الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضارة المسدس لا تزال قائمة

صالح اهضير

2007 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


غير خاف على لبيب أن دوافع وجود وبنية إنشاء أكبر دولة في العالم من حيث القوة العسكرية والترسانة الحربية، قد تمت أساسا على العنف وعلى سياسة: البقاء للأقوى.. فالغزاة الأولون للقارة الأمريكية ،التي كانت شبه خالية،كانوا جماعات من المهاجرين الأشتات،تقاطروا عليها فرارا من الاضطهاد الديني والسياسي والميز الطبقي الأوربي آنذاك.. ومن ثمة بدأ مشروع بناء الدولة العظمى اعتمادا على العنف والقهر والاستغلال بقوة السلاح، والذي تتجلى أهم مظاهره فيما يلي:
- تسخير طاقات بشرية هائلة من السود الأفارقة المهجّرين بالقوة كيد عاملة تحت السياط خدمة للأرض قبل ظهور الآلة البخارية مع ما صاحب ذلك من عرض لنسائهم كخادمات في بيوت الأثرياء و استغلالهن للمتعة الجنسية من طرف أبنائهم..
- إبادة الشعب الأمريكي بكامله من الساكنة الأصلية بعد احتلال أرضه قسرا والاستيلاء على مصادر عيشه.
- الزحف في اتجاه الغرب تحت شعار:"الحدود الجديدة" /New Frontiers / ثم اقتطاع أجزاء كبيرة من تخوم القطر المكسيكي .
- تعرض الرجل الأبيض ذاته لأعمال العنف من سلب وسرقة وقتل على أيدي قطاع الطرق والخارجين على القانون.
وبعد أن استتب للدولة الأمر بإقامة وترسيخ ركائزها في الأرض، سعت بعد الثورة الصناعية، إلى بناء ترسانتها العسكرية ووسائلها الدفاعية وانفردت بامتلاك القنبلة الذرية ثم وجهت اهتمامها للخارج بغزوها لفيتنام ويوغوسلافيا والصومال وغيرها من الشعوب المغلوبة على أمرها..وللتذكير، فقد تمكنت من غزو 32 بلدا من عام 1895 إلى عام 1930 ثم بعد ذلك كوريا واليابان في العقد الرابع من القرن الماضي والفيتنام في العقد السادس وغرينادا في العقد الثامن وحرب الخليج في العقد التاسع ...وبموازاة مع كل ذلك لم تنس نشر قواعدها وزرع جواسيسها ومخابراتها في كل الأرجاء برا وبحرا وجوا !!
واليوم، هاهي ذي حضارة المسدس لا تزال قائمة.. تخوض حربا على العالم بأكمله!! بل إن حدتها قد ازدادت بشكل ملفت للنظر عقب أحداث الحادي عشر من شتنبرمن عام 2001 تحت ذريعة محاربة الإرهاب واقتلاع جذور التطرف وإزالة أسلحة الدمار الشامل في مواجهتها للدول التي تعد في نظرها مارقة.لقد كانت فرصة سانحة أتاحتها حرب الخليج ومنطقة آسيا الغربية بعد إضمار لنوايا مبيتة بقصد الاستيلاء على مصادر الثروة العالمية والجري وراء النفوذ والهيمنة على المواقع الإستراتيجية في العالم..
إن محاولة تبرير صقور البيت الأبيض لظاهرة العنف هذه برفع راية الديمقراطية عاليا، ونشر مبادئ التسامح والعدالة والأمن والسلام، بدعوى أن الدولة راعية للسلام، ليس إلا تبريرا سخيفا وجبانا تطبعه السذاجة وضيق الرؤية..بل هو مخادعة وتضليل..فلا قيم ولا مثل عليا حيث لا توجد مصلحة في عرف هؤلاء ! وبعبارة أوجز: يظهرون خلاف ما يضمرون.. وقديما قال الشاعر العربي :
سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحـــتك أم حمار
إن العنف السائد حاليا في العراق ليمثل أصدق دليل على ما قدمنا.فلا ديمقراطية ولا سلام تحقق! وإنما الذي تحقق هو هذا العنف الذي يسري كل يوم في البلاد كما النار تسري في الهشيم ويضرب أخماسا بأسداس طولا وعرضا في كل أرجاء المنطقة..
يقول الأستاذ عاصي نصار: "ما يحكم العالم ومسيرة الشعوب هو كل ما ينضوي تحت شعار البقاء للأقوى،أو القوة هي القول الفصل في الشؤون والمصالح الدولية،وتزداد وطأة القوة على حياة وحركة وحيوية الشعوب والأمم عندما يكون الفرق شاسعا بين الطرفين أوالأطراف موضوع النزاع" - (1) ...
وبالرغم من حرص القوة العسكرية على تحصين جيوشها بداخل أحدث الآليات الحربية الضخمة،البرية منها والجوية والبحرية،همها الوحيد في ذلك التقليل ماأمكن من الخسائر المادية والبشرية من جهة،وحسم المعركة في أسرع وقت ممكن من جهة أخرى،إلا أن التجربة أبانت أن حروبها البرية لم تكن نتائجها دائما لصالحها؛ولذلك تجدها تحصر جهودها في الضربات الجوية لأهدافها بشكل عشوائي أحيانا مما يؤدي إلى خلط الحابل بالنابل وسقوط أعداد كبيرة من الأبرياء..
ولتبرير المجازر المترتبة عن ذلك،فإن الدولة "الراعية للسلام وحقوق الإنسان" تعمد إلى التذرع بوقوع اخطاء غير مقصودة،أو لكون بعض المتمردين يتخذون الضحايا دروعا بشرية، ومن ثمة تظهر بكل بساطة بمظهر المتأفف المتأسف .وإن إبداء الأسف في مثل هذه المواقف المأساوية يعد في نظري موقفا سخيفا وحقيرا يراد منه إلى التلاعب بأرواح الأبرياء بالانتقام والتشفي..
إن الإجماع الدولي على اللجوء للتفاوض كطريقة حضارية بدلا من العنف واستعمال القوة في قضايا معينة، وبخاصة قضايا دول المواجهة، يجعل موقف صقور البيت الأبيض موقفا متسما بالشك والتردد وعدم الوضوح؛بل يمثل بالنسبة لهم مسلكا وعرا ومضيعة للوقت..وهذا المنحى في التفكير لا يمكن نعثه سوى بالقصور والتهور والتسرع.وخير دليل على ذلك غزو العراق بالرغم من معارضة الأكثرية ثم الزحف نحو أفغانستان وقبل ذلك الإغارة على الجماهيرية الليبية في عقر دارها..وهي اليوم تهدد إيران بضربات جوية قاضية بعد فرض عقوبات عليها؛ أضف إلى ذلك الممارسات الوحشية في سجون: أبو غريب وجوانتنامو وغيرها من المعتقلات السرية في العالم .. كل ذلك بلا سابق روية أو نظر في عواقب الأمور..
ولا يمكن أن نجد تبريرا لهذا الأسلوب الصارم إلا في نزعة العنف المتأصلة في الجينات الوراثية للعم > منذ النشأة الأولى،بحيث يبقى هدفه الأول والأخير هو استعراض العضلات وعرض لبضاعة من أحدث الآليات الحربية الفتاكة،وما يصاحب ذلك من وعيد وترهيب وإحناء للرؤوس.وإلى هذا "الجبروت السامي" تشير صحيفة لكونوميست في مقال لها بعنوان "عالم أمريكا":(( إن الولايات المتحدة تعيد تركيب العالم كما تريد،فهي تسيطر على قطاع الأعمال والتجارة والاتصالات،واقتصادها من أنجح الاقتصادات في العالم،وهي الأقوى والأفضل عالميا من حيث القوة العسكرية)) – (2)...
على أن العنف كما هو ملاحظ،لم يكن دائما مقصورا على النفوذ العسكري وهيمنة الدولة،بل انتقلت عدواه إلى المجتمع الأمريكي برمته،تغذيه أفلام الرعب والأفلام البوليسية وأفلام الويسترن.هذه الأفلام التي تجسد حقيقة الرجل الأبيض بإظهاره بمظهر المنتصر دائما..البطل الذي لا يقهر..الذي بإمكانه أن ينتزع حقه بكل وسائل العنف الممكنة حتى وإن أدى ذلك إلى خرق قواعد المعركة ..إن المنتصر في نهاية المطاف هو ذاك الذي يكون بإمكانه الوصول إلى الإمساك بمسدسه في برهة خاطفة قبل خصمه..
ولقد شاهدت في نهاية فلم من أفلام رعاة البقر معركة حاسمة في مبارزة بين بطل أمريكي وزعيم لقبيلة من الهنود الحمر بعد أن تجرد كل منهما من أسلحته،وكادت المعركة أن تحسم لصالح الزعيم لولا أن منافسه أخرج من حذائه الطويل مسدسا صغيرا على حين غرة ليرديه قتيلا على الفور..وهي مأساة تتكرر في جل الأفلام من هذا النوع.
ولهذه النماذج من الأفلام وغيرها من العوامل التي أتينا على ذكرها أثر عميق في انتشار العنف في أوساط المجتمع الأمريكي، وبخاصة بين طلاب المدارس والجامعات.وما حكاية الشاب الكوري الذي قتل 32 من الطلبة والأساتذة مؤخرا في جامعة التكنولوجيا بولاية فرجينا بخافية على أحد..وبهذا الصدد، تشير آخر التقديرات إلى أن ثلاثين ألف شخص يقتلون سنويا بالرصاص في الولايات المتحدة؛ وهي جرائم تنتهي في الغالب بانتحار منفذيها..
ومما يساعد على ممارسة مثل هذه الأعمال الإجرامية، سهولة الحصول على السلاح، إذ تعتبر الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي يسمح فيه للشخص باقتناء بندقية أو مسدس حتى وإن كان ذلك عن طريق البريد..
من المؤكد إذن أن حضارة المسدس لا تزال قائمة !غير أن ذلك لا يعني أنها ستبقى كذلك إلى الأبد.إن منطق التاريخ والأشياء والحياة والناس ليثبت أن العنف لم يكن دائما حلا ناجعا للمعضلات والمآسي إلا في حدود ضيقة تدوم لبعض الوقت..وبمعنى آخر: العنف لا يولد إلا العنف..إنه بمثابة التنين الذي ما أن تقطع رأسه حتى تتولد منه رؤوس ورؤوس..لقد كانت الإمبراطورية الرومانية في أوج حضارتها، وكذلك ظلت قرنا من بعد قرن، حتى ظن الناس أنها باقية إلى يوم يبعثون..فإذا هي على حين غرة تصبح أثرا بعد عين!!
..............................................................
(1) – موقع ثروة الالكتروني.
(2) – , The Economist , 23 october 1999 "America s World "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر