الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجغرافية والثقافة

هاشم نعمة

2007 / 7 / 19
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر عن عالم المعرفة الكويتية في تموز (يوليو) 2005 كتاب بعنوان "الجغرافيا الثقافية...أهمية الجغرافيا في تفسير الظواهر الإنسانية" من تأليف د. مايك كرانغ وترجمه عن الانكليزية الأكاديمي المغربي د. سعيد منتاق. ويتألف من 270 صفحة من القطع المتوسط.
وفي رأينا تكمن أهمية هذا الكتاب القيم في صعوبة أن نجد له نظيراً بهذا المستوى العلمي في العالم العربي ولحد علمي لا يوجد مؤلف في العربية يحمل هذا العنوان أو يحتوي هذا المضمون. وأكاد اجزم بأن هذا الحقل المعرفي لم يدخل أروقة دراساتنا الأكاديمية لحد الآن وإذا كنت غير مصيب فيما ازعم أرجو من يفيدني بعكس ما أقول.

يبدأ الكتاب بإلقاء الضوء على تعريف الثقافة رغم الإقرار بصعوبة ذلك حيث أن تحديد كلمة ثقافة مهمة معقدة وصعبة لأن ما أنتج من تعاريف يتسم باختلاف كبير. ففي نهاية الخمسينات من القرن الماضي استطاع المؤلفون أن يجمعوا أكثر من 150 تعريفاً مختلفاً للثقافة قيد الاستعمال في الكتب الأكاديمية. ويقول المؤلف أنه في هذا الكتاب لا يحاول أن يروج لتعريف محدد. وفي الواقع إن المقاربات المختلفة المذكورة يمكن أن تتضمن أفكاراً مختلفة نوعا ما حول ماهية الثقافة. فالمبدأ الموجه في هذا العمل هو أن الثقافات مجموعة من المعتقدات أو القيم التي تعطى معنى لطرق الحياة وتُنتج ويعاد إنتاجها من خلال أشكال مادية ورمزية.

والجغرافية الثقافية تنظر إلى أشكال اختلاف الجماعات وثقافاتها المادية وكذا الأفكار التي تجمع بينها وتجعلها متماسكة. وهذا يعني أن الكتاب لن ينظر إلى كيفية انتشار الثقافات في المجال فحسب ولكن أيضاً إلى كيفية فهم هذه الثقافات للمجال. ويعالج المؤلف الطريقة التي تُقيم بها الأفكار والأشياء المادية والممارسات والأماكن والثقافات والمجال علاقات متبادلة فيما بينها. وبالنسبة للعلاقة بين الثقافة والاقتصاد يرى أن الثقافة هي الوجه الرمزي الذي من ورائه يعمل الاقتصاد الحقيقي. وفي الأفكار الماركسية الأولى يحدد الاقتصاد العلاقات الاجتماعية التي تنعكس في أشكال ثقافية خاصة. وفي مقاربات أخرى تعالج الثقافة على أنها ذلك الشيء الذي يصعب على التحليل الاقتصادي شرحه.

ويقول المؤلف باستطاعتنا أن نحدد الشرارات الأصلية الأولى لانطلاق الجغرافية الثقافية في القرن التاسع عشر وذلك في اثنوغرافيا لافيتو أو ليري حيث يصفان الشعوب والعادات في العالم الجديد. ونستطيع أن نفحص العلاقة بين الأدب والاستعمار التي أطلقها في الوقت نفسه كتاب مثل رابلي أو فيما بعد سويفت حيث استعملت رحلات متخيلة أو واقعية لرسم خريطة ثقافات مجتمعاتهم. فالعلاقة بين هذه الأماكن الواقعية والمتخيلة ودور ما هو أجنبي أو غريب شيء يعاد الآن فحصه ويمثل نقطة تقاطع بين الجغرافية والأنثروبولوجيا منذ العهود الأولى. وهذا يحيلنا إلى موضوع العرق والتوسع الإمبريالي الذي طبع أعمال المنظر الألماني راتزل منذ نهاية القرن التاسع عشر. لقد أستعار من حقل الدراسات البيولوجية الداروينية أموراً ليقترح تعاملنا مع الثقافات على أنها شبيهة بالكائنات الحية. وماثل بين الثقافات والشعوب التي حددها على أساس الاختلافات العرقية والثقافية. وكما هو الشأن عند داروين فقد رأى راتزل أن هناك صراعاً بين الثقافات من أجل الازدهار والبقاء ووضع خريطة لهذا التصور على مستوى إقليمي كصراع من أجل "المجال الحيوي". حيث تنتشر الثقافات النابضة بالحياة وتسيطر أو تزيح الثقافات الأقل "حيوية". ولهذه الأفكار علاقة بالتوسع الإمبريالي وقد اقتبست فيما بعد من قبل الأيديولوجيا النازية والتي تشكل ذكرى كئيبة في مشهدنا كما يقول الكاتب. وقد تحدى كارل ساور هذه الأفكار وأقترح علاقة بين الناس والبيئة أكثر دقة وليست مجرد علاقة سببية ذات بُعد أحادي أو قياسات بيولوجية بسيطة.

وقد تغيرت الجغرافية والعلوم الاجتماعية بحدة في ضوء ظهور النظرية الماركسية وتصفية الاستعمار والحرب الفيتنامية. وفي حقل الجغرافية اكتسحت هذه الأحداث في الأغلب الجغرافية الاقتصادية التي أصبحت ربما مركز الجغرافية البشرية إلى غاية الثمانينات حيث تطورت أفكار متنوعة لها علاقة بتأويل الاقتصاد السياسي وعند نهاية هذا العقد أخذت الجغرافية الثقافية على عاتقها في المملكة المتحدة على الأقل مركزية جديدة وربما غير منتظرة مع ما يسمى بـ "المنعطف الثقافي" الذي أنتشر ليس لإعادة صياغة الجغرافية الثقافية فحسب بل فروع معرفية أخرى كذلك. فتبنت الصيغة الجديدة للجغرافية الثقافية أفكاراً لماركس والحركة الإنسانية فيما يخص الصراعات والنزاعات وعلاقتها بالثقافات.

وقد أنتقد ساور مدرسة الحتمية البيئية التي كان لها تأثير كبير في أوائل القرن العشرين وتزعمها بامتياز في الولايات المتحدة إلين سامبل. واعتبرت هذه المدرسة تطور الثقافات عملية يتكيف الإنسان فيها مع العوامل المناخية الأساسية. وتعرضت هذه المقاربة لانتقادات قاسية منذ العشرينات على أسس كثيرة ليس أقلها عنصريتها. وهي تروم في جوهرها شرح الثقافات المختلفة من خلال الاستجابة الداروينية الجديدة للحوافز البيئية. وهكذا أوحت بأن المناطق المعتدلة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية حققت بشكل طبيعي تطوراً ثقافياً واقتصاديا كبيراً لأن المناخ أرغم عامة الناس على العمل إلا أنه كافأ جهدها. من هنا شكلت هذه المقاربة مبرراً ذاتياً للإمبريالية الأوروبية لجعل عملية الاستيلاء على البلدان الأخرى تبدو وكأنها نظاماً طبيعياً. وكان ساور معادياً لهذه النظرية خاصة لأنها ضد برهان تنوع الثقافات وتخضع الأخيرة لتفسير أحادي.

إن التركيز على الموسيقى في الثقافة السوداء كان نتيجة مباشرة للاضطهاد الذي تعرض له السود أثناء فترة العبودية التي أعاقت تطور الأشكال الأدبية الأخرى تاركة المجال للموسيقى لتكون سبيلا وحيداً لمواجهة الوحشية التي لا توصف.

ويتساءل المؤلف هل يمكن تبرير اعتبار ثقافات المجموعات المضطهَدة سواء السود المستعبَدون في الولايات المتحدة أو الهنود المستعمرون كجزء من ثقافة مضطهديهم نفسها. وتظهر أهمية هذا عند الأخذ في الاعتبار مسألة العبيد السود الذين أكرِهوا على تغيير أسمائهم الخاصة واختيرت لهم الألقاب والأسماء المسيحية لمالكيهم والذين ناضلوا من أجل تطوير ثقافتهم الخاصة من خلال الروحانيات والطقوس؟ إن فكرة التشكل كصفة "عضوية أو شبه عضوية" تنزع إلى حجب هذه العلاقات السلطوية.

ربما يبدو غريباً بالنسبة إلى الجغرافي الثقافي أن يدور النقاش حول أصناف الغلة إلا أن هذه بالنسبة إلى ساور جزء لا يتجزأ من الثقافة حيث يمثل تعبيراً مادياً وتجسيداً للعمليات والمعرفة الاجتماعية. بمعنى أن الأدوات والمعرفة والمهارات المستعملة مثلاً في الزراعة والحصاد هي تماماً جزء من الثقافة بقدر ما تعتبر المعرفة والمهارات جزء من الكتابة أو بقية المعتقدات الاجتماعية. وفي الواقع فهي غالباً ما ترتبط بعمق فيما بينها. مثلاً إذا أخذنا الأمثلة الأولى المشهورة للكتابة في بلاد ما بين النهرين لاحظنا أن الألواح الطينية تبدو تدويناً للضرائب والجزيات المتعلقة بحصاد الحبوب. فالممارسات الزراعية عند قدامى بلاد ما بين النهرين وكثافة الاستيطان الزراعي الدائم يجب النظر إليها في ضوء تقنيات الكتابة والسيطرة على المعرفة وتخزينها من قبل عناصر النخبة لتمكينهم من استخراج الفائض لتغذية سكان المدن وهذا يوحي بأن قضايا المهارات والمعرفة يجب أن تعتبر جزءا من نظام كامل يشكل مشهداً خاصاً.

خلال العشرين سنة الأخيرة أصبح الجغرافيون يهتمون على نحو متزايد بالأشكال الأدبية المتنوعة كطرق للبحث عن معنى المشاهد. وتعتبر الرواية كشكل أدبي في صلب طبيعتها جغرافية. حيث يتكون عالم الرواية من مواقع وخلفيات مكانية وزمانية وميادين الصراع والحدود ووجهات النظر. أماكن وفضاءات متنوعة تشغلها الرواية والراوي. وقد تقدم أي رواية أشكالاً معرفيفقط فبعض مختلفة من الإدراك الحسي للمكان إلى معلومات ثقافية عن الإقليم والسكان. ويلعب الأدب مع وسائل الأعلام الأخرى الحديثة دوراً مركزياً في تشكيل أخيلة الناس الجغرافية. و يخبرنا العمل الأدبي عن المكان و يفيدنا بناءه بالأخص في معرفة تنظيم المجتمع من ناحية المجال. وقد رأى بروسو أن الروايات تعد نصوصاً جغرافية يمكن البحث فيها عن عناصر تخص المجال الجغرافي لتقييم مدى تفوق الروائي كجغرافي جيد.

ولا يمكن الاقتصار على الروايات فقط فبعض الكتاب المرموقين الذين يهتمون بالأماكن هم شعراء. فقصيدة جولد سميث عن القرية المهجورة يتحدث فيها كل عمود آيل للسقوط وكل حافة مكسوة بالعشب عن الإحساس بالأسى على تدمير عالم ريفي سابق بسبب التصنيع. كذلك قصص الرحلات التي تتمثل بإبداع موطن سواء أفتقد هذا أو تمت العودة إليه. حيث يترك الرجل موطنه ويعاني من الحرمان ويقوم بأعمال ويعود بريئاً. وإذا رجعنا إلى الوراء آلاف السنين للاحظنا أن القصيدة الملحمية كلكامش وهي من القطع الأدبية الأولى التي تعود للحضارة الشرق أوسطية تحتوي تماماً على نفس النمط. وتطابقها أوديسا هومروس وكذلك بطريقة لاذعة أوديب ريكس.

فيما يخص الذات والآخر والموطن وتحديد الإقليم والمجال فقد حدد الغرب نفسه بأنه متقدم ويصنع التاريخ ويغير العالم بينما اعتبر الشرق سكونياً وسرمدياً. ويمكن ملاحظة هذه النمط عند مفكرين مثل هيغل مرورا بسياسيين مثل دزرائيلي. فأوروبا تشكل المستقبل بينما الشرق يستطيع أن يجرب التكرار. وهكذا يناصر دزرائيلي رئيس الوزراء البريطاني في القرن التاسع عشر في روايته "تانكرد أو الحملة الصليبية الجديدة" فكرة التاريخ الدائري لبلاد فارس حيث هناك جغرافية واضحة لغرب يرغب في شرق مؤنث ولكن كمفعول به وليس كفاعل.

وفي رأينا من المفيد الرجوع إلى كتاب د. إدوار سعيد الذائع الصيت " الاستشراق " الذي صدر بالانكليزية في عام 1978 والذي حلل فيه البنية المعرفية للاستشراق حيث يرد فيه ما يفند تلك المزاعم إذ يذكر "إن الشرق ليس حقيقة خاملة من حقائق الطبيعة. فهو ليس مجرد وجود بالضبط كما أن الغرب ليس مجرد وجود... ذلك أن مواضع وأقاليم وأقساماً جغرافية كالشرق والغرب من حيث هي كيانات جغرافية وثقافية...هي من صنع الإنسان. ومن ثم فان الشرق بقدر الغرب نفسه تماماً هو فكرة ذات تاريخ وتراث من الفكر والصور والمفردات التي أسبغت عليه حقيقة وحضوراً في الغرب ومن أجل الغرب. وهكذا فان كلا من هذين الكيانين الجغرافيين يدعم الآخر وإلى حد ما يعكسه".ص40

إن نظرية القدر العرقي كانت عادية جداً في ذلك الوقت. وهكذا كتب روبن نوكس في 1850 أن "العرق هو كل شيء: يعتمد عليه الأدب والعلم والفن وباختصار الحضارة" أو دزرائيلي الذي يقول في روايته المذكورة "...كل شيء عرق وليس هناك حقيقة أخرى". ويذكر د.أدوار سعيد في كتابه المذكور قول المستشرق رينان بأن السيطرة ضرورية من قبل الأقلية على الأكثرية باعتبارها أمراً بديهياً وقانوناً من قوانين الطبيعة والمجتمع. ص154

الادعاء بالتفوق العرقي على الشعوب المستعبَدة والمستعمَرة كان له أيضا أثر في تهدئة التخوف في الدول الاستعمارية من التطرف والعداء الطبقيين فيها. وكان بإمكان كُتاب مثل كبلين أن يناشدوا قراء بيض بأن " يحددوا موقعهم كجماعة ذكورية متجانسة عرقياً وغير منشقة بولائها الطبقي" وبالفعل أهتم كبلين وهاغرد وآخرون بالإمبراطورية البريطانية كوسيلة لاستلاب الطبقة العاملة الوطنية.

فيما يخص الجغرافية والمعرفة يذكر المؤلف أن الفكرة الرومانسية عن المستكشفين الجغرافيين أُفسدت نتيجة الزحف الوضيع إلى أبعد حد الذي اتسم بنهب المناطق المستكشفة والذي شوه وإلى الأبد تاريخ الضمير الإنساني والاستكشاف الجغرافي. وفي التأمل في دراسة الجغرافية الثقافية يجب أن نكون حذرين من ادعاءات الكونية والعلم الموضوعي لأنها كانت متورطة بعمق في ماضٍِِ عنصري وإمبريالي. ويسمي الغربيون الشعوب والأماكن والأصناف والعمليات وفق أفكارهم الخاصة عن الزمن والتاريخ أفكار تنزع إلى ترك الثقافات الأخرى في أدوار ثانوية. ويلاحظ أن المعرفة الجغرافية التي تراكمت خلال مرحلة الإمبراطورية البريطانية حُددت بوعي عالمي. فقد صنف كل العالم ضمن نماذج وتراتبية وهرمية وتقسيمات فرعية وفقاً لخريطة مفاهيمية غربية. وكما يقول ميلز في هذه النماذج من المعرفة تسمى الأصناف من قبل الأوروبيين وتُنتزع من بيئتها وفي عملية تسميتها ضمن نظام تصنيفي تحول إلى تنظيم أوروبي. وتعطى المعرفة هنا المظهر المحايد البسيط على المستوى الفردي لكنها في الواقع جزء حقيقي من الإمبريالية. بهذه الطريقة تقدم المعرفة العلمية نفسها بأن لا علاقة لها بالفساد الذي يحيط بالتوسع التجاري والسياسي الذي أمنته.

وللرد على ذلك نستشهد بقول د.إدوارد سعيد: "أن يقول المرء ببساطة أن الاستشراق كان جانباً من جوانب الإمبريالية والاستعمار ليس قولاً مثيراً لكثير من الجدل. غير أن قول ذلك لا يكفي ؛ بل أن ذلك ليحتاج إلى أن يُكتنه تحليلياً وتاريخياً." ص145

والآن حولت الجغرافية البشرية تركيزها لطرح أسئلة أكثر وضوحا حول العلاقة بين الناس والمكان. وهناك نقد موجه من النزعة الإنسانية وبعض أشكال الماركسية على حد سواء فيما يتعلق بنوع التفكير الذي هيمن على الجغرافية النظامية. والماركسيون أمثال هربرت ماركيوس وماكس هوركايمر وتيودور أدورنو كانوا مشغولين بشدة بفكرة "القوانين الاجتماعية" وعلم الاجتماع لتفسير أداة التحكم الاجتماعي والسيطرة من قبل الفئات المتنفذة في المجتمع.

يقول المؤلف من الممكن أن نبرهن على أن الحركة الرومانسية كانت رد فعل لظهور المجال المعقلن. وفي نهاية القرن الثامن عشر وبسبب عصر التنوير ظهرت كل من النزعة الإنسانية بشكلها الحديث والعلم العقلاني معبرا عنه في الاعتقاد القائل بأن البشر يستطيعون تشكيل الأرض والتحكم فيها وإخضاعها من خلال العلم المتحرر.

وحول الأمركة وجغرافية الذوق فكثير من المناقشات الأوروبية فيما يتعلق بفقدان الانفراد يجب أن تُقرأ في سياق السيطرة الاقتصادية والثقافية للولايات المتحدة في النصف الأخير من القرن العشرين. وهكذا فالعلاقة الأوروبية بصناعة الثقافة الأمريكية هي في أحوال كثيرة جداً علاقة التهديد والخسارة.
يقترح أندرسون بأنه علينا أن نرى الهوية "القومية" على أنها شكل خاص تاريخياً. فمثلا في أوروبا الإقطاعية أدت المماثلة بواسطة النسب والولاء إلى نسيج مختلف جداً من السياسة والولاء والتطابق الثقافي معززة في نطاق الكنيسة. ولم يستعمل الناس في ذلك الوقت الأمة لتأطير هوياتهم. وقد ظهرت الأمة والدولة بوصفها نظام حكم من القرن السادس عشر في سلسلة غير مستقرة - يتعذر اجتنابها على الإطلاق- من الخطوات والتحولات. و كانت واحدة من هذه التحولات الأكثر حسماً عندما ربطت الثورتان الأمريكية والفرنسية الأمة ليس بشخص الملك وإنما بمجموع الشعب مع أن الولايات المتحدة أقصت بشكل لا أخلاقي السكان السود.

كل شخص يريد أن يفكر بأحسن ما فيه وأحسن ما في ثقافته ولكن على العموم كل شخص هو خليط من أحسن السمات وأسوئها. والتطابق الإسقاطي هو مصطلح يصف الطريقة التي ننزع بها إلى استبدال الجوانب السيئة من هويتنا الخاصة أو إسقاطها على الآخرين لجعلهم حاملين لعيوبنا أو مسؤولين عنها. إذن قد ننظر إلى تاريخ الغرب على أنه "ثقافة متنورة" منظمة حول أهداف واضحة لها علاقة بالديمقراطية والتقدم والمعرفة والعقلانية وكيف أن الغرب صور أفريقيا على أنها مظلمة وجاهلة ولاعقلانية أو آسيا على أنها دكتاتورية غير قادرة على التطور أو التقدم. حيث تعمل هذه التعريفات الثنائية القوية على تثمين جانب واحد هو الغرب على أنه يجسد الفضائل ويودع كل عيب مضاد للبقية.

وهذا يحيلنا إلى كتاب إدوارد سعيد مرة أخرى حيث يرد فيه:" يقول رينان أن السامين وحدانيون متعجلون لم ينتجوا تراثاً أسطورياً أو فناً أو تجارة أو حضارة؛ ووعيهم ضيق وحاد الصلابة وبشكل عام فأنهم يمثلون تركيباً دونياً للطبيعة الإنسانية". ص161

وقد لاحظ الأنثروبولوجيون أخيراً أنه في دراسة ثقافات الكرة الأرضية يغيب المجتمع الغربي في أحوال كثيرة وكأنه لم يمتلك ثقافة أو ثقافات. يجب إذن أن نفكر في الجغرافية الثقافية ليس فقط كقضية دراسة شعوب أخرى غريبة ولكنها كقضية تأمل في كيفية تحديدنا لها بأنها "غريبة" وماذا يحدث بالتالي في عوالمنا الخاصة المسلم بها بداهة.

إننا لا نستطيع رؤية الثقافات بوصفها أوعية منفصلة ولكن يجب أن نسلم بتفاعلها المتبادل. إن الخطوة الأولى في التفكير من جديد في جغرافية الثقافات القومية والسلالية قد تشمل إذن تغيير طريقة نزوعنا إلى تصنيف الأفكار والممارسات. تقليدياً عمل التصنيف على أساس خطوط التمييز مجزئا الأفكار إلى طبقات فرعية داخل أخرى.وكثير من منطق التصنيف كان يروم في الواقع إلى إحداث طبقات متميزة خارجياً ومتجانسة داخلياً. واحدة من الأفكار التي اقترحت لتقدم طريقة متقدمة لمعالجة الهوية هي أفكار الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز الذي يرى أن نفكر في مسالك الهوية المشكلة من خلال الروابط والطرق التي هي متحركة ومتغيرة كل الوقت وليست ثابتة وتجمع ولا تجزئ إلى طبقات متفرقة وقد شبهها بكتلة متشابكة من النبات وكل نبته تتقاطع مع أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جغرافية الثقافة
نزار سورو شمعون ( 2011 / 4 / 8 - 01:20 )
السلام عليكم وبعد
ليس غريباَ على الجغرافيا دراسة اية ظاهرة على سطح الارض سيما المتعلق منها بالانسان مباشرةَ بل والمؤثرة في سلوكه الأجتماعي والأقتصادي والسياسي وايضاَ من الضروري دراسة العوامل الجغرافية والتاريخية المسببة لتباين وتغيّر الثقافات بين الامم وحتى بين فئات وطبقات المجتمع الواحد وبعيداَ عن الحتمية والامكانية فان الاولى في تضاؤل امام العولمة ومن الضروري دراسة جغرافية الثقافة بمنهج الجغرافية التاريخية لبيات انواع الثقافات عبر الزمان في مكان محدد أو عدة امكنة وبيان التغير الحاصل في الثقافات ودور التلاقح الفكري في نشأة ثقافة بشرية تجمع الصفة الانسانية مع روح التقدم والعدالة لبناء انسان وحضارة وارض افضل مما سبق
مع فائق امتناني لجهودكم

اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية