الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو تعاقد جديد لإنقاذ لبنان

سعد الله مزرعاني

2007 / 7 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا ينظر بعض الأطراف إلى اللقاء الحواري في «سان كلو» الفرنسية على أنه حوار جدي ومكتمل العناصر والشروط. وليس ذلك بسبب طبيعة التمثيل (شخصيات صنف ثانٍ)، بل بسبب أن إشارة الحوار والانخراط فيه، قد جاءت محض فرنسية، وبسبب تحولات في الموقف الفرنسي الذي يتصف في حال الإقدام والإحجام، كالعادة، بفيضٍ من الحماسة والسرعة التي تلامس حدود التسرع!
ومع ذلك ففرنسا لاعب مؤثر، يذهب البعض إلى «حوارها» تفادياً لخسارة العلاقة المميزة والمهمة السابقة معها (آخر تعبيراتها كان خطبة الوداع للسفير الفرنسي في «المختارة»). والبعض الآخر يرحّب بما تكرسه الدعوة الحوارية الفرنسية من تحوّل في الموقف والموقع، لا يرتبط فقط بمجيء سيد جديد الى قصر الاليزيه، وإنما على الأرجح، بسبب تعثر مرحلة التفرد والهيمنة الأميركية، وانعكاسات ذلك على الموقف الفرنسي نفسه!
تعاني طاولة الحوار الفرنسية من الضعف بسبب غياب الدعم والتبني من قبل اللاعبين الكبار (الولايات المتحدة ـ إيران، سوريا، السعودية). بيد أن المبادرة من حيث توقيتها والجهة الداعية لها، تمتلك عنصري المفاجأة والتحدّي. وهي بذلك تشكل عامل إحراج لـ «الكبار» المذكورين، بمقدار ما تخاطب أيضاً أحلام أو أوهام اللبنانيين في اجتراح حلول لم يفعل قادتهم سوى تعقيد فرص الوصول إليها، ولم تؤدِ صراعات المنطقة، خصوصاً منذ الغزو الاميركي للعراق، سوى تعريضها إلى أسوأ الاختبارات.
سوف لن تفضي الطاولة الفرنسية إلى تسوية مؤقتة أو غير مؤقتة. لكن الحوار هو الممر الاجباري أمام اللبنانيين لكي يستدركوا ما فاتهم من عوامل الانقسام في امورهم الأساسية.
وفي الاستنتاجات الجديدة، بعد جولات الحوار والتشاور السابقة وبعد الانحدار السريع الذي يدفع بلبنان إلى شفير الهاوية، يجب إيراد الآتي:
ـ إن حجم الصراع الدائر في المنطقة، قد بلغ مرحلة تتعذّر معها التسويات بين «الكبار» سواء أكانت بالإكراه أم بالتراضي. والأمر سيكون على هذا النحو، حتى تاريخ قد يتجاوز السنتين على أقل تقدير.
ـ إن التسويات التي قد يفضي إليها مسار آخر، قبيل ذلك أو بعده، لن تكون بالضرورة، في مصلحة الصغار والضعفاء والمستنكفين عن حماية أنفسهم وأوطانهم بالحدّ الضروري من التماسك، وربما، الحكمة والشجاعة والمناورات...
ـ لقد آن الآوان لإدارك مصدر الخلل في نظام علاقتنا: مصدر الانقسام والتباين والاحتراب، مقترناً بالسعي في مجرى تحقيق مكسب أو الحفاظ عليه، لإقامة علاقات مع الخارج من النوع الذي يبدأ بالاستقواء ولا ينتهي، إلا بالتخلي وبالارتهان.
ـ والإصلاح هو الدواء: إن العبور نحو نظام مواطنية متساوية، وتحرير نظامنا من المرض الطائفي والمذهبي هو الشرط الإجباري لتمكين لبنان من امتلاك عناصر البقاء والصمود والتقدم والديموقراطية. والانعطاف نحو هذا الخيار، هو قرار استراتيجي تتخذه القوى السياسية اللبنانية فتباشر عملية إنقاذ تدريجية، أو تغفل عنه، فتسقط في العجز وعدم الأهلية والضياع والخسائر من كل نوع.
ـ لقد حضر الإصلاح نسبياً في تسوية الطائف، لكن الإصلاحيين غابوا أو غُيّبوا. وتلك البنود التي تضمنتها، صراحة، مقدّمة الدستور (إلغاء الطائفية هدف وطني) والمواد 22 و24 و95 منه، بقيت يتيمة، لا يذكرها القيمون على القرار والشأن، سوريين ولبنانيين، إلا للمناورة أو للتهويل، أو للتشبث بضمانات واهمة وواهية على حدٍ سواء. فليس لخلل في بنيتنا العامة أن يشكل مصدر ضمانة لمكوِّن من مكونات هذه البنية، سواء أكان المكون كبيراً أم صغيراً، كما دلت التجارب القديمة والجديدة (من الامتيازات المارونية الضائعة إلى الامتيازات الشيعية المحاصرة)...
ـ أما علاقتنا مع الخارج، فلم تعد تتحمل، بدورها، هذا الكم الهائل من النزق والفئوية والأوهام والأخطاء والمجازفة.. وتستدعي الجغرافية السياسية وحقائق التاريخ... أن نسعى الى علاقات جيدة مع الشقيقة الأقرب، سوريا. وتشير المحصلة التي مرت بها تجارب العلاقات بين البلدين منذ استقلالهما حتى الآن، إلى أن الاستقرار في لبنان خصوصاً، لا يمكن تأمينه عبر الصراع مع سوريا، أو حتى بمعزل عنها. وبديهي أن من مستلزمات ذلك امتناع اللبنانيين وخصوصاً سلطتهم عن كل ما من شأنه تحويل لبنان مقراً أو ممراً للنيل من سوريا أو مما وممن يقوم على الشأن العام فيها من أنظمة وحكام. واللبنانيون هنا، بشكل عام، فريقان. فريق مطالب بأن يحرر لبنان من أعباء المطالب والإملاءات الأميركية، وفريق مطالب بأن يوظف تضحيات شعب لبنان وبطولاته بدعم من سوريا وبالشراكة معها، في خدمة بناء علاقات سوية معها، أي بالضرورة قائمة على الاحترام المتبادل والتوازن الطبيعي والتعاون غير المحدود...
ـ إن ثمن الاستقرار لا يمكن أن يكون القبول بالخلل في توازن العلاقة، بين السلطتين السورية واللبنانية. والسيادة لا يمكن أن تساوي التنكر للجغرافيا وللتاريخ وللمصير والمصالح المشتركة. إن اشتقاق معادلة صحيحة وسليمة، هي مهمة تاريخية لكلا السلطتين والشعبين، وإن كان لبنان بحكم التوازن او اللاتوازن، الى ذلك أحوج، ومن أجل ذلك مطالب بسعي وبمبادرات وبمقاربات جديدة.
ـ لقد دُعيتْ إلى لقاء سان كلو بعض الشخصيات «المدنية» المستقلة. ورغم أنه رُوعي في اختيارها التوازن الطائفي، إلا أن ذلك يمكن أن يشكل اختراقاً، ولو بسيطاً، للمبدأ الذي حكم التسويات ذات المرتكز الطائفي، حين كانت طبيعة الجالسين من حول الطاولة تحدّد سلفاً نوعية القرارات الصادرة. فهل لنا أن نأمل من خلال رمزية الإضافة في تمثيل «المستقلين»، ثم من خلال تقديم مشاركة فعالة من قبلهم، أن يشكل لقاء «سان كلو» عنوان توجه جديد، لا مجرد تسرّع فرنسي عابر!
إن لبنان بحاجة إلى عمل تأسيسي فعلي لإنقاذ شعبه من الكارثة واليأس والمخاطر. ولن يحصل ذلك بغير أمرين، أولهما الإصلاح الجدي والجذري: عبر إقرار هيئة تأسيسية تنبثق عن انتخابات نسبية خارج القيد الطائفي، أي عبر الأخذ بالبنود الإصلاحية في اتفاق الطائف، وثانيهما هو المباشرة بحوار لبناني ـ سوري يمر عبر «المصنع» لا عبر واشنطن، من أجل معالجة الأزمة في العلاقة بين البلدين. بغير ذلك سوف يضيع لبنان، وسوف تتبدد إنجازات شعبه في حقول التحرر والديموقراطية والمقاومة التي نحتفل اليوم بأحد أكبر إنجازاتها التاريخية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإجراءات الدستورية في حال وفاة رئيس الجمهورية في إيران


.. بعد إعلان إيران موت الرئيس بحادث تحطم طائرة.. من هو إبراهيم




.. مصادر إيرانية تعلن وفاة الرئيس الإيراني بحادثة تحطم مروحية|


.. إيران تؤكد رسمياً وفاة رئيسي وعبد اللهيان.. في تحطم المروحية




.. إيران تودع رئيسها الثامن.. من هو إبراهيم رئيسي وكيف وصل إلى