الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسافة بين معبر رفح والحوار الوطني

بثينة رفيع

2007 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


علينا أن نعلم أبناءنا كيف يحلمون وأعينهم مفتوحة ... هاري إدوارد
هناك من يقول أن الضمير قد لا يحول دون ارتكاب الجريمة لكنه يمنع التمتع بها.. أما إذا كان ذاك الضمير غائبا فتلك مصيبة لاتجدي معها استثارته واستنهاضه ليصحو .. فالأموات حتما لايعودون ثانية .. تلك الكلمات ليست نداء استغاثة .. فصدى النشيج وهو يطلقه من داخلنا الأنين كالجراح حين تصير منارة تسمع وتضيء حتى الحجارة وهي تلف الطريق إلى رفح لتقاتل كل أسباب الوصاية .. وتنطوي ظلاً لشمس يرقد تحت لهيبها الذين صدقوا أن في الوطن عقول وقلوب كبيرة تُغلب مصالحه ولا تدفعه باتجاه الهاوية .. وليست أيضا تلك الكلمات إنذاراً .. لكن كل الحكاية أني دوماً رأيت الوطن في قلبي مجرداً من الألفاظ والتبعية التنظيمية والإقليمية كما أحب أن يراه الكثير من البسطاء الذين يألمون لحوار الطرشان بين القادة .. والخلافات التي أصبحت تتحكم في عيشنا وحياتنا وموتنا ، وحتى في الفرح الذي افتقدناه ونحن نغرق في تفاصيل القرار .. والقرار المضاد بين حكومة الطوارئ والحكومة المقالة ، لذلك تركت لغة الفراسة والنباهة والذكاء .. واتجهت لفطرتي علها ترشدني للصواب فأقمت الحد على النظرية والأيديولوجيا حين تصير كالخرافة بلهاء .. ورجعت للوراء حينها كنت أرضى أن يكون بيتي العراء .. فما زالت تغطيني بالكبرياء الخليل .. وتدثرني بالعزيمة والمطلق كل العصافير التي وحدت درب هذا النشيد .. صدقت كالأطفال كل من قال : تعيش بلادي من الصفر حتى الجليل .. لكني خجلت أن أردد الشعار ، ليس نكراناً للجميل وإنما لأني لم أرها يوماً رقماً كما يراها غيري.. بل قصة مبتورة الأصابع تحترق بين الفواصل دون أن تنسى أن البلاد زبداً أو سراباً بدون عناوين وبعض من حب وإباء ، ألهمني الصبر فظللت أسير في نفق طويل قالوا لي إن عبرته بجدارة سيسجد لك في آخره ضوء خلفه القدس تقف كالعروس .. وترتمي في أحضانك كل أفياء بيسان ، مشيت بذات الطريق الذي مشى فيه شعب لم يرى ذاته إلا مع الضوء الذي يخبئه آلاف الشهداء .. صدقت كل ما استطعت استيعابه وكل ما قيل من مفردات وطنية عن شعب أيقظته حُمى المأساة يوما ففر للأمام ليصطدم دوماً بلعبة الكبار من صناع القرار .. وجميع ألفاظ الهجاء حين يمطرها طرف على الآخر ليُكذب هذا ويصدق ذاك لعبة ليست كتلك التي كنا نتقنها ونحن صغار فالبراءة كانت تكتسينا والخجل يوقظ فينا شيئا من الحياء ، فعندما كان يُهزم أحدنا يخبئ عينيه بين كفيه خجلاً كي لا يرى هزيمته التي يراها غيره من أصدقائه بوضوح كبير يُسمى الحقيقة وهي كثيراً ما يقال عنها هنا أنها ضائعة وأضاعتنا معها .. لنهيم على وجوهنا نطلب النجدة والرجاء لرد عبث العابثين بما تبقى من أحلامنا البسيطة بوطن يحتاج العبور إليه أن تقف طويلاً بكل حزنك وآلامك وتاريخك المقطع بين المنافي أمام بوابته الوحيدة .. مرة أمام الاحتلال ، ومرة أخرى أمام أهل العروبة الذين فتحوا لك الصدر والبلاد ، لكن عند تلك اللعبة السياسية توقفوا لأنك بالنسبة لهم لن تكون فيها الاحجراً يحركه من يشاء ووقت يشاء ليهزمك داخل كل شيء حتى في عيون أبنائك وهم ينتظرون ملاقاتك بأمانيهم الجميلة التي أعياها السؤال وهي تخطو أول خطاها في الوطن الذي أسميناه عندما ذبح على مرأى الجميع سيد الشهداء .. معبر رفح تلك الإرادة الغائبة الخائبة في المعادلة السياسية وكل ما تبقى في جعبة القادة من عتاد حرب بعد التجويع والحصار .. وهو الثمن الصعب للبؤساء ممن تقطعت بهم السبل وقتلهم كل من رأى الوطن بمن فيه تصفية للحساب مع الآخرين .. دون الالتفات لتلك الآلام التي لم تعهدها أمة على وجه هذه الأرض ويحفظها عن ظهر قلب من أشقاه الغياب للعلاج أو لطلب الرزق حين سدت منافذه هنا , يقال عندما تتحول أحلامك إلى تراب فقد حان وقت الكنس .. وهذا ما سيفعله أي شريف في هذا الوطن كان يرى بأم عينيه إخوته وأحبته مكدسين في الشاحنات كالماشية ليعودوا إلى قراهم ومدنهم بعد كل إغلاق طويل للطرق قبل الانسحاب من قطاع غزة ولم يكن لدى هؤلاء وقت ليسألوا هل نحن بشر ؟؟ أو هل هكذا يكون الإنسان في موطنه ؟؟ تغيب تلك الأسئلة وتصبح مترفة أمام الوجع والتعب الذي يداهمهم عند كل تنقل بين أرجاء هذه المدينة الصغيرة .. كنا نفهم وقتها أن المستوطنات ومن يحمها شوكة في قلوبنا لابد من اقتلاعها .. وهي السبب والنتيجة لكل هذا الشطط في المعاناة أما الآن وبعدما أوصلنا الراعي السياسي بعصاه ومناكفته لما نحن عليه .. لم يعد يجدي الجواب ، فقد ترهلنا من الصراخ أمام كل من اعتلانا واستباح الأمان بأعين أطفالنا ، وتاجر بنا وبرفات من تمنى الموت بين أبنائه .. لكن القدر جعله غريبا لاجئا حتى في مماته أمام بوابة الوطن الأولى والأخيرة .. ليبقى سؤال الحقيقة التي أوجعتنا ونحن نستف التراب أمام وهم الحل السلمي .. والمفاوضات العقيمة ، من يفتح لهؤلاء أبواب الوطن ليعودوا موتى أوأحياء في بقايا حلم مؤجل ؟؟ يغرقه السراب والأفق المسدود بين الأعداء والإخوة .. من يقطع تلك الأيدي القذرة التي تراهن على مستقبلنا وتصادره من أطفالنا ؟؟ حين يذكر أحد الحوار الوطني أمامي أشعر بنهاية العالم ، تلك النهاية التي أبقتنا كما أبقتهم رهن الشروط المعلنة وغير المعلنة دمية تتقاذفها الأيدي بعد ثقبها بالرصاص في احترابهم واغتصابنا في لقمة عيشنا .. ما ترضاه حماس من الشروط لا ترضاه فتح !!! وما ترضاه فتح لا ترضاه حماس !! ونحن بين هذا الرضا وذاك نهيم حائرين بسجن أغلقه السجان علينا رغم إرادتنا ، وطنٌ أصبح أحجية تستعصي على الحل .. وصندوق أحلام يغلقه الآخرون عليك مبتسمين لصمتك .. وعجزهم أمام فهم لغة الانتماء .. قصة لم تنته بعد .. ولا يعلم أحد متى سيلتقي سجانيك لتعتق الأمل الذي تعبئه كالقذيفة بصدر أطفالك فينفجر فيك .. قبل أن تنفجر وأنت ترحل من صباحك الذي لم يأت بعد لتقف على الجدار عاجزاَ على أن تمد يداَ لمن لفظ أنفاسه الأخيرة في عز الظهيرة الحارقة,أو تجدد عهدا للعودة لدى من صدق أن الوطن خيمته الأخيرة .. وأن رفح غزة قريبة والخطى إليها من رفح الأخرى أقرب من وقفة تضامن هزيلة تختفي سريعاَ بعد أن يرسلها لك من كان سبباَ لاحتجازك هناك , الحوار الوطني تلك الأرجوحة الملغومة التي نفختنا بالهواء والهوان أضحت بعيدة كبيت كل من يرى زيتونه من سياج المعبر .. وأطفاله يلعبون في ساحة البيت .. ولا يستطيع إليهم الوصول وضمهم لصدره لينسوا قليلاً أن فلسطين ما عادت تحتضن في عزلتها إلا صبراً طويلاً .. لا تستطيع معه أن تقدم لهم في وحشة اغترابهم وظلمة المكان والظمأ الماء والرغيف .. وأن المعبر الدولي في مدينتهم أصبح معبراً يسير بين الجراح في أجسادهم وأرواحهم حين يجلدها كل من ظن أن الظلم باق .. وأنه مفردة وحيدة في هذا التكوين المتجلي ببعض وطن , معبر لم يعد محطتهم الأخيرة .. يخبئ بعض الهدايا الصغيرة للأهل في حقائب ملقاة على الطريق وأسماء من أغلقوا في توابيتهم مواعيداً لقُبل يواريها اشتياق للقاء الأحبة أضحى مستحيلاً .. يغادرون بين الانتظار وافتراش التراب والعتمة حين توقد فيها الشموع حكمة قديمة .. علم أطفالك كيف يحلمون وأعينهم مفتوحة كي ترى الحقيقة وتواجه كل من أرفق البلاد بأقبية الحل السلمي السحيقة وجداول الانسحاب العقيمة .. واتفاقيات المعابر التي شتتت غزة بين أكثر من احتلال واستلاب للإرادة الأبية عندما ترى الغرباء وحدهم يفتحون باب بيتك ليغلقوه ثانية عليك غير آبهين أنه ملكك وحدك .. علم أطفالك كيف يقذفون الحقيقة في وجه من أرادك حصاداً سياسياً مثمراً .. ليجني بجوعك وحصارك مقعداً مخملياً .. وافترش ما قدر لك من التراب هناك .. فأنت الآن معبر لكل أوطان الأرض حين ترى حزنك هوية وحيدة للوطن الذي لا يرى سواك فيه قلبا له وحجارة فوق المكبر تمحو عارا ابتلينا به وأضنانا نحيبه .. منذ أن صدقنا من قال فلسطين كما تعيش فيكم ..تكبر فينا .. تذكر وأنت تومئ بعينيك للوطن الذي أصبح إغلاقه كانكساره وانقسامه قدره وقدرنا .. أن فجراً لن يكون فيه هؤلاء جميعاً هو آت لك وحدك قريبا وحين تجتاحك حشرجة كالحسرة والغصة وأنت بين حقائبك و يراودك كل البكاء المر في عينيك لا تتردد بسكبه في مناديلك .. وتشجع وأنت تبكي فالدموع ليست للنساء فقط ... بل للنساء .. والفقراء أيضاً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. : ما هي قوات قسد وما الذي تفعله في سوريا؟


.. سجن صيدنايا.. شهادات مرعبة لمحررين من السجن




.. أردني سجن 38 عاما في صيدنايا


.. بشار الأسد: كيف تناول الإعلام المصري سقوط حكمه؟




.. مقطع فيديو يُظهر آثار الضربات الإسرائيلية بالقرب من مطار ال