الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيذبحون القمر في الفجر

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 7 / 17
الادب والفن


في ذكرى فاجعة مقتل الشاعر الأسباني فدر يكو غارثيا لوركا على يد العصابات الفاشستية في غرناطة في 19آب ( اغسطس ) عام 1936

سيذبحون القمر في الفجر،
ستبدأ الأعشاب بالغرق في حمرة الرحيل،
واسمع ُ أقداح النبيذ تتكسر في جراحات الياسمين،
وتلتطم شظاياها في كبد الطيران.

ستتعكر مرايا الغربة في أحزان المياه،
وستتيه الرياح في مآقي " ولّادة"،
"ولّادة" التي سينهار في حضنها المساء،
تلتف على حلمها برقصة الفلامنكو مع النواسيّ،
وكهرمانة على وقع بسمات الرمّان.

هذا الفجر سيذبحون القمر في الوادي الكبير،
بسكاكين قراصنة الألوان،
و سيعلقون اهابه ظلا على نوم كاليغولا ، لئلا يتوقف البنفسج عن الآلام حين تفتق نجوم الصباح.

سوف ندعو الشرفة مفتوحة ، أيها القمر!
من شرفتك سوف نرى رفرفة الطير من قفص الأوهام،
تتدلى من جناحيها ظلال عذاب بروميثيوس في أطيان دجلة،
وصخور كاردوخ.
نشاهد مناجل النخيل مغروزة في صدور جياد اللانهايات.

في الفجر ستصل أسماعنا ترنيمات الزيتون من وادي الكبير،
وستهمد براثن الموت في عتمة المانجوليا ،
ومسك الغزلان.
ذبحوا القمر ،
و سحقوا الورد ،
و رموا الطير،
يحثوا في قلاع السلطان،
و في بريق النقود العتيقة،
و في عظام الديناصورات ،
فلم يعثروا على السطوع ،
و لم يلقوا عطر الأحلام،
و لم يستطيعوا أسر الطيران.

‏الاثنين‏، 18 آب‏، 2007

و بهذه المناسبة رأيت من المفيد أن أرفق المقال الذي كتبته عام 2000.


وفي قلوبهم للطغاة عروش
حميد كشكولي
« إن يكن مبتغاكم أن تنزلوا طاغية عن عرشه ، فاعملوا أولا على تحطيم ذلك العرش الذي أقمتموه له في قلوبكم » - جبران خليل جبران-
يقول فيدير يكو غارسيا لوركا ( 1898 – 1936) في قصيدة:

« أغلقت شرفتي
لأنني لا أريد سماع النحيب،
لكن خلف الأسوار
لا يسمع أي شيء آخر عدا النحيب .
ثمة قلة من الملائكة تغني ،
ثمة قليل من الكلاب تنبح،
ألف كمان تتسع راحة اليد .
لكن النحيب كلب هائل ،
النحيب ملاك هائل ،
النحيب كمان هائل ،
الدموع تكمم فم الريح،
و لا يسمع شيء آخر سوى النحيب».

لقد استشهد لوركا الشاعر الغرناطي الإنسان ، والمناضل الشريف قبل بلوغه الأربعين على يد جلاوزة النظام الفرانكوي الحاكم في بلاده ، لذا فإدراك وفهم معاني قصائد لوركا، و تبين صورها يتطلب الإطلاع جيدا على أوضاع أسبانيا المأساوية في تلك الفترة التي عاشها لوركا .

ففي القصيدة أعلاه يصور الشاعر البيئة التي يعيش فيها حقولا لعذاب و تعذيب رهيبة ، ولا يصل منها الأسماع، رغم انه قد أوصد نافذة القمر، سوى صراخ الآلام والأنين عبر الأسوار الرمادية والسوداء للمدينة . أي لا يمكنه تجنب السماع فتلك الأصوات من الشدة بمكان بحيث باتت تخترق الجدران العصية على الاختراق. ولعل الملائكة رمز الشعراء المنشدين أو مطربين يصدحون، فلوركا لا ينكر وجودهم ، و ربما هم عادة أفراد يطربون الطغاة و يكيلون لهم ما يمكنهم من المديح لآثامهم و يطربونهم و يرقصون على أشلاء مواطنيهم إرضاء لهم .

ثمة أناس على تلك الشاكلة كان لهم وجود أيضا في موطن لوركا . فالكلاب النباحة أيضا قليلة العدد و قد نسيت النباح لان الصراخ والأنين قد طغيا عليه . فالنباح والعواء يرمزان لوجود حياة ما في القفر المتصور في تلك الديار .

يقول الشاعر إنه يمكنني عزف و إنشاد ألف نغمة سعيدة و أستطيع أن أتحول شاعرا للغزل و الأفراح لكن يا لقلة حيلتي فالأنين كلب ضخم الجثة أفقدَ عويله ونباحه عودي رونقه و قد خيّم على هذه الديار. انه ملاك كبير أيضا يحمل رسالة الموت و اليأس إلى هذه الأمة. و لعله بالعكس تماما فالشاعر يصور هنا الصراخ والأنين بملاك لأنه يؤمن أنهما يتحولان يوما إلى أصوات ثورة و رؤوس رماح تمزق العواصف السوداء العابرة ، و ستتحول الصرخات إلى أنشودة نصر للمظلومين.

هذه القصيدة تذكرني بقصائد أخرى منها تائية الشاعر المعارض من العصر العباسي دعبل الخز اعي و الذي يسمع صرخات المظلومين .أنينهم في مجتمعه المحكوم باستبداد العباسيين وكم يتألم لمأساتهم، فيصورها في قصيدته الرائعة:

تجاوبن بالأرنان والزفرات نوائح عجم اللفظ و النقطات
ألم تر للأيام ما جر جورها على الناس من نقص وطول شتات
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات
وما الناس إلا غاصب و مكذب و مضطغن ذو أحنة و ترات.

و دعبل الخز اعي لاقى في حياته كثيرا من الاضطهاد والمطاردة وكان يردد قوله دائما" حملت خشبتي على كتفي ثلاثين سنة لا أجد من يصلبني عليها" هكذا يتبين لنا أن دعبل مثله مثل لوركا لا يسمع سوى الصراخ و الأنين الأليمين بحيث يحولان دون سماعه نشدان العندليب و شدوه و إيقاعات قدوم الربيع وان الظلم و الاستبداد قد ملآ الأرض ظلاما دامسا . فهذان الشاعران يفصل بينهما ما يقرب من 12 قرنا ولكنهما متوائمان في احتجاجهما ضد الظلم و الطغيان كأنهما قد نسقا معا أو أنهما الصوت والصدى و ما اقرب ترجمتيهما للحادثة التاريخية لزمانيهما إلى حادثه شعرية .

و لكنهما ذكراني بقصيده لنزار قباني وهي اقرب إلى تقرير سياسي منه إلى شعر حين يقول :
وخريطة الوطن الكبير فضيحة
فحواجز .. و مخافر.. وكلاب
و العالم العربي .. إما نعجة
مذبوحة .. أو حاكم قصاب
ولكن شاعرتا المرحوم قد غالط نفسه حين كان مقبولا عند الحكام القصابين و مدح أكثرهم دموية أي طاغية العراق الساقط حين تمني أن يعود طفلا رضيعا فيفتديه بروحه لكي يعيش الطاغية أطول ما يمكن أو لكي يبقي أبدا !!! كما هناك بعض كرسوا جل عمرهم يتصنعون الهروب من مستبد ليعيشوا في أحضان مستبدين آخرين ، و لا ينفك ينسجون أساطير حول تاريخهم و ماضيهم غير المشرف والتي ما عادت تنطلي حتى على طفل, و إنهم بأكاذيبهم ونفاقهم و شعريتهم و ملكتهم الوضيعتين و حتى التعاون و التآمر الجبان في الخفاء مع الطغاة ، قد قدموا أكبر خدمة لجلادي شعبهم وجعلوا من أنفسهم شركاء في الجرائم التي ارتكبت بحق الأبرياء ،و مظفر النواب مثال فاقع لهذه النماذج ولكن هيهات أن يخدعونا بدجلهم !

فمأساتنا أن عروش الطغاة قائمة في قلوب البعض وما اصدق جبران فيما قاله ! فاستشهادي بشعر لوركا ومقارنته بقصيدة دعبل يحمل مغزى آخر أيضا ألا و هو أن قصائد الأول مشحونة بروح التصوف الشرقي و الرقة الشعرية العربية ، فديوانه" تاماريت" الصادر 1936 تموج فيه أجواء عربية إسلامية و صوفية شرقية صريحة .. وربما الكثيرون قد شاهدوا صورة للوركا بالزى العربي .. وكم تشبه قصائده في وصف الحقول والبساتين قصائد شاعر الوصف الشهير ابن المعتز والى حد ما بعض الشعراء الكرد الكلاسيكيين مثل "وفائي" .
أتلمس في قصيده لوركا أعلاه حين يشف الأنين خلال الأشياء شيئا من السريالية حيث أن الخيال المتسامي تيار نهر دافق في شعره فحتى قصائده السياسية الهادفة ينشدها في سريالية رائعة دون أن ينجر إلى تقريرية و مباشرة تخدش جمالها .
حميد كشكولي
مالمو/ السويد.
10/2/2000.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم ولاد رزق 3 بطولة أحمد عز يقفز لـ 193 مليون جنيه منذ طرح


.. عيد ميلاد خيرى بشارة.. بصمات سينمائية مميزة وقدم عمرو دياب و




.. ما هو المسلسل أو الفيلم الذي لا تمل من مشاهدته؟.. الجمهور ير


.. الفنان أيمن عبد السلام ضيف صباح العربية




.. الكوميدي أم التراجيدي؟.. أقرب الأدوار إلى قلب الفنان أيمن عب