الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمن تاج على رؤوس الآمنين

منهل السراج

2007 / 7 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


حكمة اليوم:
"الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لايراه إلا المرضى".
مازالت "حكمة اليوم" أمر هام في برنامج التعليم في السويد. يكتبون على الجدران أو على الأبواب الأقوال التي يؤمنون بها ومقاطع الشعر التي يحبونها وبعض حكم الأقدمين وإن لم يعد يُعمل بها.
درس اليوم، قالت المعلمة، عن الصحة.
رتب معد البرنامج لقاء مع أربعة أشخاص وطلب من كل منهم أن يبدي رأيه بالصحة، وكيف يفكر بالصحة.
أربع صور لأربعة أشخاص امرأة ورجل يبدو أنهما من بلادنا أو مايشبه بلادنا، لون أسمر وملامح شرقية، وامرأة ورجل يبدو عليهما أنهما من السويد أو إحدى الدول الاسكندنافية.
يحرصون كثيراً في مثل هذه البرامج وغيرها من البرامج التي تخص الإعلام على تنوع الأعراق واختلاف الألوان، كذلك في الدعايات التي تروج لبضاعة، أو مشروع، أوفكرة.. ذلك كي يستحضروا العالم كله إليهم، لكي يعرفوا ويحللوا مايجري حولهم وفي الوقت نفسه يقومون بجذب الآخرين إليهم، مشروعهم الأول والأخير والأهم، هي مدّ ثقافتهم من دون قمع من دون سلاح. والاستمتاع بثقافة الآخرين وأخذ مايحبونه منها من دون أن يسمحوا لها بالتمادي على طابعهم الذي يقدسونه والذي كلفهم سنين من النضال.
فلنستمع لرأي كل منهم بالصحة.
المرأة السمراء بدينة بعض الشيء، وفي وجهها وصوتها المرتجف كثير من الخشوع:
ـ الصحة بالنسبة لي هي الأمن الداخلي. حين يسوء شعوري، ينعكس هذا على جسمي. أحتاج دائماً إلى شيء أؤمن به، فالحياة فارغة من دون إيمان، يصبح الإنسان كأنه في بحر عميق وقد ضيع طوق النجاة، وأضافت، الصحة أن أكون مع عائلتي وأصدقائي وأن أكون مع الله.
الرجل الأسمر بغرة سميكة ومدهونة وحاجبين عريضين وملامح تميل إلى الخوف وصوت متردد وخجل:
ـ الصحة أن أكون معافى وأستطيع فعل ماأفكر به، أن يكون لدي أصدقاء، أن أنام من دون كوابيس وأصحو غير خائف.
الرجل الأشقر، نظارتان وضحكة عريضة ساخرة وصوت واثق ومنطلق:
ـ الصحة هي النهار الجديد، الصباح القادم، هي الخروج إلى الطبيعة والاستماع إلى صوت الطيور. الصحة هي العمل الجيد الذي أحب، الصحة هي أن أنال حضناً دافئاً من حبيبة، وهذا هو تفكيري أيضاً بالحياة.
المرأة الشقراء، عينان زرقاوان وشعر مقصوص، وابتسامة أكيدة. بلغة سويدية حديثة، وبجمل مختصرة، ومن دون أي مقدمة قالت:
ـ أن يكون جسمي قوياً. حين أمارس تمارين الرياضة يصبح جسمي نشطاً، وبالتالي تصبح نفسي قوية، أسعى أن يكون لدي أحد يهتم بي ويتمنى لي شيئاً ما.

هؤلاء، السُّمر والشقر يعيشون بالسويد. لم يتحدث أحد عن خوفه من المستقبل أو من مرض لايوجد ثمن علاجه ولم يتحدث أحد عن خوفه من قطع عنقه أو قطع رزقه، لم يذكر أحد منهم أنه يخشى أي تهديد خارجي أو تهديد غامض، فالكل يمتلك حياته والكل يمتلك حرية التصرف بنفسه، والبلد كله ماض بخطى واضحة، فقوانين الضمان الصحي والاجتماعي وحق التعلم وضمان الشيخوخة وحماية الطفل ناضلوا من أجلها منذ أوائل القرن العشرين وأنجزوها منذ أكثر من سبعين عاماً، فكيف بالأمن وهو أول أوليات الحياة!

أغلقت المعلمة البرنامج والتفتت إلى الطلاب قائلة:
ـ والآن لنستمع إلى كل منكم ورأيه بالصحة، كيف يشعر بنفسه معافى ونشطاً..
"ماهي الصحة بالنسبة إلي؟"
كالعادة للوهلة الأولى، تنتعش الذاكرة.
كان يحدث أن نشتكي من أخت أو صديقة أو زوج، أو نعتب على أخ أو زوجة أخ، أو نستحلي النميمة على إحدى الجارات، أو نتضايق من تشاوف إحدى القريبات، أو نتذمر من فراغ، نثرثر من دون هدف.. كانت أمي التي تراقب هذا ولاترضى، تنبهنا: احمدوا ربكم على الصحة. جوابها هذا كان موعظتها الأهم منذ كنا صغاراً وكنا نشعر بالملل من هكذا مواعظ، فالحياة كانت بالنسبة إلينا فوق هذه البديهية.
هذا كان في الماضي البعيد.
قطع تسلسل الذاكرة قول المعلمة:
ـ الصحة أيضاً أن نستمتع بالطقس الجميل وندلل أجسادنا بالشمس والماء، أن نأكل طعاماً جيداً.
نعم هذا حق، ولكن أخبار اليوم تقفز فوق اقتراح المعلمة:
بغداد: جثث ملفوفة بالأقمشة البيضاء السميكة، بعضها كامل وبعضها مقطع بأسنان الكلاب، ولم يعلن عن أسماء أصحابها لأنهم أرقام في النهاية، أسماء صحفيين قتلوا وأسماء سيقتلوا، قتل زوجات المسؤولين وخطف كل الأطفال، صراع على المناصب فيما المناصب كلها ملوثة بالدماء.
غزة: قتال ضد بعضهم والأسباب سهلة الاختلاق.
بيروت: تفجيرات غامضة وأخرى واضحة والكل يصيح من بوقه.
سوريا: اعتقال أحلى الأصدقاء واضطهاد أحلى الناس.
عمان: شاب محبط فكر بالانتحار خلط السم بالعصير ثم أجل قراره أو ألغاه، وترك عصيره على سور الطريق. جاء طفلان عطشان وشربا العصير المسموم. وماتا.
بدور طفلة مصرية رغبت أمها وأبوها أن يجنبوها الشهوة الجنسية كي يتجنبوا احتمال.. أخذوها إلى الختان وماتت.
ربطوا أطفال "الحنان" لأنهم جاعوا وصاحوا من الجوع.
آخر إحصاءات عمالة الأطفال في بلاد العرب طبعاً كانت كذا وكذا، وعدد الأطفال الذين يموتون جوعاً في أماكن أخرى كذا وكذا..
قطع سرد الذاكرة صوت المعلمة تسألني:
ـ وأنت، ماهو مفهومك عن الصحة؟
"ماذا أقول للمعلمة الآن؟"
نعم، يوجد خبر طريف يسهل إخبارها عنه لأنها ستفهمه، فهو يشبه حياتهم اليومية:
ـ قرأت أن بولنديا ذهب بغيبوبة وظل نائماً 19 عاماً ثم فجأة رجع إلى الحياة ويتساءل متى بدأ استخدام الموبايل.
أضحكت المعلمة بمفهومي عن الصحة.
ومضيت بدوري إلى ذاكرتي أسترجع الأخبار.
5 حزيران 2007
استوكهولم









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس