الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار بالصوت العالي

حيدر السلامي

2007 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الهجرة من الوطن إلى المجهول باتت أمراً طبيعياً ومطلباً عادياً وحلماً يراود الكثير من العراقيين جراء ظروف التدهور الأمني والخدمي والمشكلات الآخذة بالتفاقم رغم خطط الحكومة ومضيها وعزمها على إبادة الإرهاب وإعادة رفع القواعد والبنى التحتية للبيت العراقي الذي أصبح نهباً صيح في حجراته.
وحديث الرواحل عن الترتيبات والتحضيرات للسفر الدائم الطويل البعيد في (درب الصد ما رد) هو حديث الساعة الساخن الذي يتحول بين لحظة وأخرى إلى نقاش حاد وجدل يوصف تارة بالحميم وتارات أخرى بالعقيم.
البعض يرى بأن العراق قد انتهى ولن تقوم له بعد اليوم قائمة إذ وقع في فخ دولي كبير من صنع شيخ المستعمرين بريطانيا ونصب المراهقة الغانية أمريكا وسط جمهور عريض من المتفرجين المصفقين والمنافقين والعملاء المأجورين عرباً ومسلمين.
وليس ثمة حل لفرد أو جماعة وطنية مخلصة إلا بالهجرة والغياب عن هذا المشهد المأساوي في هذا الظرف العصيب ومحاولة اللعب على مسرح آخر إلى حين عودة التوازن ومن ثم العودة أو اللاعودة فكل قرار مرهون بظرفه.
وعلى النقيض تماماً نظرة البعض إلى الواقع العراقي بأنه وضع مؤقت وأن الإرهاب والفساد والتآمر على الذات الوطنية هي كلها حالات طارئة غير أصيلة ومصيرها الزوال بيد أن ذلك يتطلب الصبر ويحتاج إلى بعض الوقت.
هذه النظرة المتفائلة في قبال سابقتها (المتشائمة) تبعث على الارتياح والطمأنينة وتبشر بغد مشرق للعراقيين في بلدهم الحبيب وبالتالي فهي تعارض مسألة النزوح من الوطن، لكنها لا تحظى بمزيد من التأييد لدى الأغلبية ويوصف القائل بها بـ(البطران) وهو توصيف أقرب إلى معنى (المثالي) أو (الخيالي) أو (الحالم) على الأقل.
وبين ذا وذاك، تجد أمة من الناس لا تدري ما يحدث أو أنها قررت أن لا تفكر في ما يدور حولها واختارت لنفسها عدم الخوض أو التدخل بقبول أو اعتراض في قرارات السماء. فالأمر كله بيد الله ومردود إليه تعالى ولا يمكن السير خارج قدرة وقضاء المولى العزيز. ويطلق على أصحاب هذه النظرة القدرية الغارقة بالتسليم والرضا بالواقع، تسمية (النايم ورجليه بالشمس) كما ينطبق عليه المثل الشعبي (اسمك بالحصاد ومنجلك مكسور) لأنها ليست نظرة (لاأدرية) حسب وإنما هي (لاأبالية) أيضاً.
وقريب من ذلك نجد أن بعض الأفكار الوافدة من بلدان ومجتمعات أخرى بدأت تتسلل من خارج الحدود كما الإرهاب وتدب على أرض العراق بروح وقدم حتى بدت تزاحم أو تحتل الصدارة في مراتب التفكير وخاصة بين الأوساط الدينية ومنها المهدوية أو الحجتية فهي لم تكن شائعة في مساحة الفكر العراقي إلا بحدود ضيقة ومحدودة التأثير بينما نلحظها اليوم تتحرك بانتشار واسع وعلى قطاعات كبيرة.
وخلاصة هذه الفكرة هي أن العراق بوصفه مركز الحكم والكوفة منه خاصة هي عاصمة الخلافة أو الدولة الكونية المنتظرة والتي ستتحقق على يدي الإمام المهدي الحجة بن الحسن عليه السلام فإنه أي (العراق) سيمر بالابتلاءات الشديدة والأزمات المترادفة والويلات العديدة وتهجم عليه الفتن كقطع الليل البهيم لكي يمحص الله الذين آمنوا من الذين هم كفار أو منافقون، ولذلك فإن العراقيين في امتحان دائم وتمحيص مستمر حتى تملأ أرضهم جوراً وظلماً وفساداً وانحرافاً عن الجادة القويمة ثم يكون ذلك سبباً لأنْ يأذن الله بخروج المهدي عليه السلام فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً وصلاحاً.
الذي أحاول الوصول إليه على أية حال هو أن بعض حملة هذه الفكرة لا يؤمنون بجدوى وفاعلية أي إصلاح، بل إنهم يدعون لليأس وللجلوس في زوايا الانتظار وتكايا الترقب لدولة الحق ودعواهم (ما يصلحها إلا أبو صالح)، بل الأنكى والأدهى أن بعض هؤلاء وصلت عنده القضية إلى مستوى أخذ هو بنفسه يمارس الموبقات والرذائل ويدعو الناس إليها ويشجع على الظلم والفساد زعماً منه بأن ذلك يعجل في ظهور صاحب الأمر المنتظر عليه السلام.
وأخذت هذه الأفكار تتسع وتتطور وتنمو وتتمحور بل تتأطر ضمن حركات وتنظيمات سرية وعلنية لا يبعد ارتباط معظمها بأجهزة مخابرات بعض الدول الأجنبية من أجل تمرير مخططاتها وحماية مصالحها الستراتيجية في هذا البلد المنكوب وخير شاهد على ذلك حركة ما عرف بجند السماء التي سرعان ما افتضح أمرها ونالت جزاءها وكذبت أحدوثتها بمقتل المدعي.
وإذا كانت هذه هي الأفكار الرئيسة التي تحكم الذهنية العراقية وتسود حتى النخبة المثقفة من أبناء الوطن فما هي النتائج التي ستفرزها يا ترى؟
في تصوري أن مثل هذه الأفكار الدافعة للهروب باتجاه الخارج والداخل معا سوف تترك أثارا وخيمة وتفرز نتائج تكبد هذا البلد وشعبه خسائر باهضة على الصعد كلها وتضيع فرص التقدم والبناء وتكرس الروح الانهزامية وبالتالي استحكام قبضة الاحتلال وتعطيل العملية السياسية وإبطال مفعولها بالكامل.
إننا بحاجة ماسة اليوم لمراجعة (اليهودي المفلس) لجميع الدفاتر الوطنية القديمة والجديدة وتدقيق الحسابات الإقليمية وإعادة التقويم ومواجهة النفس والآخر بمعطيات الماضي والحاضر لإرساء قواعد التفكير السليم القائدة إلى الرشد السياسي والنضج الفكري وبلورة النظريات الإيجابية الطامحة والخلاقة مع الارتكاز والاستفادة من الكنوز التراثية المفروغ الحديث عن أصالتها والثابت انتسابها إلى العقيدة الدينية الصحيحة.
إن قضية الاغتراب الخارجي جاءت كنتيجة حتمية للاغتراب الداخلي وضعف الإحساس بالمسؤولية والشعور بأصالة الهوية والانتماء الوطني إلى جانب الاحتراب السياسي والطائقي والمناطقي والقومي الذي زرع بذوره النظام البائد وغذته الفوضى العارمة التي أنتجها الاحتلال العسكري المباشر ناهيك عن تدخلات الدول المجاورة وتصفيات دوائر المخابرات والجماعات والأحزاب التي ولدت هي الأخرى من رحم الفوضى وانفلات الحدود وانهيار البنى وانفساح المعترك وصراع المصالح الذي أذكى نار الحقد الجاهلي وأيقظ التاريخ الدموي من سباته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع