الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضمير من عصرنا

صبحي حديدي

2003 / 9 / 26
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


"العداء للسامية: كلّ ما أردتَ أن تعرفه عن العداء للسامية ولكنك شعرتَ بأنكَ أكثر إحساساً بالذنب من أن تطرح السؤال"، هذا هو العنوان الطويل لكتاب غير عادي يصدر هذا الخريف في الولايات المتحدة، بتحرير رجل غير عادي هو ألكسندر كوبرن. وراهنوا أنّ الزوبعة ضدّ الكتاب والكاتب لا تتجمّع منذ الآن فحسب، بل هي تعصف هوجاء عاتية منذ أن أعلنت دار النشر Counter Punch/AK أنّ صدور الكتاب بات مسألة أسابيع.
وألكسندر كوبرن، كما يعلم الكثيرون، صحافي إيرلندي يقيم في الولايات المتحدة منذ أكثر من عقدين، ويواظب على تشريح أكاذيب وأضاليل وجرائم "الحلم الأمريكي"، بدأب وعناد ويقظة وسخط، وبعمق قلّما نجد له مثيلاً في الأساليب الصحافية الراهنة، المنحنية إجمالاً لنموذج الـ CNN والـ "نيويورك تايمز". وهو سليل بيت سياسي ـ فكري عريق ومعارض، ولهذا فقد تحوّل إلى ضمير قلق أبداً، منشقّ عن المألوف والروتيني والتنميطي، يجوس ليل الظاهرة (سياسية كانت أم اجتماعية أو أدبية، جليلة أم تافهة، محلية أم كونية)، بحثاً عن الخفيّ والمخفيّ لكي يكشف دائماً عن صحّة القاعدة الذهبية: ما خفي كان أعظم!
في حرب الخليج الثانية، 1991، كان أوّل مَنْ امتلك شجاعة التشكيك في صحّة حكاية حاضنات الأطفال الرضّع في مشافي الكويت، حين كان السواد الأعظم (في الغرب والشرق على حد سواء) يستشيط غيظاً وألماً وتوجّعاً من "السلوك العراقي البربري". وأثبتت الأيام أن الحكاية مفبركة تماماً، وأن مؤسسة عملاقة تختصّ بالعلاقات العامة قبضت مبلغاً خيالياً لإعداد السيناريو الكفيل بكمّ أفواه مَنْ ينوي الاعتراض على الحرب في جلسة الكونغرس.
وكان كوبرن هو الذي ذكّر العالم بأسره أن البطل القومي البريطاني وحامل جائزة نوبل ونستون تشرشل، هو أوّل من أعطى الإذن باستخدام الأسلحة الكيماوية والغازات السامة، وتجريبها على بدو العراق في الجنوب تحت الذريعة الصريحة التالية: "الأسلحة الكيماوية تمثّل تطبيق العلوم الغربية علي الحرب الحديثة. إننا لا نستطيع تحت أي ظرف الضغط باتجاه منع استخدام أية أسلحة متوفرة وقادرة على إنهاء الفوضي السائدة علي الحدود".
وحين فاز الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في انتخابات الرئاسة الأولى، كان كوبرن الوحيد الذي كشف النقاب عن الحقائق (الصاعقة!) التالية:
ـ أنّ كلينتون متورّط من رأسه حتى أخمص قدميه في عمليات تبييض أموال المخدّرات وتسويق البضاعة وتدريب مختلف كوادر المهنة من طيّارين وموزّعين ومبيّضي أموال، وذلك في بلدة مينا في ولاية أركانسو حيث كان كلينتون هو الحاكم، وحيث رفض من موقعه ذاك مئات العرائض التي طالبت بإغلاق مطار البلدة الفاسد.
ـ مقرّ الحاكم كلينتون، في ليتل روك، كان مسرحاً لأكثر من فصل واحد في فضيحة "إيران غيت" وصفقات الأسلحة إلي عصابات الكونترا: من هنا مَرّ أوليفر نورث دون سواه، بالتنسيق مع بودي يونغ (المسؤول عن أمن كلينتون الشخصي)، كما مرّ عميل المخابرات المركزية الأمريكية فيليكس رودريغيز... الذي يفاخر بأنه انتزع ساعة تشي غيفارا واحتفظ بها للذكرى حين بات الثوري الشهيد جثة هامدة.
ـ فريق كلينتون كان متورّطاً حتي أذنيه في فضيحة بنك الاعتماد والتجارة BCCI ، والعلاقة مع رموز هذا البنك (وكوبرن يذكر الأسماء، كلّ الأسماء!) أثمرت عن تقديم مليوني دولار لحملة كلينتون.
وقبل سنوات أصدر كوبرن عملاً ضخماً، برهن من جديد علي أنه الضمير القلق واليقظ في آن، المتوثب أبداً إلى كشف الأستار والأغوار، والمؤهّل المدرّب على الغوص عميقاً في الظاهرات. وفي كتابه ذاك، "العصر الذهبي كامنٌ فينا: رحلات ومواجهات"، دار نشر فيرسو، أماط كوبرن اللثام عن المزيد من تجليات "الحلم الأمريكي": في رمزية الكوارث الطبيعية، وفي مهازل لجان الكونغرس، وفي الصراع الزائف الدائر بين نزعة نيو ـ ليبرالية شبيهة بأختها النيو ـ محافظة، وفي حرائق مجمّع واكو ومذبحة "الداوديين"، وزيف الضمير الأمريكي الطهوري، وفي ظواهر أخري تخفي ما هو أعظم.
وفي أعماله السابقة واللاحقة، كما في مقالاته الساخنة الفضّاحة التي يكتبها بانتظام في مجلة The Nation والموقع الإلكتروني CounterPunch، يظلّ ألكسندر كوبرن هو "ألكسندر اللامع" كما وصفه إدوارد سعيد ذات يوم. إنه أيضاً ألكسندر اللاذع والكشّاف والرائع. انتظروا، إذاً، كتابه القادم عن الصناعة الكبرى التي تُسمّى العداء للسامية، وراهنوا على عشرات المعارك الدامية التي ستثيرها أطروحات الكتاب، وحذار من الرجل: إنه محارب قديم شديد المراس، متطرّف تماماً في الحقّ، متزمت في الدفاع عن القضايا الخاسرة، متشدّد في السباحة عكس التيّار السائد!

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?كلات فلسطينية شهية تحضير الشيف عمر ???? دايركت عالمعدة


.. هل تعرضت ماريانا للا?ذى من إحدى صديقاتها ????




.. صراع بيل غيتس وإيلون ماسك، أنت مع من؟ | #الصباح


.. وفد بقيادة رئيس الموساد ديفيد برينغ يتوجه إلى قطر لبدء جولة




.. طائرة الرئيس الصيني ترافقها طائرات مقاتلة بعد اختتام زيارة إ