الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلماذا أسميناهم متأسلمين؟

رفعت السعيد

2007 / 7 / 15
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أخطأنا كثيرا‏,‏ بل وكثيرا جدا‏,‏ ولم نزل نخطئ أكثر وأكثر في تعاملنا مع الإرهاب‏,‏ نخطئ من الألف الي الياء‏,‏ ابتداء من التسمية وانتهاء بأسلوب التعامل‏,‏ والغريب في الأمر أننا لا نختار في تسميتهم إلا ما يفيدهم ويمنحهم من الصفات ما لا يستحقون‏.‏

والمثير للدهشة أن الإعلام المصري كان في الماضي القريب أكثر كفاءة في التعامل مع هؤلاء الإرهابيين‏,‏ فجماعة شكري مصطفي التي سمت نفسها الجماعة المسلمة سميت في زمانها جماعة التكفير والهجرة نسبة الي اصرارها علي تكفير المجتمع وكل من عداها جميعا‏,‏ حكاما ومحكومين‏,‏ والي دعوتها لأعضائها للهجرة الي مكان مهجور حتي لا تفتنهم مدنية الكفار ومبتدعاتها ثم يعودون وقد أصبحوا أكثر قوة لهزيمة الكفار‏,‏ أما جماعة صالح سرية المسماة شباب محمد فقد سماها الإعلام جماعة الفنية العسكرية‏,‏ نسبة الي محاولتها تنفيذ انقلاب عسكري بواسطة بعض من طلاب الكلية الفنية العسكرية‏,‏ أما الآن فإننا نلاحظ استخدام مسميات ليست خاطئة فقط وانما هي ايضا تمنح الارهابيين ما لا يستحقون من تقدير وجاذبية‏,‏ ونتتبع بعضا من هذه المسميات محاولين مقارنتها بالمعني الحقيقي لكل منها‏:‏

المتطرفون‏:‏ وفي القاموس الطرف هو الناحية‏,‏ وطرف الشخص هم آباؤه الأولون‏(‏ القاموس المحيط‏),‏ ويقال إن فلانا كريم الطرفين أي كريم النسب من أبيه وأمه‏(‏ مختار الصحاح‏)‏ وطرف الشئ أي نهايته‏(‏ المعجم الوسيط‏).‏

وهكذا فنحن اذ نسمي هؤلاء الإرهابيين بالمتطرفين فإننا ننسبهم الي الآباء الأولين للدعوة الإسلامية‏,‏ وما هم بمستحقين لذلك ولو بأقل قدر‏.‏

الأصوليون‏:‏ وأصل الشيء أساسه الذي يستند إليه ويقوم علي دعائمه‏,‏ والأصول هي القواعد التي تبني عليها الأحكام‏,‏ وأصول الفقه هي الأسس التي يقوم عليها‏(‏ المعجم الوسيط‏)‏ وهكذا فنحن نمنحهم صفة تعلو بهم علي من عداهم‏,‏ فهم وفق هذه التسمية يعتبرون دعاة للأحكام الأصولية في الإسلام‏..‏ وما هم كذلك‏,‏ بل انهم إن كانوا كذلك لمددنا أيدينا إليهم ولربما كنا منهم‏.‏

السلفيون نسبة الي السلف‏,‏ وقد اعتاد الناس علي تسميته بالسلف الصالح‏..‏ وهي طبعا تسمية خاطئة‏.‏

تيار الإسلام السياسي وخطورة هذه التسمية أنها تنسب ما يقوله الإرهابيون الي الإسلام وما هو كذلك‏,‏ فإن كان كذلك فلم لا نقول ما يقولون‏,‏ ونفعل ما يفعلون؟ أما الخطر الثاني والخطأ الأكثر فداحة فيأتي من تبرير وتمرير مسألة الخلط بين الدين المطلق الصحة‏,‏ وبين السياسة التي هي آراء شتي لتعبر عن مواقف ومصالح ورؤي مختلفة‏.‏

الإسلاميون‏:‏ وهي تعني أنهم يدعون أو يزعمون أنهم مسلمون وما هم كذلك‏,‏ ونحن لا نقبل بأن نتهمهم بالخروج عن ملة الإسلام‏,‏ بل هم مسلمون فنحن لا نملك الحق في تكفيرهم وإلا وقعنا فيما يقعون فيه هم من خطأ‏,‏ لكنهم بما يقولون وما يعملون يصبحون بعيدين عن فهم الإسلام الصحيح وهذا شيء يختلف عن الخروج من الملة‏,‏ وحتي لو كان ما يرتكبونه من أفعال وما يقولون به من دعاوي هو خروج عن صحيح الإسلام‏,‏ وفيه اساءة للإسلام وصورته‏,‏ وهو كذلك بالفعل‏,‏ فإن ذلك لا يجيز لنا تكفيرهم‏.‏

وهناك علي الضفة الأخري‏,‏ خطأ يقع فيه بعض كبار رجال الدين وكثير من الكتاب فهم يستخدمون تعبيرات مثل‏:‏ الإسلام المعتدل أو الإسلام الوسطي‏,‏ وهو قول غير دقيق‏,‏ بل غير صحيح‏,‏ فإن قلنا هذا إسلام معتدل لجاز لنا أن نقول ان ثمة إسلاما آخر غير معتدل‏,‏ وينشأ مثل هذا القول من خطأ أكثر فداحة هو الخلط بين الدين المقدس وبين الرأي في الدين‏,‏ أي بين الدين والفكر الديني‏.‏

والحقيقة أن أكثر ما نعاني منه في أيامنا هذه‏,‏ هو محاولة البعض الخلط المتعمد بين رأيهم أو موقفهم وبين الدين ذاته‏,‏ وهو خطأ فادح وفاضح‏,‏ فليس من حق أحد أن يدعي أن ما يقوله هو الاسلام ذاته‏,‏ ولا تفسيره علي أنه التفسير الوحيد الصحيح‏,‏ ومن ثم فإن تعددية وجهات النظر والاختلاف في الرأي وهو أمر طبيعي ومنطقي بل وضروري لا يعني أن الاسلام قد يكون هذا وقد يكون ذاك‏,‏ وانما يعطي المسلمين فسحة من إعمال العقل والفكر‏,‏ ولهذا تعدد الفقهاء وتعددت آراؤهم واختلفت بل وتصادمت واتسع صدر الاسلام لذلك كله‏,‏ بل وأعطي للمسلم الحق في الاختيار من بين مختلف الاجتهادات‏,‏ بل وله هو أيضا أن يجتهد‏,‏ ولهذا أيضا اعتاد الفقهاء فيما مضي علي اختتام رأيهم أو فتواهم بعبارة جميلة وهي‏:‏ والله أعلم‏,‏ ولست أدري لماذا ينسونها الآن‏.‏

وما من فقيه حقيقي اتهم من اختلف مع مذهبه أو رأيه بالمروق من الاسلام‏,‏ لأنه يعرف أن ما يقال به هو مجرد رأي إنساني يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب‏,‏

هكذا تتحول عملية تديين السياسة الي نكبة‏,‏ فالخطأ والصواب في هذا الرأي أو ذاك يختفيان ويحل محلهما الحلال والحرام‏,‏ وينطق السياسي المرتدي زيا دينيا بقوله موحيا للناس بأن ذلك هو الدين ذاته‏,‏ وليس أمام المخالفين إلا التسليم أو الصمت خشية اتهامهم بالوقوف ضد الدين‏,‏ أو اللجوء الي الفقه والفهم المضاد وهكذا تتحول ساحة السياسة‏,‏ أو بالدقة غابة السياسة الي معترك فقهي يخوض فيه من يعرف ومن لا يعرف‏,‏ وكلما قلت المعرفة اختفي التسامح إزاء الرأي الآخر‏,‏ وتتبدي الكارثة في أجلي صورها عندما استخدم البعض في غمار السياسة شعار الإسلام هو الحل وأنا اعترف أن للقول رنينه الجذاب ولكن النظر العقلي اليه يوضح خطأ استخدامه‏,‏ فإذا كنا نعاني في مجتمعنا من مشكلات عديدة اقتصادية واجتماعية وسياسية‏,‏ وانخفاض في مستوي المعيشة و‏..‏ و‏....‏الخ‏,‏ ثم يرفع في مواجهة ذلك الإسلام هو الحل

والآن‏..‏ هل يمكن أن نوضح لماذا نفضل استخدام لفظ المتأسلمين؟

والمتأسلمون اشتقاق لغوي نعتقد أنه صحيح‏,‏ فالتاء إن جاءت في آخر الكلمة صارت ضميرا كأن تقول فعلت‏,‏ أو أكلت‏,‏ وإن جاءت في أولها صارت علامة فإذ تقول تجاهل أو تظاهر أو تفلسف فإن ذلك يعني تجاوز الشيء دون الخروج عن صفته الأصلية‏,‏ وذات يوم سئل عمر أبن الخطاب‏:‏ في القرآن الكريم نقرأ وفاكهة وأبا‏,‏ فما هو الأب فقال‏:‏ لا أدري ثم أضاف‏:‏ نهينا عن التفقيه‏,‏ وهكذا يتضح الفارق وبعد إضافة التاء بين الفقه والتفقيه‏.‏

ولقد حاول المتأسلمون ـ ولايزالون ـ اختطاف الإسلام‏,‏ مدعين أن ما يقولنه ويفعلونه هو ذات الإسلام‏,‏ وأنهم الممثل الشرعي الوحيد له‏,‏ وهم في حقيقة الأمر يسيئون إليه ويسيئون الي صورته ويسيئون إلينا والي صورتنا والي نظرة الآخر إلينا والي ديننا‏,‏ والآن هل اتضحت أسباب ومبررات استخدام هذه التسمية؟ وهل اتضح خطأ وخطر استسهال إطلاق مسميات تصب في صالح المتأسلمين وتقوم بتحسين صورتهم؟ وقبل هذا وذاك هل اتضحت خطورة تسييس الدين والتستر خلفه لتحقيق مآرب سياسية أو انتخابية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التاريخ يعيد نفسه
هديل الخيّر ( 2011 / 11 / 27 - 12:08 )
أشكرك رفعت السعيد على هذا المقال. و أخشى ما أخشاه أن تؤدي مطامعهم السياسية إلى إيصال العالم الإسلامي إلى ما كانت عليه أوروبا في بدايات الألفية الثانية: القوة و الفصل في يد من .يسيطر على المنشآت الدينية و عامة الشعب في جهل شامل


2 - ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار
المؤرخ المصرى ( 2012 / 4 / 23 - 03:05 )
خطر من يدعي الاسلام وهو يكن له العداء اشد من خطر الكافر او المشرك الصريح لذا كانت ايات التحذير من المنافقين وفضحهم اضعاف ايات ذم الكافرين والمشركين وورد في ذهني وانا اقراء تلك الترهات نصيحة احد الزنادقه لاتباعه فقال لهم لا تسبوا نبي المسلمين ودينه صراحة ولكن البدايه ان تسبوا اصحابه الذين نقلوا اليهم الدين فأن تقبلوا فسبوا دينهم ونبيهم وذلك ديدن الكاتب يكتب مقاله طويله عريضه عن تسامح الاسلام وسماح المسلمين لمخالفيهم بالهجوم علي دينهم ثم يمرر في جزء من المقال تشكيك في صحة الاحاديث نقل الاحاديث وبعد مدة النقل متجاهلا علوم الاسناد والتجريح وجهد المحدثين واتفاققهم علي صحيح الاحاديث فأذا دس سمه في الحديث شكك في القرأن مستخدما تأويل علماني او فكر الحادى

اخر الافلام

.. ندوة سياسية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق في البصرة 31 أيا


.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين




.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع


.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف




.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا