الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكاية ضد الجلاد -لعنيكري- أم مطالبة -بالحماية الحقوقية-ا

و. السرغيني

2007 / 7 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


مباشرة بعد حملة القمع الأخيرة التي انطلقت فصولها منذ مظاهرات فاتح ماي و التي تخللتها شعارات المعادات للنظام القائم كنظام قائم على الاستبداد و الاستغلال و العمالة للإمبلريالية، و كشكل مَلكي للحكم قروسطي و غير محدود السلطات.
و قد تخلل حملة القمع هذه اعتقالات و مداهمات و استنطاق.. انتهى لمحاكمات جائرة في كل من مدن القصر الكبير و أكادير و بني ملال صدرت عنها أحكام قاسية وصلت لحد الثلاث سنوات نافذة.
و بعد هذه الاعتقالات بادرت التيارات اليسارية التقدمية إلى تشكيل لجن محلية للقيام بحملة تضامن واسعة مع المعتقلين و عائلاتهم من جهة، و لفضح زيف الشعارات حول "العهد الجديد" و "الانتقال الديمقراطي".. التي تروج لها الدولة و العديد من الأحزاب الحكومية التي ما زالت تتغنى بـ"حقوق الإنسان" و بـ"دولة الحق و القانون" و "فصل السلط" و "استقلال القضاء"..الخ
و قد تشكلت كذلك "هيأة وطنية" لهذا الغرض، و رغم فوقيتها و بروقراطيتها.. تم التجاوز لهذا الوضع عسى أن تلعب الهيئة أدوارا إيجابية في اتخاذ القرارات لصد هذه الحملة الشرسة التي طالت جميع مناحي الحريات الديمقراطية بهذا البلد.
و قد مثل القرار الأول فرصة لتوحيد الرؤى حول متطلبات الوضع أمام هذه الهجمة.. وبالفعل كانت فرصة لخلخلة أوضاع اليسار وتبين الاهتراء في حينه و انفضحت عورتنا لأهل الدار و الجران خصوم و أعداء.
فالوقفة التي أعلنت عنها "الهيأة الوطنية" الموقرة كقرار أول، لم تلتزم بها إلا القلة القليلة من اللجن المحلية، و نحيي بهذه المناسبة و بشكل خاص لجنة الرباط و لجنة بني ملال على التزامهما، هذه الأخيرة التي أدت الواجب مشاركة و اعتقال و محاكمة لقيدوم الثوريين بالمدينة المناضل محمد بوكرين.
أما الرباط فقد عانى مناضلوه من الضرب و الركل و شطبت بهم شوارع الرباط عبر عملية السحب المهينة..الخ و نحييهم مرة أخرى عاليا لتحديهم المنع و القمع و كل أشكال الحجز التي تعاني منها أصوات المناضلين و المواطنين الأحرار داخل هذا البلد.
إلى هنا يمكن ان يعتبر القارئ أن ما تقدمنا به لا يتعدى التقرير البسيط لأي صحافي مبتدئ أوكل إليه امر متابعة محنة الحريات الديمقراطية في المغرب ـ الرأي و التعبير و التظاهر و الاحتجاج و التنظيم..الخ ـ
ما يهمنا في هذا الموضوع هو محاولة فهم حقيقة التيارات السياسية اليسارية العاملة داخل "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" على ضوء هذه التجربة الأخيرة، التي بينت لنا بالملموس عدم الانسجام في العديد من المواقف و الممارسات، و عدم الوضوح في كذا موقف نظري، و في الأخير عدم الاستعداد و التأهب لحالة قمعية من هذا النوع.
تبين لنا أن هناك "نهج ديمقراطي" بالرباط و آخر بطنجة و تأكد لنا بأن هناك "طليعة اشتراكية ـ ديمقراطية" ببني ملال و أخرى بطنجة.. كما تبين لنا ان اعتقال و محاكمة رئيس "الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين" لم يحظى بتلك الرمزية اللازمة التي تصورنا، فلم نكن نقدر مستوى البرودة و اللامبالاة تجاه اعتقال رئيس جمعية لها أزيد من مائة فرع و كل فرع يتجاوز عدد منخرطيه المائة معطل.. و قد انعكست هذه البرودة على لجن التضامن حين غاب الحماس و المبدئية في متابعة الأشغال و المسؤولية في مسايرة القرارات و الخلاصات..
و بالتالي وجب فتح النقاش بجدية وسط المناضلين اليساريين و بشكل خاص وسط دعاة "النضال الديمقراطي الجذري" فعلى ما يبدو أن أنصارهم فقدوا البوصلة و المقود، و بالتالي لم تعد تكفيهم الوصفات الجاهزة بل أصبحوا في حاجة إلى "المناضلين الجاهزين".. لربما سنحتاج خلال الأيام القادمة لقرارات من الرباط مع حافلة مليئة بمن سينفذ القرار من المناضلين.
و فيما يخص المنع و الضرب الذي طال المحتجين بالرباط الذي شمل بالتالي أعضاء الجمعية "الذي لم يراعي فيه الرؤساء و المسنين و أنوتة الرئيسة" فبعد الإدانة والاستنكار الذي لا يمكن أن يخفيه أي مناضل ديمقراطي تجاه هذه الهمجية.. فيجب كذلك فتح النقاش حول مضاعفات الحدث، أي نقاش ما توصلت له الجمعية المغربية بمعية العديد من الجمعيات الحقوقية بخصوص تقديم شكاية ضد الجلاد حميدو العنكري! و كأن الجلاد تجاوز الحدود و القوانين من وراء ظهر السلطة، أو انه لم يراع الاتفاقات والتوافقات و المشاريع التشاركية التي أقامتها "الجمعية" و كافة المنظمات و الجمعيات "الحقوقية" مع الدولة و السلطة المركزية في إطار مشروع "النهوض بثقافة حقوق الإنسان"!!
فلا يمكن فهم ما جرى و ما يجري و ما سيجري في المستقبل إذا اعتمدنا على الخطابات "الحقوقية" و على خلاصاتها و تعريفاتها الخاطئة لطبيعة أجهزة الدولة و لطبيعة النظام القائم و لأدوار مختلف الأجهزة السياسية، الإيديولوجية و القمعية المثبتة لأركانه.
فسياسة القمع لا يمكن ربطها بادعاءات "الشطط في استعمال السلطة" و "جيوب المقاومة للانتقال الديمقراطي" و بوجود جلادين ساديين مهووسين بالقمع..الخ فإما الاعتراف بطبيعة الدولة كدولة قمعية بوليسية قائمة على الاستبداد الطبقي الحامي للطبقات الحاكمة المالكة المستحوذة على ثروات البلاد.. و إما السقوط في التبرير والذرائعية، والترويج لخطابات معزولة و غريبة عن واقع صراع الطبقات و ما يتطلبه من تدخلات قمعية وحشية و يومية لصد و منع مظاهرات و اعتصامات و احتجاجات الكادحين.. أمام مؤسسات الدولة و ببوابات المعامل و في قلب الضعيات و المناجم و داخل الثانويات و الجامعات، بالشوراع الرئيسية و بالأسواق و الهامشي من الأحياء، في المدن و القرى و في كل مكان.
إن تقديم شكاية في حق أحد الجلادين لهو نوع من الهروب من المسؤولية النضالية و لا يمكن صبغه بأي نوع من الشجاعة، فعزل الجلادين عن جهاز السلطة لن يخلق سوى التشويش و الضرر على وعي الكادحين المتضررين حقيقة بوجود النظام في أساسه.. وبالتالي، أي إذا تم اعتماد منهجية "الجمعية" فسيكون من واجبها كذلك تقديم شكاية أخرى ضد وزير الداخلية و أخرى ضد الوزير الأول.. و تقديم أخرى للمحاكم الدولية ضد رئيس الدولة في آخر المطاف.. دون هذا لن يستقيم التحليل و لن يتحقق الانسجام داخل الخطاب.
الملاحظة الثانية التي استوقفتنا هو لماذا لم تتقدم "الجمعية" بالشكاية قبل هذا الحدث الذي مس أعضائها مباشرة.. فليست أول مرة، لا في تاريخ المغرب المعاصر و لا في تجربة "العهد الجديد" يسلخ المحتجون و المتظاهرون لحد تكسير العظام و إحداث العاهات المستديمة بل و القتل المتعمد ـ اغتيال المناضل حفيظ بوعبيد بجامعة فاس سنة 2001 و اغتيال المناضل النقابي مصطفى لعرج السنة الفارطة بالرباط ـ هذا و في الوقت الذي لم تمض سوى أسابيع على إطلاق الرصاص ضد المتظاهرين بمنطقة حربيل ضواحي مراكش التي لم يتم التمييز خلالها بين النساء و الشيوخ و الأطفال، كذلك بالنسبة لحركة المعطلين فلا تميز هراوات القمع في تدخلاتها اليومية بين المعطلين المكفوفين و لا بين المعطلين الأسوياء، و لا بين المعطلات و المعطلين، و لا بين المعطلات الحاملات و المعطلات العازبات، و لا بين حملات شهادة الإجازة و لا حملة الدكتوراه، و لا بين الشباب و المسنين منهم..الخ فما معنى أن يتم التمييز بالنسبة لأعضاء "الجمعية" و ما معنى كذلك أن تتقدم "الجمعية" بالشكاية فقط على ما حدث من تدخل همجي و وحشي في حق أعضائها ألهذا الغرض تأسست الجمعية؟ أليس في هذا ما يتناقض مع مبادئها و قوانينها في الدفاع عن حقوق الإنسان بنوع من "الشمولية" و "الكونية" حتى!!
نعتقد أن تراكمات "الجمعية" في مسار الانزلاقات أفقدتها و سيفقدها لا محالة ما تبقى من مصداقيتها و نعتقد أن مسلسل التطويع قد طالها و بدون شك، و بأن شجاعة و صمود العديد من أطرها و مناضليها لا يتناسق مع خطابها و ادعاءاتها الخاطئة و لن يغطي في شيء على تخاذل العديد من فروعها التي انحصرت عطاءاتها في الندوات و البيانات النادرة و كذا بعض الوقفات الموسمية التي لم تعد تشكل إحراجا للدولة القمعية القائمة على أمور البلاد، كاليوم العالمي لحقوق الإنسان، و 8 مارس، و يوم الأرض..الخ
و للتوضيح مرة أخرى، كي لا نعتبر من الصيادين في الماء العكر فقد تقدمنا بانتقاداتنا في هذا الاتجاه منذ بروز خطاب "الشطط" و "الجلادين" و "اللائحة الشهيرة".. و دولة "الحق و القانون" و "استقلال القضاء"..الخ و ليس الآن لكن الجمعية أو بالأحرى التيارات اليسارية العاملة داخل الجمعية لم تتعامل مع الآراء المنتقدة سوى بسياسة عدم الاعتبار و بالهروب إلى الأمام في إطار إستراتيجية توسيع قاعدة "الجمعية" عبر الإغراق بمناضلي التيارات، بحيث لا يمكنك التمييز بين فرع الجمعية و الحزب المهيمن داخله.. و كثيرا ما تتحول مهام الحزب إلى "الجمعية".. و كثيرا ما تتخلف الأحزاب عن تقديم رأيها عما يحدث بالمدينة أو القرية أو البلد ككل لتمرره عن طريق "الجمعية".. مما يشكل ضررا بالعمل السياسي و بسبل الصراع السياسي و الفكري ومما يسقط المناضلين في الحيرة و الإحراج حول الجهة التي يجب انتقادها، هل ننتقد "الجمعية" أم أحزابها؟ و إذا انتقدت "الجمعية" فستجابهك الأصوات "الحقوقية" بأن خطاب "الجمعية" خطاب "حقوقي" ـ و لا نعرف لهذا التخريجة أي أساس نظري يمكنه إقناعنا بأن الحقوقي منفصل عن السياسي ـ و إذا حاسبت التيار السياسي فسيجيبك بأن "الجمعية" إطار جماهيري يعبر عن اختلافات و توافقات و كوطات..الخ و الحال أن نخبويته السافرة بادية للعيان!! فلا نريد أن يستمر الترويج السهل، السطحي و المبسط عن طبيعة المنتقدين بأنهم عدائيين لـ"الجمعية" فقصدنا هو النقاش الحقيقي الجريء والمسؤول عن مسلسل التراجعات و الهجومات التي يعرفها مجال الحريات الديمقراطية، نقاش سبل الهجوم المضاد لتكريس المزيد من الحريات في اتجاه و في أفق التحرير الشامل من نظام الاستبداد و الاستغلال و القمع و الديكتاتورية.. القائم بهذا البلد.
وفي الأخير نحيي كل الرفاق الصامدين في المعتقلات و خارجها و الثابتين على مبدأ النضال من اجل تغيير حقيقي يقضي على الاستبداد و يؤسس لديمقراطية جديدة، ديمقراطية الكادحين و البؤساء و المضطهدين.

و. السرغيني
06/03/2007












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار التظاهرات الطلابية بالجامعات الأميركية ضد حرب غزّة|


.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا




.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع


.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-




.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية