الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزاهة .. طريق اقصر لدولة الرفاه

سلمان النقاش

2007 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


النزاهة صفة اجتماعية أدرجت ضمن أخلاقيات التجمعات البشرية لتشير الى مدى التزام الافراد باحقية الاخر بالمشتركات
سواء اكانت طبيعية ام حصيلة الجهد الجمعي ماديا كان ام ثقافيا ولقد دأبت المجتمعات منذ تكويناتها الاولى على حماية هذه المشتركات من خلال الا تفاق على سياقات عامة قننت على مر الازمان لتحدد الحقوق والواجبات وفق ما يسمى بالقوانين الاساسية او الدساتير التي تطورت بدورها تبعا للتطور المادي والفكري والتقني (( الديالكتيكي)) حسب هيغل لتبرز الدولة كنظام سياسي تدير المجتمع على شكل وحدات ادارية مختلفة باستدخدامها ادوات السلطة التي تفرض القوانين المتفق عليها لدرء الفوضى المتوقعة نتيجة تشابك الارادات الفردية ومنعها من الانفلات وتهديد المجموع ، وعلى هذه الاسس تشكلت انماط عديدة لادارة المجتمعات كل حسب درجة تطور ادوات انتاجه وما يتبعها من علاقات اجتماعية فبرزت ثنائية السلطة والمواطن ومقدار التداخل بينهما فاذا كان المواطن يشكل الهاجس الاول لسلطة الدولة فهذا يعني ان للمواطن دور معين في ادارة تفاصيلها يتمثل بقدراته في المساهمة بحجم الانتاج التراكمي للمجتمع ككل وبالتالي على الدولة ان تهيء له كل ما يمكن من امكانية تطوير قدراته وحماية حياته من خلال شبكة من المنظومات والمؤسسات تتناسب طرديا مع جديتها في هذا الاتجاه ، اما اذا كان المواطن يمثل اداة لديمومة السلطة تستخدمه بانتقائية محددة فان الدولة سوف تتجه حتما الى الانعزال عن مواطنيها وسوف يتجه المواطن حتما لحماية وجوده بعيدا عن مؤسسات الدولة من خلال تكوين اصطفافات مناطقية او فئوية تحدد موقف الدولة منه بحسب قرب او بعد هذه الاصطفافات عن مصلحة السلطة القائمة وهذا ما يبرر اعتماد الانظمة الاوتقراطية على فئة من مكونات المجتمع تتمتع بامتيازات المنافسة على الوجود دون المكونات الاخرى اذ تصبح السلطة حينها مطلبا ملحا لكافة اصناف المجتمع بمن فيهم رجال السلطة انفسهم وتصبح ايضا من خلال احتكارها لادوات القمع والعنف مؤسسة استثمارية احتكارية لكبار مسؤوليها وتزداد الهوة اتساعا بينهم وبين عامة المجتمع ويزداد خوفهم من ردة فعل الجماهير البعيدة عن الحاجات الاساسية وضمانات المستقبل اذ ترى رجالات الدولة يلفون حولهم حزمة من اجراءات الحماية تتمثل بالمؤسسات الامنية والعسكرية والبوليسية والاستخباراتية والمخبرين ووكلاء رجال الامن وشراء الذمم وتنظيم عصابات فوق القانون بتسميات لها طابع سلطوي مثال على ذلك (( فدائيو صدام)) في عهد النظام البائد ، ويصبح العنف سمة الدولة .. ولانها المسؤولة عن ادارة شؤون المواطن اذ تصبح مؤسسات الدولة مرتعا للفساد والمفسدين ويجد كل عضو في هذه المؤسسات ما يبرر تجاوزه على عمومية وظيفته ويقتنص اي فرصة للانتفاع شخصيا من ادائه لا بل يشتد التنافس بين منتسبي الدولة على القنوات التي تدر اكثر فائدة او سرقة من المال العام كالعقود والمقاولات والمشتريات وتنتشر كل مظاهر الفساد وفنونه بدءا بالرشوة والاختلاس والهدر واستغلال النفوذ والمناصب والتزوير بالاوراق الرسمية والشهادات والمحسوبية والتعيينات بالدرجات الخاصة دون الاعتبار الى الكفاءة ..الى اخر قائمة مظاهر الفساد .. ويرتفع منحني الفساد كلما ابتعدت ادارة الدولة عن امكانية جعل ولاء المواطن نحو الوطن والمجموع ولا تاتي هذه الا من خلال تامين كافة احتياجاته الاساسية وتنمية قدراته واستغلال الموارد المتاحة استغلالا علميا مبرمجا وفق خطط وموازنات ومشاركة حقيقية للجماهير باختيار من يقودهم .. وهذا يتطلب ايضا مواجهة شجاعة وجادة امام التحديات بكافة اشكالها سواء تمثلت بازمات وشحة الموارد المادية والطبيعية او مواجهة التباين في مصالح مكونات ومراكز قوى اي مجتمع كان .
ان تقرير منظمة الشفافية العالمية الاخير الذي احتوى على قائمة تصنف درجة الفساد في معظم بلدان العالم نجد بانه قد اعطى درجة الافضل في العالم خلوا من مظاهر الفساد الى ((فلندا)) حيث حصلت على 9.6 من القياس المستخدم ومقداره عشرة درجات، وحين نحاول وصف هذا البلد نجده بانه الاكثر ديمقراطية من ناحية ادارته السياسية، ويتمتع المواطن بدخل فردي مرتفع ويكاد يخلو من الامراض الاجتماعية المعروفة الفقر والامية ويعد من اعلى البلدان تطورا زراعيا وما يتبعها من صناعات غذائية وثروة حيوانية وهو البلد الافضل في تامين الحاجات الاساسية لمواطنيه من سكن وضمان صحي ورعاية كاملة لذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين ، ووصل معدل ساعات العمل الاسبوعي الى 25 ساعة وشكلت اوقات فراغهم اهتماما جادا انتجت حدائق عامة من اجمل بقاع العالم ومؤسسات ثقافية بدءا من الكتاب والمسرح والسينما والنوادي الثقافية والاجتماعية الى الملاعب الرياضية ومدن الملاهي والمنتجعات الترفيهية وهناك من زار هذا البلد ونقل ما صادفه هناك لكننا سوف لانذكر ما وصفوه لكي لا نتهم بالكلام بعيدا عن المصادر .. لاشك ان هذا لم يأت بمجرد تطبيق قوانين ومعايير معدة سلفا انه تطور تاريخي ساهم الجميع في الوصول اليه وتطلب الكثير من التضحيات والتنازلات والاتفاقات حتى تكون لديهم وعيا جمعيا بضرورة العمل الاكثر اتقانا ليحصل على منفعته الجميع وتظهر الصورة كما وصفنا . هي اذن درجة من النزاهة عالية جدا سوف تثبت المنجز التاريخي المتحضر وتجعله مشروعا دائما لعملية تطور دائمة تهدف بالدرجة الاساس لبناء انسان يشعر بجدوى حياته ووجوده .
وللاسف الشديد كان العراق في ذيل قائمة التصنيف حيث حصل على درجة 2.2 من المقياس المذكور، هذا البلد الذي تتعدد موارده الطبيعية الى الدرجة التي تجعله من اكثر الدول في العالم احتياطيا للنفط حسب تقارير امريكية حديثة ويمتلك ثروة مائية هائلة والقائمة تطول بالنسبة الى خيراته المعروفة بالاضافة الى امتلاكه جذرا تاريخيا بعمق 6000 عام .. ولكن يبدو واضحا بان التقرير لا يتجنى على العراق بوضعه في هذه المرتبة ففي تصريح للسيد علي الشبوط المتحدث الرسمي باسم رئيس هيئة النزاهة العامة ذكر بان الهيئة تحقق بما قيمته عشرة مليارات دولار تتوزع على كافة الوزارات والهيئات العراقية وما يؤكد هذا الكلام هو التردي الواضح بالنسبة للخدمات العامة فعلى سبيل المثال تحتل وزارة الكهرباء نقطة مرتفعة على منحنى الفساد الذي رسمته الهيئة على الرغم من انها (اي الوزارة) تتمتع باعلى تخصيصات مالية ضمن ميزانية الدولة لعام 2007 لاعادة تاهيلها وعلى مدى زمن عملها نرى ان المواطن يحصل على ساعتين تجهيز كحد اعلى خلال يوم من 24 ساعة وتأخذ وزارة النفط مكانها المرتفع على سطح منحني تقارير هيئة النزاهة بالنسبة الى مستوى الفساد فيها اذ تسجل عملية توزيع المشتقات النفطية على المواطنين اكبر ازمة توزيع في تاريخ العراق الحديث ، وهكذا باقي الوزارات حسب طبيعة ادائها او مساسها بحاجات المواطن . وعند البحث عن اسباب هذه الازمات ينبري من يتعلق به الامر الى تعليق الاسباب على شماعة الوضع الامني ولا اعلم هل ان اكتشاف مركز لرعاية الاطفال ذو الاحتياجات الخاصة بوضع يدل تماما على التقصير في الوقت الذي بلغت تخصيصات هذا المركز 2.5 مليون دينار شهريا على لسان احد مسؤولي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في مقابلة مع تلفزيون الحرة .. هل لهذا علاقة بالوضع الامني؟ .. انه فساد .. وعندما تكتشف مئات من الشهادات الجامعية المزورة في اغلب دوائر ومؤسسات الدولة هل لهذا علاقة بالوضع الامني؟ .. انه فساد.. وعندما تمتليء شوارع بغداد العاصمة وارصفتها باكوام النفايات والتجاوزات على املاك الدولة فهل لهذا علاقة بالوضع الامني؟ .. انه فساد لاشك في هذا .. ولكي لا اطيل برغم ان لدي ما اقوله حول الكثير من هذه الظواهر اعود الى ما كنت قد اشرت اليه حول موضوعة النزاهة وضرورتها والسبيل الى التعامل بها ولكي نعد لها طريقا سالكا نحتاج الى تصحيح البدايات واولها هو التأسيس للحكم الصالح .. فكما بينا في بداية حديثنا ان العزلة بين المواطن وسلطة الدولة تتضح اكثر في نمط الحكم الدكتاتوري علينا ان نناضل نضالا لا هوادة فيه في التخلص من دكتاتوريات المحاصصة التي اوصلتنا الى ما نحن فيه وان نوحد الخطاب السياسي ونعيد فحوى الشعارات الى واقعنا العملي وننزع عنا سرابيل ثقافة الاقصاء .. لقد تعاملنا بادوات الديمقراطية واصبح الجميع جزء من مشروع الدولة .. لكننا بحاجة الى جدية التعامل مع المؤسسات الجديدة لكي يسود القانون وتنطلق عجلات التقدم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل