الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة إلى السيد نوري المالكي : ولكن ما هي الديمقراطية يا دولة الرئيس ؟!

كريم عبد

2007 / 7 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا أحد يحسد العراقيين على ما هم فيه، ولا أحد سيقف إلى جانبهم إذا لم يأخذوا هم بأنفسهم زمام المبادرة. والمبادرة تبدأ بقول الحقائق كما هي كي يعرف المواطنون ما الذي جرى ويجري، ولماذا وصلت الأمور إلى هذا المستوى الخطير من الفوضى والأضطراب !! الحقائق كما هي وليس استخدام الكلمات لتجميل الواقع المرير كالقول ( أن ما تحقق في العراق حتى هذه المرحلة هو أمر جيد لكن تطلعاتنا كبيرة ) أو تبرير التراجع بإحالة الأسباب على الديكتاتورية كالقول ( أن الحكومة لا يمكن أن تجد حلولاً سحرية للمشاكل التي يعانيها المواطن لأن الديكتاتورية السابقة خلفت لنا الكثير من المشاكل ) فالديكتاتورية كما تعرف دولتكم قد سقطت قبل أربع سنوات، أما ما يجري الآن من اختراق لأجهزة الدولة ومئات القتلى من الأبرياء شهرياً وانعدام الخدمات وتهجير مئات آلاف العوائل داخلياً وخارجياً، فهي من صنع من تولوا المسؤولية لاحقاً .. وهي في جميع الأحوال لا يمكن وصفها بأنها ( أمر جيد ) بل الأمر على العكس تماماً.
ولكن ورغم كل ذلك وسواه، فإن نزعة التيئيس من كل شيء ليست خياراً سياسياً، إلا إذا أرادت حكومتكم المنتخبة الإستمرار بتكريس مبدأ المحاصصة سيء الصيت والمقترن دائماً بالإقصاء والتهميش والرد على الآخرين بالإتهامات والتشنج. فالمبادرة الحقيقية بالنسبة لحكومة منتخبة يجب أن تكمن بالإنفتاح الديمقراطي بصفته الخيار الوحيد الذي يؤدي إلى تعزيز الثقة بين الأطراف المعنية كي يكون بالإمكان تلافي السلبيات الكثيرة التي ورثتها حكومتكم دون أن تتمكن من مواجهتها فعلياً أو التقليل من وطأتها على المواطنين المغلوبين على أمرهم.
لنعود إلى تصريحكم في محافظة واسط في 8 حزيران (يوليو) الجاري والذي كررتم مضامينه لاحقاً بأشكال مختلفة، ولكي لا نـُتهم بالإنتقائية سنورده كما تناقلته وكالات الأنباء: ( من الضروري الوقوف بقوة وحزم في وجه الذين يتسلمون المال من أطراف إقليمية لإرباك الوضع الأمني المستقر في محافظات جنوب العراق، أن الحكومة لا يمكن أن تجد حلولاً سحرية للمشاكل التي يعانيها المواطن العراقي لأن الديكتاتورية السابقة خلفت لنا الكثير من المشاكل. أن ما تحقق في العراق حتى هذه المرحلة هو أمر جيد لكن تطلعاتنا كبيرة على المستوى الاقتصادي والسياسي والخدمي وإعادة العلاقات السياسية مع المحيط الدولي، وكل هذه الأمور بدت الآن كأنها لوحة فنية تريد أن تفرز نفسها بوضوح لتكون العراق. أن ما يجري في المحيط الإقليمي هو تآمر ليس على مستوى تغيير الحكومة المنتخبة فحسب بل لوقف العملية الديمقراطية وإسقاط الدستور وعودة النظام البائد، ومع الأسف صدر هذا التوجه من بعض من يشاركوننا العملية السياسية ومن تحت قبة البرلمان في بعض الأحيان. )
إن كلاماً كهذا يجعلنا أمام مفارقات غريبة حقاً، فهو يناقض الواقع من جهة ويزيد الأمور إلتباساً من جهة أخرى، فالقول: ( أن ما يجري في المحيط الإقليمي هو تآمر ليس على مستوى تغيير الحكومة المنتخبة فحسب بل لوقف العملية الديمقراطية وإسقاط الدستور وعودة النظام البائد) إنما هو ذريعة لإفراغ الديمقراطية من جوهرها، أي إلغاء حق المعارضة بالعمل، واستبدال الحوار بالإتهامات كمقدمة لتبرير القمع والمصادرة !! ما يجعل من حقنا أن نتساءل : ما هو فهم سيادتكم، وأيضاً قائمة الإئتلاف التي تمثلونها، للديمقراطية ؟! هل الديمقراطي تعني أن على العراقيين أن يتظاهروا تأييداً لأخطائكم وخطايا أحزابكم التي هي من خلق الثغرات الخطيرة التي ينفذ منها البعثيون والتكفيريون لقتل المزيد من العراقيين الأبرياء يومياً، حيث عزلتم الكفاءات العراقية وسلمتم الوزارات والمسؤوليات للجهلة والأتباع فشاعت الرشوة والفساد المالي والفوضى الأمنية فتراجعت قوة الدولة والقوانين وانكمش المجتمع على نفسه فأصبح دون إرادة أو فعل، وبسياستكم هذه اعطيتم الفرصة لأعداء العراق الحقيقيين من بعثيين وارهابيين كي يعيثوا في أرض العراق دماراً وتخريباً !!
لقد تحولت ميليشياتكم إلى وباء يضرب أجهزة الدولة ويكمم أفواه المواطنين وينغص حياتهم خصوصاً في محافظات الجنوب والفرات الأوسط التي تدعون الحرص عليها، ميليشياتكم التي لا يعرف أحد من أين يأتيها المال والسلاح: من إيران أم من المريخ ؟
هل الديمقراطية التي تدافعون عنها وتتهمون الآخرين بالتآمر عليها، تتمثل بالإغتيالات التي مارستها ميليشياتكم ضد عناصر القوائم المنافسة خلال الحملة الإنتخابية حيث تلطخت الديمقراطية بدماء أكثر من عشرين ضحية ذنبهم أنهم لا ينتمون لقائمة الإئتلاف !! أم أن ديمقراطيتكم تتمثل بالحملة الدعائية الغريبة التي اتبعتموها وقتذاك، والتي تصدرها المدعو صدر الدين القبنجي خطيب صلاة الجمعة في النجف الأشرف !! حيث قال مخاطباً الجمهور قبل الإنتخابات بيومين وبلهجته العامية: ( إذا ما تنتخب قائمة الإئتلاف، الإمام صاحب الزمان راح يسألك يوم القيامة: ليش ما انتخبت قائمة الإئتلاف ؟! ) حيث قامت فضائية الفرات بنقل هذه الخطبة المخزية واعادتها تكراراً لكي تعمم هذا المستوى الغريب من السخرية واحتقار عقول العراقيين والاستخفاف بدينهم وثقافتهم !! وهل تسمح ديمقراطيتكم أن نتساءل عن هذا القبنجي، هل هو عراقي أم إيراني ؟! وهل النجف الأشرف بحوزتها وعراقتها أصبحت خالية من العلماء والخطباء بحيث يقع الإختيار على هذا الثعلب الماكر لكي يسخر من عقولنا وديننا بهذه الخفة والفجاجة، أم أن مصالحكم الحزبية اقتضت ذلك ؟! ثم ما معنى عودة ظاهرة الاغتيالات إلى مدينة النجف هذه الأيام، ولماذا تُستهدف الشخصيات الأمنية والحقوقية ؟! ومن يقف وراء كل ذلك حقاً ؟! هل هم المتآمرون على العملية الديمقراطية والدستور أم الميليشيات والأجهزة الإيرانية المتسترة بها ؟!
ما هي هذه الديمقراطية يا دولة الرئيس ؟! نحن نسألكم جادين مقدرين سمعتكم الطيبة وتاريخكم الطويل في الكفاح ضد الديكتاتورية، فالديمقراطية التي يعرفها العالم المتقدم لها أهداف اجتماعية مباشرة، يأتي في مقدمتها حق تكافؤ الفرص وتنشيط دورة المال والاقتصاد واعطاء الأولوية للطبقة الوسطى العراقية في تطوير الصناعة والزراعة لتحقيق الإكتفاء الذاتي من المواد الإستهلاكية، وليُصبح لدينا سوق عمل قادرة على استيعاب الطاقات المُبدَّدة في الداخل والخارج. وهذا هو الأساس المادي للاستقلال الوطني. هذا هو مغزى الديمقراطية وهدفها، فإين هي سياسة حكومتكم من كل هذا ؟! أين هي ديمقراطيتكم التي تتهمون الآخرين بالتآمر عليها بعد أن أصبحت الطبقة الوسطى خارج البلاد وحلت محلها طبقة جديدة من لصوص المال العام برعاية أحزابكم، في حين أصبحت البضائع الإيرانية تغزو أسواقنا طولاً وعرضاً، وكأن العقود التجارية بين أبناء المسؤولين الإيرانيين وعدي صدام خلال سنوات الحصار ما زالت مستمرة مع تغيير الطرف العراقي بأبناء المسؤولين الجدد ؟!
هل سمع سيادتكم تحذيرات (هيئة النزاهة) من تحول ظاهرة الفساد المالي والإداري إلى مافيا شوهت الدولة من داخلها ؟! وهل اطلعتم على دراسة (صندوق السلام) الأمريكي المنشورة مؤخراً، حيث ( أصبح العراق في المرتبة الثانية بعد السودان لناحية الفشل في الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، أي أصبحت أوضاعه أكثر سوءاً من الصومال وساحل العاج والكونغو وأفغانستان .. ) فأين هذه الديمقراطية التي يتآمر عليها الآخرون ؟!
لقد ألغت أحزابكم، أحزاب حكومة المكونات الثلاثة، المجتمع المدني وأصبح كل شيء بيد (الدولة) بدءاً بلقمة العيش وليس إنتهاءً بفرص العمل، وبهذا ألغيتم حق العراقيين بالمشاركة في تقرير مصيرهم، وانتهكت ميليشياتكم القوانين والأعراف وتحولت الوزارات إلى مقاطعات حزبية لا مثيل لها في جميع دول العالم، فانعكس كل ذلك رعباً وحرماناً على حياة المواطنين، فما الذي بقي مما كان يفعله النظام البائد ولم تفعله أحزاب المكونات الثلاثة وتزيد عليه ؟! لماذا إذن تخوفون العراقيين من عودة النظام البائد ؟!
تقول دولتكم: ( أن ما يجري في المحيط الإقليمي هو تآمر ليس على مستوى تغيير الحكومة المنتخبة فحسب بل لوقف العملية الديمقراطية وإسقاط الدستور وعودة النظام البائد، ومع الأسف صدر هذا التوجه من بعض من يشاركوننا العملية السياسية ومن تحت قبة البرلمان في بعض الأحيان. ) وهذا كلام خطير بجميع المعايير إذا كان واقعياً، لأنه إذا كان هناك تآمر فهذا يعني وجود متآمرين، وما دام المتآمرون تحت قبة البرلمان، فإن المسؤولية تحتم عليكم إعلان أسمائهم ومواجهتهم أمام الرأي العام، بالأدلة والبرهان كي تتم إحالتهم إلى القضاء. أما إذا كانت هذه الاتهامات مزعومة ولا أساسَ واقعياً لها، فالمصيبة أعظم، لأن الغرض منها سيحيلنا إلى احتمالين، هما أما تضليل الرأي العام وتخويف المواطنين لتبرير الفشل السياسي لحكومتكم، حكومة المكونات الثلاثة، أو هو أسلوب لأبتزاز أطراف أخرى تريد أن تمارس حقها بالتنافس السياسي، لكنكم تريدون احباطها معنوياً وتشويه سمعتها الساسية !! وفي الحالتين فإنكم تضربون العملية الديمقراطية في الصميم، وتأسسون لأسلوب جديد لممارسة الاستبداد باسم الديمقراطية وهذه هي اللوثة الأيديلوجية التي تتشارك فيها الأحزاب القومية والدينية واليسارية، لوثة الاستبداد وإحالة أسباب الفشل على الآخرين بغية التشبث بالسلطة !! وهذا هو السبب الذي جعلكم تهمشون المعارضة داخل البرلمان منذ البداية، من خلال تشكيل حكومة المكونات الثلاثة التي تسمونها خطأً بحكومة الوحدة الوطنية والتي لم تُنتج سوى المزيد من الانشقاقات والتراجع والإحباط !!
فما هي هذه الديمقراطية التي تدافعون عنها وتتهمون الآخرين بالتآمر عليها ؟!
وإذا كانت الأمور الآن أكثر سوءاً مما توقعه الجميع، حيث العراقيون بين سندان الاحتلال ومطرقة الإرهاب، فلماذا لا يكون من حق أطراف أخرى أن تطرح مشاريعها طالما هي ملتزمة بأصول العملية الديمقراطية ؟! أن تهمة التآمر على الديمقراطية والدستور التي توجهونها الآن إلى طرف معين دون أدلة أو براهين، ستكررونها حتماً مع أي طرف آخر سيتحرك لاحقاً، وبهذا ستقضون على جوهر الديمقراطية، ستقضون على حلم الأجيال العراقية بتحقيق العدالة عبر النظام الديمقراطي، وهذه هي الطامة الكبرى التي لا يستطيع رؤيتها من غشية عيونهم اوهام السلطة، وما عادوا ينتبهون لا إلى نهاية العمر التي هم فيها، ولا إلى المسؤولية التاريخية والأخلاقية التي سيتحملها كل من سيساهم في أحباط مشروع العدالة في العراق.
أن النظام الديمقراطي هو المكسب الأساسي الذي لا يمكن أن يتنازل عنه العراقيون بعد كل هذه التضحيات الرهيبة والدامية، وكل من يحاول الإخلال به سيتحمل مسؤولية تبديد كل هذه التضحيات، وستلاحقه لعنة العراقيين إلى الأبد، وهذا ما لا نتمناه ولا نتوقعه من سيادتكم طالما كنتم ملتزمين بمصالح العراقيين حقاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي