الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظور حزب النهج الديمقراطي من الأمازيغية و الصراع الطبقي 1

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 7 / 15
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


تضمن العدد 117ـ118/ يوليوز ـ غشت 2007 من جريدة النهج الديمقراطي لسان حال الحزب مضمون ما سمي ب" ندوة العدد : المسألة الأمازيغية " ، و التي عقدتها الجريدة يوم الأحد 27 ماي 2007 بالمقر المركزي لحزب النهج الديمقراطي بالبيضاء ، وقد عبرت هيئة التحرير من خلال هذه الندوة بالأهمية التي يوليها الحزب ل" المسألة الأمازيغية " متوخية منها "إغناء النقاش في الموضوع و ليس المطلوب ، بأي حال من الأحوال ، الخروج بخلاصات نهائية "، و اقترحت هيئة التحرير تناول محورين : " المسألة الأمازيغية و الصراع الطبقي ، البرنامج الآني و الإستراتيجي للمسألة الأمازيغية "، و بالإستناد إلى مفهوم الصراع الطبقي كمفهوم ماركسي من الضروري تناول القضية الأمازيغية من منطلق التحليل الماركسي ، إلا أن الندوة بصفة عامة لم تستطع الوصول إلى بناء نظرية الصراع الطبقي في التعاطي مع هذه القضية ذات الجذور التاريخية في الصراع على السلطة السياسية و الإقتصادية بالمنطقة المغاربية بصفة عامة و المنطقة المغربية بصفة خاصة ، ذلك أن جل المتدخلين لم يستطيعوا بلورة مفهوم الصراع الطبقي في تناولهم للقضية الأمازيغية إلا في بعض التلميحات التي لم تستطع الوصول إلى عمق الصراع المطروح حول الأمازيغية في الساحة السياسية و الجماهيرية ، و يمكن اعتبار جميع التدخلات التي أطرها مناضلون حزب النهج الديمقراطي في هذه الندوة بدائية حيث لم ترق إلى حد يمكن معه نعتها ببحوث علمية ، بقدر ما هي عبارة عن آراء غير منسجمة و متناقضة لا مرجعية نظرية لها ، رغم أن أصحابها يدعون أنهم ينطلقون من مرجعية واحدة تقتضي فرض الحد الأدنى للإلتقاء في التعاطي مع قضية في حجم القضية الأمازيغية ، و ذلك راجع إلى كون المتدخلين لا يملكون الرصيد المعرفي الدقيق في التعاطي مع القضية الأمازيغية باعتبارهم بعيدين كل البعد عن مجال الحركة الأمازيغية و تداعياتها على الساحة السياسية ، و هكذا نجد كل تدخلاتهم بعيدة كل البعد عن تناول القضية الأمازيغية من البعد الطبقي بقدر ما يريدون تبرير الصراع الطبقي بكونه صراعا إقتصاديا و ليس لغويا و لا ثقافيا ، و الإدعاء بأن حل القضية الأمازيغية لا يمكن أن يتم إلا في الإطار الشمولي للصراع الطبقي عامة ، باستثناء طبعا مداخلة الأستاذ الكبير الميلودي التي حاولت ملامسة علاقة الأمازيغية بالصراع الطبقي .
و كانت بداية الندوة بمداخلة الأستاذ الحسين بوتبغة و الذي ربط "المسألة الأمازيغية" بنشأة "الدولة القطرية" ، هذا الربط الذي لا يمت بصلة بالتحليل الماركسي لمفهوم الدولة و علاقته بالقضية الأمازيغية و هو يقول :
" الأمازيغية كمسألة قومية و قضية وطنية هي من المكونات الأصيلة للهوية العميقة لشعبنا ، و لفهم هذه الهوية و استيعاب المسألة الأمازيغية على ضوئها ، لا بد من الأخذ بعين الإعتبار الصيرورة التاريخية التي تكون عبرها هذا الشعب ، و كذلك فهم المراحل التي قطعها تكون الدولة القطرية بصفة عامة ، و المغربية خاصة ، من حيث هي شكل تاريخي لتجمع بشري حديث نسبيا".
و اعتبر أن الدولة القطرية الحديثة عبارة عن سوق بحدود جغرافية ككيان سياسي و اقتصادي يجمع بين طبقتين أساسيتين متصارعتين البورجوازية و البروليتاريا ، و اعتبر أن اللغة و الثقافة توحد بين هاتين الطبقتين و مؤسسات مشتركة و سمحت هذه الدولة بتراكم الرأسمال ، و اعتبر أن الدولة القطرية كما هي معروفة الآن بدأت في التشكل في القرن التاسع عشر مع بروز البورجوازية و تطور الرأسمالية ، و ما قبل ذلك هناك قبائل منسجمة إلى حد ما و متمايزة في أقطار و كيانات سياسية في طور التشكل و من بين العوامل المساهمة فيها اللغة و الثقافة هذا بصفة عامة ، و يرجع الأستاذ تشكل الدولة بالمغرب إلى إدريس الأول سنة 800 ميلادية باعتباره عربي و مسلم قادم من الشرق ، هذه الدولة التي عرفت فوضى و ثورات و فتن بين القبائل و تشكلت فيها "بلاد المخزن" من السلطان و حاشيته و التجار العرب و "بلاد السيبة" تقطنها غالبية أمازيغية و هي بلاد العصيان و الردة و الثورات ضد السلطة المركزية ، هكذا يصور الأستاذ بكل بساطة تشكل الدولة بالمغرب منذ 800 ميلادية و ما قبل ذلك لا يستطيع الأستاذ الحديث عنه ، و هو في أول كلامه يتحدث عن الصيرورة التاريخية لتشكل الشعب المغربي و الدولة بالمغرب و لكنه فيما بعد يختزل هذا التشكل في كون إدريس الأول العربي المسلم هو الذي أقام الدولة ببلاد المغرب ، و يضيف الأستاذ بوتبغة :
" هكذا استطاع العرب المسلمون الأوائل المشكلون من التجار ، و الذين يقطنون المدن مثل فاس و تطوان و غيرها إلى جانب السلطان و حاشيته ، و كذلك رجال الدين أن يفرضوا سلطتهم المادية و المعنوية ، بما في ذلك اللغة العربية ، على غالبية السكان المغلوبة على أمرها ، و كان السلطان القوي هو الذي يستطيع أن يفرض نفوذه و سلطته على أغلبية القبائل ، و أن ينزع منها أكبر قدر من الضرائب و الكلف ".
و يبدو من هذا التحليل التبسيطي الذي تناول عبره الأستاذ تشكل الدولة ببلاد المغربية أن الأستاذ غير ملم بالتحليل الماركسي للتاريخ ، و أن ما استند إليه في مداخلته لا يعدو أن يكون مأخوذا من كتب التاريخ الرسمي الذي يتم تدريسه بالمدارس العمومية بالمغرب ، و أن الأستاذ غير ملم حتى بالمنهج السوسيولوجي للحركة الإجتماعية بالمغرب و التي أسس لها عبد الرحمان بن خلون في كتابه القيم "المقدمة" الذي يعتبر مرجعا أساسيا لدى علماء الإجتناع في الغرب و الشرق ، و يبدو ذلك في قوله :
" و لا يمكن من خلال ما سبق أن نستنتج أن هناك مغربين مستقلين منفصلين عن بعضهما ، بل كان هناك كيان واحد ، جزء منه خاضع ، و الجزء الآخر ثائر على السلطة التي تتمثل في السلطة المركزية و ممثليها من عمال و باشوات و قواد ".
فالإقرار هنا بالوحدة غير واضح لدى الأستاذ و على أي أساس بنيت هذه الوحدة التي وحدت هذا الكيان الذي يتحدث عنه ، و أين يتجلى الخضوع من الثورة و ما علاقة ذلك يالأمازيغية ؟ و من هم الخاضعون الأمازيغ أم العرب ؟ و هذه المقولة الأخيرة للأستاذ بوتبغة ما هي إلا اقتباس من المنشورات الرسمية للنظام القائم التي تعتبر وحدة الشعب المغربي ترتكز إلى وحدة اللغة و الدين ، و لا تمت بصلة إلى التحليل الماركسي للحركة الإجتماعية و الصيرورة التاريخية للبناء المادي للشعوب و الذي تعتبر فيه اللغة و الثقافة نتاج الواقع الموضوعي للحركة الإجتماعية ، فالأمازيغية لغة و ثقافة و هوية ما هي إلى نتاج للحركة الإجتماعية للأمازيغ بالمنطقة المغاربية / ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب ، و التي عرفت بناء الدول الأمازيغية قبل ظهور الإسلام بمئات السنين عكس ما يقوله الأستاذ بوتبغة الذي يستند إلى الوثائق الرسمية التي تجاوزها العصر و التي تعتبر إدريس الأول مؤسس الدولة بالمغرب .
و نشأة اللغات و الثقافات و الحضارات بحوض البحر الأبيض المتوسط غنية عن التعريف و دور المنطقة المغاربية في ذلك معروف لدى علماء الأجتماع البورجوازيون منهم و الماركسيون ، و بناء الدول مرهون بظهور الحياة المدنية التي ترتكز إلى الإقتصاد الفلاحي و الصناعي و التجاري و المالي ، و أول الدول التي تم بناؤها هي "المدن الدول" أمثال أثينا و روما و قرطاج بحوض البحر الأبيض المتوسط ، و بناء الدولة بالمنطقة المغاربية عريق عرق الحضارة الإنسانية و التي تعتبر فيها قرطاجة في القرن الثالث قبل الميلاد من بين أعظم "المدن الدول" التي بناها الأمازيغ بعد بروز الإقطاع ، و لم تكن يوما نشأة الدولة بالمغرب مقرونة بحلول إدريس الأول العربي المسلم ببلاد المغرب / ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب .
و يمكن الرجوع إلى الدراسات السوسيولوجية في هذا الشأن لإبراز أهمية بناء الدول الأمازيغية في عصور سابقة قبل الإسلام خاصة في المماليك التي حكمت فيها المرأة شأنها في ذلك شأن المماليك بالجزيرة العربية ، فإذا كانت الملكة سبأ باليمن قد أسس دولة عظيمة بالإرتكاز طبعا إلى البعد الإقتصادي في بناء الدول الذي يعتبر فيه سد مأرب أكبر منشأة اقتصادية توفر الري للمساحات الشاسعة باليمن ، فإن الملكة الأمازيغية "تيهاء" بالمغرب / ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب قد أسست الدولة العظمى قبل دخول الإسلام إلى المغرب و لم يتم الإطاحة بدولتها إلا بعد هجوم جحافل الجيوش العربية الغازية عليها ، الشيء الذي اضطر معه الأمازيغ في مرحلة تاريخية لاحقة إلى تأسيس دولة إدريس الأول في رقعة ضيقة تسمى زرهون قرب فاس و لا تتعدى تلك الرقعة الجغرافية ، و عرفت المنطقة المغاربية فيما بعد دولا عظمى بناها الأمازيغ و هي المرابطية و الموحدية و المرينية و السعدية و لا يسعنا الوقت هنا للحديث عن الواقع الموضوعي لبناء هذه الدول ، إلا أنني سأتناول التأثيرات الإقتصادية و السياسية للحركة الإجتماعية بالمنطقة المغاربية قبل انشطارهذه المنطقة في القرن الثالث عشر إلى ثلاثة مناطق أساسية و هي :
ـ إفريقية و مركزها الإقتصادي و السياسي تونس .
ـ المغرب الأوسط و مركزه الإقتصادي و السياسي تلمسان .
ـ المغرب الأقصى و مركزه الإقتصادي و السياسي فاس .
و انطلاقا من تحليلات عيد الرحمان بن خلدون و بعده علماء الإجماع البورجوازيون و الماركسيون فإن المناطق الجغرافية في شمال إفريقيا و هي مناطق إقتصادية تنقسم إلى التل و السهل و الصحراء ، فالتل عبارة مناطق قليلة الإرتفاع تقابل البحر الأبيض المتوسط و منخفضات في الجهة الساحلية ، و السهل و يتكون من مناطق شاسعة في شرق مراكش و جنوب الجزائر و تونس و سهل الشمال الإفريقي ، الصحراء الشاسعة التي تتميز مساحاتها بتربة صحراوية ، و هذه المناطق المتنوعة التضاريس توفر تنوع المناخ و تعدد الموارد الإقتصادية و تنوعها ، و يقول عبد الرحمان بن ابن خلدون :
"إن التل موطن البقر و السهل موطن الشاة و الصحراء موطن الإبل" و يضيف " و حتى القرن 14 الميلادي كان السكان الأصليون للشمال الإفريقي هم قبائل البربر ، و القسم الأكبر منهم ينتمي إلى ثلاث مجموعات ، هي : صنهاجة ، و زناتة ، و مصمودة ، و في اتجاه قبائل صنهاجة تخل قبائل الصحراء الرحل "صنهاجة الملثمين" و مجموعة صنهاجة الأطلسيتان من المتحضرين و نصف المتحضرين ، و في ماعدا صنهاجة تترحل القبائل العربية في شمال الصحراء ، و زناتة هم السكان الأصليون للسهل الأوسط و الغربي من المغرب" ـ ابن خلون المقدمة .
و في الجهة الشرقية من المغرب/ ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب كثر عدد القبائل العربية التي تحولت إلى تجمعات على شكل دواوير في القرن 14 ، و هي قبائل رحل تشتغل بالرعي بالمناطق الصحراوية الشيء الذي يعني أن هذه القبلئل تتمركز في ليبيا حاليا ، و اختلفت حياة القبائل العربية المتميزة بحياة الرحل و الغير المستقرة و المرتكزة في الصحراء عن حياة القبائل الأمازيغية المتسمة بالإستقرار في مناطق الزراعة في الجبال و السهول ، و كانت مصمودة التي تضم قبائل الأطلس الكبير و المتوسط من المتحضرين و أشباه المتحضرين تعتمد اقتصاديا على الزراعة و تربية المواشي ، و وصلت مصمودة إلى درجة أعلى من التطور من قبائل السحاري و السهول الذي يتسم إقتصادهم بكونه نصف زراعي و نصف صناعي و خاصة في صهر و تشكيل الحديد و النحاس ، و بالنسبة للزراعة هناك مزارع الأشجار الخشبية و المزروعات الصناعية كالقطن و الزيتون و الفواكه ... و محاصيل الحبوب تشغل الجزء الأكبر من الأرض ، هكذا تميزت حياة الأمازيغ بالإستقرار في الجبال التي توفر حياة مستقرة بفضل الدورة الزراعية الصحيحة و مناطق الري عكس المناطق الصحراوية التي لا تعرف الري و الصرف الدائمين ، هكذا تشكلت الأمازيغية كلغة و ثقافة و هوية بفضل الواقع الموضوعي للأمازيغ الذي أعطى دولا عظمى كالمرابطين و الموحدين و المرينيين و السعديين ، و سأتناول في الفصل القادم بناء الدول الأمازيغية و علاقتها بالحركة الإجتماعية بحوض البحر الأبيض المتوسط و الشرق العربي و الحضارة الأندلسية .
امال الحسين
تارودانت في : 14 يوليوز 2007










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. الناخبون يدلون بأصواتهم لاختيار الحكومة الجديدة و


.. هز عرش المحافظين.. معلومات عن زعيم حزب العمال كير ستارمر




.. الغارديان: حزب العمال أمام انتصار كاسح في وجه المحافظين


.. فرنسا.. بين قبضة اليمين المتطرف وتحالف -شبه مستحيل- للمعتدلي




.. فرنسا: هل تراجعت فرص اليمين المتطرف بالوصول إلى السلطة؟