموارد الطبيعية الاستراتيجية في النظام الاقتصادي الدولي. وهو بهذا القدر يعتبر من مرتكزات السيادة الوطنية وخاصة اذا ما علمنا ان مبدأ الاستقلالية في العلاقات الدولية لاي دولة يفترض حماية سيادتها الدائمة على مواردها الطبيعية. ولاشك ان في عالمنا الجديد نوع من اعادة النظرفي مفهوم السيادة السياسية والاقتصادية المطلقة ، الا ان هذه النسبية في انتقاص مفهوم السيادة يخضع بنفس الوقت لقانون تبادل المصالح المتحققة فعلا لاطرافها اقرارا لمبدأ المساواة في العلاقات الدولية والذي ينتج عنه بالضرورة مبدأ عدم التمييزفي تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية للاطراف المعنية.

ان نقطة البحث الاخير في هذا الموضوع هو معرفة كيف يمكن لشركة النفط الوطنية العراقية ان تكون بديلا لحلول الشركات الاجنبية المتخصصة؟
ان اعادة تاهيل شركة النفط الوطنية العراقية يمكن ان يكون جوابا لكل ما تقدم من آراء .وهذا يعني استبعاد كل علاقة عقدية استثمارية في التنقيب والانتاج الا في حدود تنفيذ عقود الخدمات التي تنتهي بانتهاء فترة التنفيذ دون ان ترتب شراكة في الطاقة المنتجة مهما كانت قيمتها.
من ناحية اخرى لابد لشركة النفط الوطنية ان تكون قادرة على تنفيذ غرضها. وهي لابد من ان تتمتع بنظام قانوني متطور وتمتلك الشخصية المعنوية المستقلة في اداء وظيفتها بالمستوى الذي ينسجم مع حجم المسؤوليات التي يقرر لها قانونها الخاص الذي سيكون مطابقا في قواعده لنصوص الدستور. يجب اذن الاسراع في اعداد قانون خاص لهذه الشركة حيث في نظامها يتمتع مجلس الادارة بالكفاءة وبالصلاحيات المالية والادارية والقانونية المستقلة التي تنسجم مع غرضها الرئيسي واهدافها في الاستثمار والانتاج والتسويق.
ان اعداد قانون شركة النفط الوطنية هو من المهمات الاولية التي تسبق الحاجة الى مشروع قانون النفط والغازكي ينبغي ان تكون نصوص هذا القانون سندا شرعيا لمضمون غرض الشركة واهدافها وصلاحيات مجلس ادارتها وحدود هذه السلطات لمجلس الادارة في تنفيذ سياستها الانتاجية والاستثمارية والتسويقية باستقلالية تامة.
ومن جانب آخر تنتفي الحاجة في مشروع قانون النفط والغازالى النص على الاشكال الاخرى التي يدفع باتجاهها بعض السياسيون وهي موضوع الشراكة في الاستثمار للطاقة وأي شكل من اشكال عقود الخدمات التي ستكون من حيث الاصل من صلاحيات شركة النفط الوطنية العراقية لوحدها.
وبرأينا ان رئاسة مجلس ادارة هذه الشركة ينبغي ان يكون من القدرة في اتخاذ القرارات الاستثمارية وتطويرها بهدف تنفيذ السياسة النفطية للدولة العراقية وكل مايتصل بها من فعاليات قانونية ومالية وتخطيطية ضمن معايير البناء الاقتصادي المستقر، وان تفهم هذه الرئاسة بان هدف الشركة هو ماتتوخى تحقيقه كوحدة اقتصادية تحتل مكانة سيادية مهمة وجوهرية في الاقتصاد العراقي كاهمية نهري دجلة والفرات.هذه الغاية تتطلب ان يكون مجلس رئاسة الشركة متكونا من هيئة Un directoireرئاسية
يمثل اعضاؤه وزارة التخطيط ووزارة النفط ووزارة المالية والاقتصاد. ان في هذه الشركة ضمانة كبيرة لضمان وحدة المال العام وصيانته ودعم سيادة الدولة على مواردها وجعلها ملكا حقيقيا فعليا لعموم المواطنين كما نص عليه الدستور .كما انها تساهم في حل مشاكل البطالة وتطوير الكفاءة العلمية للعاملين في قطاع النفط والغاز....وكل القطاعات.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.


.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي




.. هل تستثمر في حقيبة -هيرميس- الفاخرة أفضل من الذهب؟


.. كل الزوايا - شركة -فري زونر- تناقش فرص الاستثمار في دول -الم




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-5-2024 بالصاغة