الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رُفات تناجي ملائكة السّلام ألم للضمائر الحية قبالة احتراق القلب

عوني الداوودي

2003 / 9 / 27
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


                                     عرض:
 عوني الداوودي ـ السويد

 لا أقدم هنا نقداً أدبياً لقصائد الشاعر والفنان التشكيلي عبدالحكيم نديم الداوودي التي أحتوتها مجموعته الشعرية الثانية من إصدارات مؤسسة دراسات كردستانية للطباعة والنشر، أوبسالا ـ السويد ـ 2003 ، بل سأحاول أن أقدم عرضاً لتعريف الديوان الذي بين أيدينا المهداة من قبل الشاعر لنا، ويقع الديوان في 112 صفحة، متظمناً 25 قصيدة، أهدى الشاعر قصائده تلك :
إلى الشمعة المضيئة بمحراب المحبة الابدية
وهي في القلب كأنشودة الحياة
لذكرى من رحلوا، ولم يجدوا فسحة للفرح
غير صمت التراب ...
كما صوّر لنا الدكتور خالد يونس خالد الشاعر وقصائده في تقديمه للديوان  بـ : الشاعر يقدم لنا موت ضمائر البشر في الحقبة المظلمة من الحكم البائد، تقابلها البراءة الإنسانية والبحث عن الأرواح التي ضاعت. فهو يعيدنا إلى عذابات العراقيين قبل رحيل العذاب، وصوت الخريف يشد الساعات إلى ذكرى الاحباب. فذاكرة الشاعر القوية بين ضباب السيوف العربية وحكايات الخناجر الكردية ولحظات النسيان والتردد والإشجان تجعلنا أن نقرأ شعره ونتحسس برحيل البلابل عند المغيب.
وجاءت التخطيطات الداخلية لتضفي مسحة جمالية على مضامين القصائد في تناسق وتواصل إبداعي بين القصيدة واللوحة، والتي هي ايضاً  بريشة الشاعر نفسه إضافة إلى لوحتيّ الغلاف الملونة.  
 إذا كان الشعر في احيان كثيرة يصور بعض جوانب الحياة الإجتماعية، فإن شاعرنا عبر عن هذا الجانب في معظم قصائد الديوان، حيث ياخذنا متجولاً من مكان إلى آخر وفي شوارع المدن التي تركت ملامحها في مخيلته ووجدانه، يصور مشاهد مؤلمة من صميم الحياة الإجتماعية زاخرة بالعواطف وبقي مرتبطاً بهموم شعبه، ولتعبر في ذات الوقت عن العلاقة الجوهرية بين الإنسان والمكان، في زمن ٍ قاحل وجاف ضاعت فيه المقاييس بعد أن أخذ مفهوم البداوة يتصدر الواجهة في العراق خلال العقود القربية الماضية، لتغطي في فترة زمنية قصيرة على كل الاصوات والألوان الأخرى التي أنتجت وأبدعت وقدمت الكثير من الجمال في شتى صنوف الأدب والفن لا سيما الشعر، هي فترة صعود العائلة الواحدة لتمسك بمقاليد بلداً يمتد تاريخه إلى أكثر من سبعة آلاف سنة .
وإن كانت كركوك مدينة الشاعر التي ولد فيها وترعرع حاضرة بقوة بين هذه القصيدة وتلك، يصور لنا هموم أبناء هذه المدينة، لم ينسى شاعرنا الأماكن والمدن التي حل بها ضيفاً أو زائراً فهو  يتنقل من مكان إلى آخر ومن مدينة إلى آخرى في طول العراق وعرضه.     

     ففي قصيدة " أمسيات مملكة العدم " المهداة " إلى روح الملا عبود الكرخي ولسبايا قصيدة المجرشة" نلمس بوضوح تعاطفه مع ما آل إليه الجنوب الشيعي على يد نظام الحكم الفاسد المخلوع بتجفيفه لمنطقة الأهوار ومعاناة أهله، حيث يقول :
حين أخذنا الصمت بالحزن،
فسحة مدينتنا الخضراء هجرتها أسراب القطا !
فلا شكل السماء تغير ولا خارطة العراق
فطقوس ليلة الحنّاء في المشحوف طوتها خواء المجرشة ،
وأنّات أم المجرشة وهي تكظم راعيها
( ساعة وأكسر المجرشة والعن أبو راعيها )
والنائحات بالصدور العاريات
وراية الحُسين خفاقة بشموع النّذر
بين القصب المقطوع وجفاف الهُور
تخفي دموع البكر
وأنات لوعة الثّيبات ... 

وتبلغ عذابات الشاعر عبد الحكيم في قصيدة " ليالي كركوك " المهداة " إلى روح جان دمو في آخر محطات العذاب "  ذروتها بعد أن كانت هذه المدينة الوادعة والحالمة، ملتقى الشعراء والفنانين والأدباء  على إختلاف مشاربهم ومن كافة الأثنيات والأديان والمذاهب التي تتقاسم كركوك، يذكر لنا أسماء الشعراء والأدباء الذين تشردوا في أردجاء المعمورة أولئك الشعراء الذين عرفوا في العراق  بـ " جماعة كركوك " الذين كان تأثيرهم واضحاً على جيل الستينات ليس في كركوك وحسب بل على باقي الجيل من العراقيين، قبل أن تمتد لها مخالب الشوفينية البغيضة ومحاولة تغيير طابعها الفيفسائي الجميل وهويتها الكوردستانية إلى مدينة تداس ببساطيل العسكر فارضة عليها آيديولوجية خبيثة، لا هم لها غير النفط ومسخ الآخرين إلى كائنات حقيرة تقدم الطاعة، والطاعة فقط واللّهج بإسم " العروبة " والقائد المفتدى :

قبل عقود من الآن
ومن هذا المكان،
فوق جسر " خاصة " الحزين
وإذ اغتالوا الأسماك الحزينة
علقوا الحبال بجيد الحرية
أعلنوا جهاراً في كركوك العشق
الحب ممنوع، الرقصُ محضور في رحيم آوه
القصائد لا تصفق لوجبات القتل المجاني ّ
فالشعراء في مدينتي يلعنون الظلام ،
تهمتهم أما المحاكم الصورية أبجدية حروف الكرامة
حكم القاضي الأمي بالضمير أمام العُتاة
الشعراء ممنوعون من السفر والكلام 
والمرور أمام جدارية قائد الإنهزام
قاص من المصلّى ، فنان شعبي من بريادي
عامل نفط مطرود من الشورجة
الأوراق المحترقة هياكل الموتى
قبل نصف قرن هاجرت الطيور الوديعة
من أسوار المقصلة المنصوبة
حلق جان دمو عالياً في منفاه القسريّ
رفرف بجناح الصمت زهدي الدّاوودي
قبع القيسي بمحراب الكلمات المقدسة زاهداً
يدردش مع الروح
علق الهرمزي فانوس الفن والشعر خلف مسرح الحياة القلقة
رفع الاب يوسف كف التضرع للرحمن
كم من يسوع يصلب في مدينتي، ولم ......
تبق أمنية في اماسي الشعراء
غير دروب الصمت ودروب الأسفار،
أين تجوال عشاق مدينة عرفة
يا فاضل العزاوي
سركون بولص ؟ ! ويا أنور غساني،
أجيبوني بمجنونكم الشعري  .

ويستمر شاعرنا في قصيدته المطولة إلى أن يقول :

كركوك
بوابة فردوس العشق والآهات !
كركوك
توأم النور والنار، ورحلة الدم والعذاب ...
كركوك
 سمفونية الرّوح وجرح أيام النضال .

أكتفي بهذا القدر في عرض قصائد الديوان، لكن بقي أن نلقي نظرة على بطاقة التعريف بالشاعر، المدونة في آخر صفحة للديوان حيث جاء فيه : 
 
شاعر وفنان تشكيلي كردي من مواليد كركوك 1956
بكالوريوس ـ القانون ـ جامعة بغداد
عضو هيئة تحرير مجلة دراسات كردستانية في السويد
درس الفن التشكيلي والسيراميك من خلال الكورسات الخاصة بالفن الحديث في السويد .
نشر أول قصيدة وقصة في جريدة العراق 1977 ثم تابع النشر بعد ذلك في جريدة العراق، ومجلة الثقافة، مجلة كولان العربي، الإتحاد البغدادية، جريدة الإتحاد في السليمانية، الزمان اللندنية، مجلات وصحف عراقية وعربية أخرى، وفي مواقع الكترونية فنية وأدبية، وله مساهمات في مجال الترجمة والفن التشكيلي.
له ديوان شعري مطبوع " خطوات لمنفى الروح " من مطبوعات مجلة دراسات كردستانية أوبسالا السويد 2000 وكتاب آخر حول الفن التشكيلي تحت الطبع بعنوان " مرفئ الألوان مع نماذج من لوحاته باللغات السويدية والكردية والعربية مع شهادات وقراءات من قبل بعض الكتاب والأدباء حول اللوحات المعروضة في الكتاب .
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على