الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمود في حيفاه وعلى كرمله

برهوم جرايسي

2007 / 7 / 15
القضية الفلسطينية


يعود محمود درويش في هذه الأيام إلى حيفاه المدينة، وكرمله الجبل، عودة ليست أطول من لمح البصر، هو يوم أو يومان، بإذن موظف في غرفة جانبية في أحد مكاتب عسكر الاحتلال، لا يعرف من هو درويش، ولا يفهم اشتياق جذور شجرة السرو إلى ترابها في ذلك الجبل، جبلها.
تعود يا محمود إلى حيفاك وجبلك، واستبقك لاقول أن لا حيفا بقت على حالها، ولا الجبل بقي على جماله، كتل اسمنتية متراكمة، والحبل على الجرار، والجبل تغتصبه الجرافات ليل نهار، من على سطحه وعلى سفحه، وحتى في باطنه... فقريبا سيفتحون لنا شارعا في جوفه.
استبق الحديث لك، من كثرة الغلبة، فأنا أحد "قدامى" صبية جريدتك "الاتحاد"، أجلس على ما تبقى لها من درجات، قرب الفتحة التي أحدثها لنا صاروخ لبناني وقع بالذات في هذه النقطة سهوا، قبل أقل من عام من سقوط صاروخ لغوي مستكتب، ولكنه سقط مع سبق الاصرار والترصد.
تعود وقد يكون علق في طرف حذائك بعض من قرف حالتنا الفلسطينية، ولكل بقعة من مواقع تناثرنا قرفها، وهو من صنع فلسطيني، حتى وإن كانت بعض "مواد الخام" أجنبية.
هناك يسوقون أخوتهم كالخراف إلى مذبح التخوين، وعندنا يسوقون تاريخنا وثقافتنا وأدبنا إلى مذبح التشويه والتزييف، رغم أن هذا كنزنا الذي حافظ لنا الأولون عليه بدمائهم، في وجه مخططات التجهيل والتزييف، واليوم لم تعد حاجة لهذه المخططات بعد أن ظهر لنا "مقاومون جدد"، ليس في غزة فحسب بل هنا عندنا أيضا، وفي حيفاك، وإن شئت على كرملك.
أنا يا أيها الكرملي، ودون انتقاص من بروتك، حققت إنجازا في هذه الأيام بحصولي على تذكرة لأسمعك، وهذه ليست المرّة الأولى، وأيضا في المرّة السابقة حين جئت إلينا، أو جئنا اليك، بعد حصولك على إذن من ذلك الموظف العسكري.
واعترف لك وللجميع، أنني لست أسيرا للأدب العربي وشعره، لربما هذا نابع من عقدة نفسية مكبوتة، تعود إلى أيام المدرسة، حين كنا مجبرين على حفظ القصائد المطولة تحت تهديد العلامات المدرسية وشهاداتها، وهذه العقدة عانيت منها طويلا، رغم أنني تحررت منها جزئيا، وجزئيا بشكل محدود جدا، وعلى ما يبدو فهي محدودية ايجابية.
تحررت جزئيا بعد دخولي إلى بيتك "الاتحاد" في "عهد إميل"، حينها كنت آخر الصبية الذين دخلوا وتتلمذوا وبقوا لسنوات طوال، وهناك اضطررت لدراسة قواعد لغتنا من جديد وتحت التهديد، ولكنني تعلمت هناك ايضا تذوق الكلام، لاصطدم من جديد بالشعر، ولكنه كان من نوع آخر، شعر يعبر عنا لحظة بلحظة.
يومها لم تكن عندنا "مدارس الغفلة" ومكتشفوا المياه الساخنة لم يظهروا على الساحة بعد، ولكن في حينه وحتى يومنا، لم يكن بالإمكان الحديث عن شوق الوطن، دون ترديد "أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي"، ولم يكن بالإمكان الحديث عن عنفواننا دون التأكيد على أننا "عشرون مستحيل".
يومها كان مكتشفوا المياه الساخنة لم يتجرأوا بعد على الظهور تحت الشمس، فقد كان كل شيء صعبا، وكانت الشمس حارقة جدا.

وعود على ما علق بطرف حذائك.
لا اعتقد ان مهمة التنظيف ضرورية، لأنه أينما ستضع قدميك في مواقع تناثرنا وتشتتنا وتشبثنا سيعلق بحذائك صنف آخر من قرفنا، ولكنه من الصعب أن يعلو لأكثر من كعب كندرة، فتحمّل وأنت جمل المحامل، أنت منا ونحن منك، ونعيش سوية حالتنا المتردية "من جيل إلى جيل".
تعال إلينا لنأتي اليك، فنحن ضيوفك على كرملك، وأولئك الذين استفاقوا على غفلة الآن، تبين لهم أن المياه الساخنة قد تم اكتشافها يوم أن اكتشفوا النار، أتركهم، لأن الحكمة في أفواه جداتنا تقول: "لا تعاشر المخزي بخزيك".
تعال يا محمود لربما بك نستعيد مشاهد كرمل كان يوما ما أجمل، تعال لربما، رغم أننا متأكدون، ولكن "لربما" كتواضعك، نجلي رؤوسنا وأدمغتنا مما علق بها من قرف الأيام.
تعال، فأنت لا تعرفني، وأنا من "قدامى" صبية "الاتحاد"، سأنتهز رؤياك من على أحد المقاعد المترامية في تلك الكتلة الإسمنتية على كرملك، وسأستمع لشعرك، ولكنني في تلك اللحظة سأسبح في تاريخ بيتي، بيتك "الاتحاد"، قبل أن قصفه سهوا صاروخ لبناني، وقبل ان قصفنا صاروخ آخر مستكتب مسترزق، لكن مداه كان أقصر من أن يصل الى طرف نعلك ونعالنا.
تعال.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟