الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإتفاقيات الثنائية الأمريكية وخطورتها على نظام الجزاء الدوليً الموَحًد.

أحمد الجُبير

2007 / 7 / 15
دراسات وابحاث قانونية



دأبت الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ العام 1998، وحتى الوقت الحاضر على إضعاف وعرقلة جهود دول العالم في بناء محكمة الجزاء الدولية. ففي البدء عارضت فكرة إنشاء المحكمة المشار اليها، إذ زعمت بإمكانية أن تُستخدم هذه المحكمه لإجراء ملاحقات قضائية نابعة من أهداف سياسية ضد رعاياها، وبالتأكيد فإن هذه المزاعم لاأساس لها من الصحه لأن التدابير الاحترازية الجوهرية وضمانات المحاكمة العادلة الواردة في قانون روما الأساسي تمنع نشوء مثل هذه التوجهات. وعندما لم تنجح جهود الولايات المتحده الأمريكيه في ذلك، بادرت بسلسلة من المبادرات التي من شأنها ( لو كتب لها النجاح في حينها ) أن تقوًض تلك الجهود التي دَعتْ الى تأسيس نظام قضائي عالمي تتم بموجبة مقاضات مرتكبي الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. فأثناء فترة مؤتمر روما الأساسي الذي عُقد في العام 1998، عَمَلتْ الولاياتُ المتحدة الأمريكية بقوة على كسب التأييد لإشراف الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي على الحالات التي ستحققُ فيها المحكمة الجنائية الدولية وتقاضي أصحابها. ولكنها لم تفلح في تحقيق ذلك.
وبناءاً على ذلك إمتنعتْ عن المصادقة على قانون روما الأساسي. ولكن في عهد إدارة الرئيس بيل كلينتون، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إدراج إعفاء لمواطنيً الولايات المتحدة في الوثائق التكميلية مثل قواعد الإجراءات والأدلة. وقوبلت هذه المبادرات بالرفض أيضاً. وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 2000 وعقب حملة طويلة أطلقتها المنظمات غير الحكومية "بمن فيها فرع منظمة العفو الدولية" في الولايات المتحدة، وقع الرئيسُ بيل كلينتون على قانون روما الأساسي. لكنه صرَّح بأنه لا يعتزم الانتقال إلى المصادقة، بل سيستخدمُ توقيعَ الولايات المتحدة كأساس لضمان الاستجابة لبواعث قلق الولايات المتحدة. (1)
وتوًجت إجراءاتُ الولايات المتحدة الأمريكية ضًدَ محكمة الجزاء الدولية، بعدم مصادقتها على ما وًقعتْ عليه، إذ إنها سحبت هذا التوقيع في شهر مايو 2002. يضافُ الى ذلك إن إدارةَ الرئيس الحالي جورج بوش ومنذ يومها الأول، دَعَمَتْ علناً قانونَ حماية أفراد القوات المسلحة الأمريكية الذي يحد من التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، ويسمح للولايات المتحدة الأمريكيه أن تستخدم "كافة الوسائل الضرورية" لإعادة أي شخص تعتقله المحكمة الجنائية الدولية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك بل وتقدمت بطلب إلى مجلس الأمن الدولي "حين التجديد لبعثة حفظ السلام في البوسنة والهرسك" تضمن إعفاء قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية،. ولكن الأعضاءَ الأربعةَ عشَرَ الآخرين في مجلس الأمن رفضوا ذلك، عليه فقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حًقَ النقض ضًدَ تمديد فترة بعثة حفظ السلام هناك. وخلالَ تلكَ الأجواء صَدَرَتْ دعوات لأكثر من 100 دولة بعدم الرضوخ لمطالب الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ذلك لم يمنع مجلس الأمن الدولي الذي اعتمد القرار رقم 1422 في 12 يوليو/تموز 2002 والقاضي بالطلب من المحكمة الجنائية الدولية إرجاء أي تحقيق أو مقاضاة تتعلق بأشخاص ينتمون إلى دولة ليست طرفاً في القانون الأساسي للمحكمة المشار اليها، والتي تشارك (كقوات لحفظ السلام) في عمليات ينفذها مجلس الأمن أو يأذن بها لمدة 12 شهراً. وقد عزم مجلس الأمن تجديد هذا القرار سنوياً. وذكرت إحدى الشبكات الإعلاميه الأمريكيه من "أن الولايات المتحدة تريد توفير الحصانة للأمريكيين المشاركين في مهمات حفظ السلام بالخارج، بحجة أنه بدون هذه الحصانة فإن قواتها ومواطنيها سوف يتعرضون لما أسمته باتهامات ذات دوافع سياسية".2002. (2)
ورغم إن قرار مجلس الأمن المذكور يشكل عامل ضعف (لمجلس الأمن ذاته) أمام الضغوط الأمريكيه، فإنه في ذات الوقت يشكلُ نقطةَ ضعف في كيان محكمة الجزاء الدولية، ويُبرزُ مدى قدرة تأثير العوامل السياسية التي يتأثر بها المجلس، والتي تنعكسُ بدورها، على الحد من قدرة المحكمة وإستقلاليتها. إذ أن إستمرارية تجديد قرار مجلس الأمن 1422 الأتوماتيكي ( بناءاً على الطلب المتكرًر للولايات المتحدة الأمريكية)، يجعلُ المحكمةَ عاجزةّ عن مسائلة هذه القوات في حال إرتكابها إحدى الجرائم التي من المفترض أن تحقق فيها، وأن تنزلُ عقابها في مرتكبيها حالَ إثبات التُهم عليهم. وهذا ما يوًلدُ خللاً في آلية وعدالة التطبيق لمحكمة الجزاء الدولية. هذه الآلية خلقتها الولايات المتحدة الأمريكية وهي جزء من إستراتيجيتها المرتكزة على التخلص من قيود محكمة الجزاء الدولية. وبالتالي لكسر إرادتها القاضية بجعل المواطن الأمريكي على قدم المساواة من حيث المسائلة القانونية مع بقية مواطنيً بلدان العالم، وهو المبدأ الذي ترفضهُ الولايات المتحدة الأمريكية حتى هذه اللحظة.
زدْ على ذلكَ السعيً الحثيث للولايات المتحدة الأمريكية للإتصال بحكومات الدول في مختلف أنحاء العالم، والطلب منها عقد اتفاقيات ثنائية تقتضي عدم تسليم رعايا الولايات المتحدة أو نقلهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقد وقعًت الولايات المتحدة الأمريكية فعلاً مثل هذه الاتفاقيات الثنائية مع كل من: تيمور الشرقية وإسرائيل ورومانيا وطاجيكستان. وتمارس الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطاً شديدة على دول أخرى لتلبية طلبها، مهددةً في حالات عديدة بسحب المعونة العسكرية عنها. كما وتزعم الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الدول بأن هذه الاتفاقيات قانونية وتتماشى مع قانون روما الأساسي. وهذا الزعم لا أساس له من الصحة إذ أن هذه الدول التي تعًقُدُ مثل هذه الاتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية تنتهكُ الالتزامات المترتبة عليها بموجب القانون الدولي.
أما الخطورة التي تشكلها هذه الأتفاقيات الثنائية فهي:
• أن الدول التي وقعًت على تلك الإتفاقيات، قد أخلًت بإلتزاماتها الدولية كما أشرنا ( حيث إنها سبق وأن وقعًت وصادقت على إتفاقية دولية تتعارض وإلتزاماتها مع ما تتفق عليه مع الولايات المتحدة الأمريكية)، وهذه الخطوة تشكل خرقاً في التزامها الدولي.
• أن قبول دول أخرى وتحت الضغط والترغيب والتهديد السياسي والإقتصادي الأمريكي يؤدي بالنتيجة الى حرمان البشرية من معاقبة مجرميها وذلك عن طريق التخلي عن الإلتزام بما نصت عليه إتفاقية روما المنشئة لمحكمة الجزاء الدولية.
• العبث بكل الجهود الرامية لخلق نظام قضائي موحًد للعالم، وهو مايضر بالبشرية جمعاء وستكون هذه الإتفاقيات ملاذاً يحتمي تحتها مجرمي الحرب ومنتهكي حقوق البشر.
(1) إنظر: منظمة العفو الدوليه: " مناورات الولايات المتحدة الأمريكية لإضعاف المحكمة الجنائية الدولية"النشرة الإخبارية. لندن. أكتوبر/تشرين الأول 2002.
(2) شبكة "سي.إن.إن" الأمريكية الأحد 30-6-2002.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب العلوم السياسية بفرنسا يتظاهرون دعمًا لغزة


.. علي بركة: في الاتفاق الذي وافقنا عليه لا يوجد أي شرط أو قيود




.. خليل الحية: حققنا في هذا الاتفاق أهداف وقف إطلاق النار وعودة


.. البنتاجون كأنه بيقول لإسرائيل اقتـ.لوهم بس بالراحة..لميس: مو




.. مستشار الرئيس الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي يتجاوز مسألة استع