الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجسد الذي تحول إلى طائرة مروحية

أحمد الخمسي

2007 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


في أدبيات النقد للمنهجيات المتبعة من طرف العقل العربي، تخيل المؤامرات الخارجية والتفسير البوليسي للتاريخ ونفسية المعركة.

وكل واحد منا يتخيل نفسه أبعد ما يكون عن السقوط في زلات العقل العربي تلك. غير أننا ونحن في نفس الوقت أبناء مدرسة اعتزت بالقول كون العنف مولدة التاريخ وكون حرب التحرير الشعبية هي الطريق المضيء نحو تحرر الأمة من السيطرة الأمبريالية وبالصراع الطبقي دينامية ثابتة في المجتمع والدولة؛ نستعمل طاقة العقل ضمن حركية الحرب مع تخيل المجتمع البشري خاليا من الصراع الطبقي في المرحلة الاشتراكية؛ وتبعا لذلك، تنتهي دواعي الحروب بين سكان الأرض. ثم، نتخيل بذهنية دينية استتباب الأمن فوق الأرض وتوزيع الثروة والسلطة والمعرفة بين الناس بالقسطاس سواسية. على شاكلة الجنة المثبتة المعالم في النصوص الدينية. علما أننا جيل تالي لجيل تغنى بقصائد الحرب عند عنترة وعمرو بن كلثوم وأبي فراس الحمداني والمتنبي......

في آخر المطاف نجد أنفسنا في أتون الحرب. لم نتمكن من الابتعاد عن ميدانها. سواء بالاعتماد على نفسية الحرب في المعيش اليومي والعلاقات التي لا تتوقف بين التجدد والانقطاع. أو في المخيال الذهني الذي يستمد من دون كيشوط بطولته الوهمية ومعاركه التي لا تنتهي.

فعلاقتنا بالحرب تشبه معادلة "غدا النكير". إذ لا يوجد بيننا من لا يهدد بالحرب إن لم يستطع ممارستها فعلا. فعقلية داحس والغبراء مستمرة فينا.

وفي مستوى ثان، نتقن الحديث عن الحرب أكثر من إتقان ممارسة الحياة. ولما كانت الحرب لحظة استثنائية تستعمل الموت للدفاع عن الحياة، فمن المطلوب إتقان فن الحياة وهو الأصل قبل الركون لتعلم فنون القتل وهي الاستثناء....

وما دمنا نتقن الحياة في الاستثناء ونترك الأصل، فالخيال الذي لا يشكل سوى ظل للحياة نفسها يسطر على أذهاننا في المعيش نفسه.

فالنكتة مشهورة تلك التي جعلت السباق بين الأمريكي والفرنسي والمغربي ترفع المغربي نحو درجة البطولة. وذلك عندما استعمل ذلك الجزء من جسده يتحول من عضلة طويلة إلى ضلع يدور بسرعة ليرتفع معه الجسد مثل طائرة مروحية، اكتفى الامريكي والفرنسي بالتيقن من صلابة العضلة الطويلة لحمل الجسد دون اعوجاج ولا انكسار....والنتيجة أن الامريكي والفرنسي يعتمدان اختبار قوة عضلتهما السحرية في حمل جسدهما. في حين هربت الحالة المغربية من الاختبار المادي نحو البطولة الذهنية غير القابلة للتحقيق. وهي خرق قانون الجاذبية....والطيران الوهمي بفضل نفس العضلة.


وبين الطائرة المروحية العربية الموهومة والطائرة المروحية الغربية الحقيقية، يبقى الغرب قادرا على إتقان ممارسة الحياة. بينما ننغمس يوما بعد يوم في اتقان فنون "الحرب".

ولو رجعنا إلى عقلاء فنون الحرب في العالم، لوجدنا أننا لا نتقن لا فنون الحياة ولا فنون الحرب. إذ لا يمكن أن يتقن فن القتل من لم يتقن ممارسة الحياة. فكلاوزفيتز قبل أن ينظر للحرب، حارب مع الغالب (فرنسا) ضد المغلوب(روسيا) بداية القرن 19، ثم مارس نفسه الخبرة للانقلاب على الغالب (فرنسا) عندما اقتضى الأمر الدفاع عن الذات/الأمة. إذ انقلب وحرض الفرقة العسكرية للانقلاب ضد نابليون المحتل لبلده (ألمانيا). بل استخلص الدروس والعبر بلغته الأم ليهيئ شعبه للانقضاض على المحتل بعد حين (1871). لكن الانقضاض العسكري الذي مارسه الألمان لم يكن ممكنا دون التوحيد السياسي لألمانيا (1870)، ودون تدوين الخبرة الميدانية وتحويلها إلى ثقافة وأدب سياسي (الحرب استمرار عسكري ميداني لاستراتيجيا سياسية مدنية).

إن إهمال فنون ممارسة الحياة معمم تقريبا بين المجتمع والدولة. فالدولة التي تدرب المجتمع على الاستقرار والأمن، تترك نفسية "الحروب الصغيرة" متفشية في مكاتب القرار الإداري. بحيث يتقن بعض أصحاب القرار زرع الألغام تحت أقدام الناس. وما زال المرؤوس والرئيس يتخيل نفسه منذورا لممارسة الحرب الصغيرة ضد من يقابله من الرؤساء أو المرؤوسين. وبالتالي، عوض أن يصبح العمل الإداري أداة لإطفاء الحرائق في مستوى أول وحلحلة الأرضية لتسهيل السير الإداري تحت أرجل الناس في دروب الحياة، تصبح حياة الآخرين غابة لصيد فرص الإيقاع وممارسة نفسية "الحروب الصغيرة".

لم يستسغ جيش التقنوقراط القرار السياسي للدولة بإلغاء نموذج "أم الوزارات" التي كانت تزرع الرعب في نفوس الناس والتي كانت تستفيد من استراتيجيا الإرهاب النفسي لتكسر الطموحات وتهزم العزائم وتعمم "نفسية الحروب الصغيرة".

ولأن نفسية أغلبية ذوي القرار السياسي تستند إلى إثخان جسد الضحية قبل الانقضاض عليها واستخلاص الريع الخضوع والمنافع، فالذي يغيب عن العقلية الانتهازية للفرص قصد التسلق في المواقع، على حساب الناس، هو روح الحرية وعزة النفس أقوى من "نفسية الحروب الصغيرة".

فبالتقسيط، يسقط من يمارس "نفسية الحروب الصغيرة" في خندق حربي لا ينفك منه، إذ يكتسب نفسية الخوف عبر تمارينه على سياسة التخويف. وبالجملة تتضرر الدولة نفسها من بقايا سياسة المكيافيلية المتوحشة القائمة على الشطط في استعمال الموقع. فتنبعث روح الانتفاض من حول غلاظ القلوب ومنعدمي اللباقة في السلوك. تلك الكائنات التي تشبه الضباع التي تتعود على نقل منطق الصراع والحرب إلى حيث الحكمة والسلم.

والكل يتذكر الشاعر الشعبي الذي أهدى قصيدته بمناسبة عيد حاكم جزيرة الواق واق، عنوانها "الله ياخذ فيك الحق آ الظالم".

لكن نفسية السلم والحرية تنتصر على نفسية الحروب، ما بالك أن تكون تلك الحروب صغيرة عمياء بلا ذوق ولا فائدة سوى تلبية تلذذ النفوس الصغيرة التي تبحث عن صنع بطولات بلا قضايا. أما أن يصبح أبناء الشعب "أبطال بلا مجد"، فلا ضرر من ذلك.

فالسعي نحو الحرية لا يترك ما يتحسر عنه غير فقدان الحرية وصناعة الضمير الجمعي، أما التلويح وتطبيق الانتقام القمعي فكبار مدبريه صغار في مجرى الحياة السلمية السليمة البعيدة عن نفسية الحروب....أما المأثرة الجمعية التي يتسلح بها المغاربة جميعا فتتلخص كما يلي: "وسيعلم الذين انقلبوا أي منقلب ينقلبون".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-