الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول ماهية الفن

مصدق الحبيب

2007 / 7 / 20
الادب والفن


جــدل الفحــوى:‏
لم يحل المعنى الحالي لكلمة "الفن" في التداول اللغوي الا في منتصف القرن الثامن عشر، وفي ‏ماقبل ذلك كان الفن يرتبط بمعناه العام ذي الجذور اللاتينية ( ‏ars‏ ) التي تشير الى "المهارة" ‏ولاسيما المهارة الِحرفية والمهنية. ورغم الجدل المستمر حول معنى الفن الذي احتدم وتشعب ‏للحد الذي اصبح فيه الاتفاق على معنى واحد متعذرا، بخاصة خلال القرن الاخير، فأن التعريف ‏الاكاديمي التطبيقي لايزال يعتمد "الانتاج" والمهارة الحرفية المتطلبة فيه كمركز للثقل في صياغة ‏التعريف الرسمي.‏
‏ تعرّف الموسوعة البريطانية الفن على انه " استخدام التصور والمهارة لخلق نتاجات جمالية او ‏صياغة تجارب شعورية او تهيئة مناخات تتميّز بحس جمالي". وتعرفه موسوعة اينكارتا بانه ‏‏"نتاج النشاط البشري الابداعي الذي يستخدم الوسائل المادية وغير المادية للتعبير عن الافكار ‏والعواطف والمشاعر الانسانية". واذا كانت هذه التعريفات مستوفية للشروط التكنيكية فانها، ‏وكثير مثلها، لم تستطع انهاء الجدل حول فحوى الفن، الامر العويص الذي قد يجر السائل ‏المتفحص الى عشرات الاسئلة من قبيل: مالذي يقرر حجم استخدام او شرعية تلك المهارات او ‏حدها الادنى المطلوب او مدى انطباق مواصفاتها على النتاج المأمول ؟ والأعقد من هذا، مالذي ‏يقرر ان ذلك النتاج فني أم لا ؟ هل هناك مواصفات او شروط محددة ينبغي على النتاج الفني ‏استيفاؤها من اجل ان يصبح نتاجا فنيا ابداعيا؟ وماهي طبيعة الدور الذي يلعباه الزمان والمكان ‏في التأثير على فنية النتاج ومدى ابداعيته؟ ومن ذا الذي يحكم بان ذلك النتاج فنيٌ ام لا؟ وهل ‏هذه المهمة مناطة بالفنان ام بالمتلقي؟ وهل ثمة دور او مسؤولية في هذا الحكم تناط لطرف ‏ثالث قد يتمثل بمقاولي وممولي النشاطات الفنية او النقاد المحترفين والصحفيين والسياسيين ‏والمؤرخين والنفسانيين وعلماء الاجتماع واختصاصيي نشأة الشعوب وتطورمسيراتها الثقافية؟ ‏تشير جميع هذه التساؤلات الى حقيقة ان من الصعب الاتفاق على تعريف وافٍ واحد للفن يضع ‏النقاط على جميع الحروف، الامر الذي يزداد تعقيدا لاسباب جوهرية منها:‏

‏-‏ خضوع قيمة الفن والفنانين لاحكام ذاتية اكثر من خضوعها لاحكام موضوعية.‏
‏-‏ خضوع الاحكام الذاتية والموضوعية الى تأثيرات ظرفية مثل المكان والزمان وثقافة ‏المجتمع ومرحلة تطوره.‏
‏-‏ خضوع نطاق الفن الى توسعات وتغييرات منهجية مستمرة.‏

تضمّن معنى الفن ، اضافة الى ما هو متعلق بالمهارة ، معاني وارتباطات اخرى مثل "التشكيل"، ‏المفهوم المتأتي من فعل التوليف والتركيب التنسيقي فضلاً عما يحيط ذلك التوليف من ميزات ‏الخلق والابتكار والابداع، وهذا المعنى الاخير هو الذي يشير اكثر من اي معنى اخر الى ‏مايسمى بالفنون الجميلة، هذا المصطلح الذي ابتكرته اول اكاديمية للفنون، تلك التي تأسست ‏في باريس عام 1648، إذ كان سبب اطلاق المصطلح هو التمييز بين ما وصف بالفنون ‏الجميلة التي ضمت الرسم والنحت والعمارة عن سواها من الفنون التي انتمت للحرف الفنية. ‏على ان هذا الحصر التكنيكي للمفهوم لم يسلم هو الاخر من الاشكالات ، فهناك مايميز الفنون ‏الجميلة البحتة عن الفنون الجميلة التطبيقية حيث يستأثر كل منهما بمقامه الاجتماعي ويأخذ ‏تصنيفه وتقييمه بموجب ذلك المقام. واستنادا الى هذا التصنيف تتركز خصوصية الفنون ‏الجميلة البحتة بالتعبير الذاتي الابداعي للفنان الذي يعكس الحاجات الفكرية والنفسية للمجتمع، ‏فيما تختلف عن ذلك الحرف الفنية المتميزة بطابعها العملي والمعبرة عن الحاجات الاستعمالية ‏للانسان. وبين هذا الطرف وذاك تقع الفنون الاعلانية التي ترتبط بالسوق وتعكس حركته ‏التجارية. على ان مفهوم الفن البحت ارتبط بعنصر التعبير الشخصي للفنان، الامر الذي لم ‏يتبلور تأريخياً الا بعد بزوغ المدرسة الانطباعية في الثلث الاخير من القرن التاسع عشر ‏وشيوع موضوعة ان بامكان الفنان ان يرسم مايختلج في عقله وليس فقط ماتراه عيناه. أي ان ‏يرسم انطباعاته عن العالم الذي من حوله.‏
وبالرغم من وضع هذه الاصناف من المفاهيم في خاناتها الخاصة ، فهي غير مفصولة عن ‏بعضها بجدران حديدية ، انما تختلط وتتداخل وتتفاعل فيما بينها ، ولايكون مبعث الفيصل في ‏تفريقها إلا الآراء الذاتية والاجتهادات الشخصية ، على ان مفهوم التعبير الذاتي البحت عن ‏دواخل الفنان وافكاره هو مفهوم نسبي حتى في حالات توفّر الحرية المطلقة للتعبير، ذلك ان ‏الفنان الحر انما يعبر بشكل غير إرادي عن حالة العقل الجمعي وثقافة المكان وتقاليده ‏وموروثاته، اما الفنان المؤدلج الذي يقف على نهاية الطرف الاخر من هذا الخط فانه يعبر عن ‏الايديولوجية التي يحملها، خيارا ام قسرا، الامر الذي يدفعه بالتدريج الى التخلي عن ذاته ‏الصغيرة الحقيقية والالتصاق بالذات الكبرى الوهمية سواء كانت قومية ، عنصرية، عشائرية، ‏مذهبية او حزبية. ‏

يتعرض الجدل حول مفهوم الفن ايضا الى فكرة ان الفن لايمكن حصره بمعنى مفرد ، بل قد ‏يكون من الحكمة ان يعتبر الفن كمنظومة لمفاهيم عديدة تعنى بجوانب مختلفة ولكن يربطها ‏رابط واحد. وقد مهد مثل هذا الاتجاه الى نشوء وجهة نظر اخرى تتمثل في ان الفن ظاهرة ‏اجتماعية تستمد وجودها وتكتسب شرعيتها من ارتباطها المؤسسي بالمنظومات الاجتماعية ، ‏وخاصة المنظومات التي تؤلف سلطة الفن كالمتاحف وصالات العرض والنقاد والمؤرخين ‏والصحفيين. يأخذنا هذا الانعطاف الى التمييز بين وجهتي نظر متناقضتين: الاولى تعود بنا الى ‏الفلسفة التولستوية التي تفضي الى ان المتلقي وحده، هو الذي يقررفيما اذا كان العمل فنا ام ‏لا، بصرف النظر عن نية الفنان او مدى جهده او سعيه ، وليس المقصود بالمتلقي هنا شخصا ‏مفردا انما العقل والضمير الجماهيري الجمعي. وبذلك فان قيمة الفن تتحدد بمدى التأثير الذي ‏يتركه العمل الفني على عواطف الاخرين والانطباع الذي يثيره في احاسيسهم. اما وجهة النظر ‏الثانية فتعود الى الفيلسوف الاميركي جان ديوي وماجاء في كتابه "الفن كخلاصة للتجربة" ‏المنشور عام 1934 الذي يؤكد فيه على الدور الاول لنية الفنان وتوجهاته ويورد مثالا من ‏عالم الأدب فيقول ؛ ان قطعة ادبية ما يمكن لها ان تعتبر قصيدة شعرية، فقط اذا اراد لها ‏الشاعر ان تكون كذلك وقام بتقديمها للقراء كقصيدة، بغض النظر عما يراه بقية الشعراء او ‏المؤسسات الادبية. ويمكن لنفس القطعة ان تكون مقدمة مقتضبة لتقرير صحفي اذا ماشاء ‏الصحفي ان تكون كذلك، وبهذا فاننا نتعامل مع النتاج الادبي نفسه وهو يلبس لباسين مختلفين، ‏ليس لما يميزه من ميزات فنية متأصلة فيه انما بسبب مايراد له ان يكون... تستمد وجهة ‏النظر هذه قوة اضافية وتعمل بفاعلية اكبر اذا ما اضفنا الى نيات الفنان ومقاصده ، مدى ‏شهرته ووزنه في الوسط الفني ، ونستطيع ان نرى ان ذلك ينطبق انطباقا جليا على ماجرى ‏ويجري في اروقة الفن الحديث والادب الحديث. فمن ذا الذي يعتبر، على سبيل المثال، رسم ‏بسيط لعلبة حساء، ماركة كامبل (1968)، أو الادهى من ذلك ، مبولة بورسلين حقيقية ‏‏(1917 ) اعمالا فنية شهيرة من نتاجات الفن الحديث التي كتبت عنها الآلاف من الكتب ‏والمقالات، لولا مقاصد اندي وورهول ومارسيل دوشامب، على التوالي، وما تمتعا به من شهرة ‏ونفوذ في الاوساط الفنية. وجميعنا يدرك ان ذلك اصبح من حقائق الحياة الثقافية التي نعيشها ‏محليا. فلا احد منا يشك، مثلا، بامكانية رفض نشر اجمل واروع قصيدة يكتبها شاعر شاب ‏غير معروف في الوقت الذي لايجرؤ اي احد على رفض اي ترهة او تافهة قد يكتبها شاعر ‏مشهور مثل ادونيس او محمود درويش، بل ستتبارى دور النشر فيما بينها على الاستحواذ ‏على نشر الترهات والتوافه. ولاينطبق ذلك فقط على تقدير ماهو فني او غير فني ، انما ينطبق ‏ايضا على تصنيف الفنون كما جاء اعلاه. فقد اصبح أندي وورهول، وهو فنان اعلان متواضع ‏الكفاءة، من اعلام الفن الحديث ووُصف بانه اكثر فناني القرن العشرين تأثيرا في التراث الثقافي ‏في حين لم يعتبر أحد عشرات الالاف من فناني الاعلان الاخرين ذوي الكفاءات العالية حتى في ‏عداد الفنانين ناهيك عن انهم ظلوا يعملون في الظل داخل نطاق حرفة الاعلان.‏
‏ ‏
شمل الجدال حول فحوى الفن وجهة نظر اخرى تعتمد على افكار الباحث الامريكي المتخصص ‏بعلم الجمال مونرو بيردسلي الذي يعتقد بان وظيفة العمل الفني والسياق الذي يأتي فيه هما ‏اللذان يقرران مدى فنية ذلك العمل. كما كان من اوجه الجدل ايضا موضوع اشتراط الفن البحت ‏ان يكون متجردا من القيم الاستعمالية التي تُعهد مهام انتاجها عادة الى الحرف الفنية او في ‏احسن حال الى الفنون التطبيقية. ولعل بعض الاعتراض هنا يلقي تبريره بالاستناد الى المنطق ‏العقلاني الذي لايسمح بقبول الغياب المطلق للقيمة الاستعمالية للفن مهما كان ذلك الفن بحتا. ‏فبموجب النظرية الاقتصادية للمنفعة ، يشكّل الاشباع والرضا والتمتع بالفن، بخاصة الناجم من ‏اقتناء الاعمال الفنية ، اكبر القيم الاستعمالية ، ويبرر ارتفاع القيمة التجارية للاعمال الفنية في ‏السوق. ونستطيع ان نذهب بذلك الى مدى ابعد ، فنعتبر مثل تلك القيمة الاستعمالية متجسدة ‏حتى في قابلية الاعمال الفنية المقتناة على ارضاء مشاعر الغرور والتباهي في قلوب الناس ‏الذين ينفقون اموالا طائلة على إقتنائها حتى و إن لم يكن لديهم اي استيعاب او تقدير حقيقي ‏لقيمة الفن الذي يقتنون ، ذلك ان القيمة الاستعمالية التي يحصلون عليها ستقاس عندئذ بمدى ‏ما سيرفع الفن من مستوياتهم الثقافية والاجتماعية ويجعلهم عالي الشأن والجاه في مجتمعاتهم، ‏كما يتصورون. ترتبط هذه الفكرة بالذات بموضوعة "الاستهلاك المظهري" التي قدمها ‏الاقتصادي وعالم الاجتماع الاميركي ثورستن فبلن في كتابه "نظرية الطبقة المترفة" المنشور ‏عام 1899 . حيث جاءت هذه الموضوعة في معرض تفسيره لعمليات الانفاق الباذخة التي ‏تقوم بها الطبقات الاجتماعية المترفة والتي تتعدى الى حد بعيد مايحصلون عليه بالمقابل من ‏قيمة استعمالية لقاء ما ينفقون وفق نظرية المستهلك. ومفاد تفسير فبلن ان اولئك الذين ينفقون ‏الأموال الطائلة على اشياء تشكل فيها الاعمال الفنية لمشاهير الفنانين مثالا كلاسيكيا انما هم ‏يحصلون على مقابل متكافئ مع ماينفقون لانهم يشترون في ذلك مايساهم في عرض المنزلة ‏الطبقية والجاه الاجتماعي الذي يرغبون في استعراضه على الاخرين. ولذلك فليس من العجب ‏ان يعجز مبدعون حقيقيون غير مشهورين عن بيع روائعهم بابخس الاثمان فيما يتبارى عمالقة ‏المال والبورصات على شراء بطاقة القطار التي كان بيكاسو قد شخبط على ظهرها في يوم ‏منسي!!‏
‏( في صيف عام 2004 توقع مقيّمو مزاد سوثبي الشهير في نيويورك ان تباع لوحة بيكاسو ‏‏"صبي يدخن الغليون" المرسومة عام 1905 بمبلغ 70 مليون دولار، لكنها بيعت بعد ايام في ‏نفس المزاد بمبلغ 104 مليون! وقد علق في وقتها بيب كارمل الخبير بفن بيكاسو قائلا : "ان ‏هذا الحدث يثبت لنا بأن قيمة العمل الفني التجارية في السوق ليس لها اي صلة على الاطلاق ‏بالقيمة الفنية التي يحملها ذلك العمل)!‏
من الانتقادات الاخرى لفكرة وجوب خلو الفن البحت من القيم الاستعمالية تلك الانتقادات التي ‏تورد امثلة عديدة على قيم استعمالية ظاهرة او مستترة للفن مثل استخدام الفن كعلاج ووسيلة ‏في التحليل السايكولوجي، كوسيلة للاتصال والخطاب الاجتماعي والسياسي، وكوسيلة تربوية ‏وتعليمية.‏

ميــزات الفـــن:‏
فيما يلي يمكن لنا استقراء مايميز الفن كنشاط انساني وحقل اجتماعي من خلال مقارنته بالعلم:‏

‏- خلافا للعلم الذي يهتم باكتشاف الحقيقة الموضوعية المجردة للطبيعة والانسان، يعنى الفن ‏بالقاء الضوء على الحقائق الذاتية المتعددة والمتباينة عبر وجهات نظر هي الاخرى مختلفة ‏باختلاف عواطف الفنانين والتجارب التي يخوضونها والبيئات التي ينشؤون فيها والثقافة التي ‏يترعرعون في كنفها.‏

‏- خلافا لما يختص به العلم من تنشئة للتفكير العقلاني وترسيخ للتحليل المنطقي، يتوجه الفن ‏الى تنبيه وتنمية المراكز الحسية وتحفيز وتطوير قدرات التصور والحدس.‏

‏- خلافا للعلم ذي الاتجاه المحدد والوسائل التحليلية المباشرة الثابتة، يتمتع الفن باتساع رقعة ‏انماطه ووسائله وتعدد وتباين سبل تطبيقها مما يؤدي الى لامركزية الفعل وعدم مباشرة تاثيره ‏ويؤول بالتالي الى تعدد وتباين تفسيراته وتأويلاته ولامحدودية نطاقها.‏

‏- خلافا للعلم الذي لاتسمح تفسيرات ظواهره بمساهمة اي كان انما يشترط في من يضطلع في ‏تفسير الظواهر العلمية ان يكون عالما متخصصا متدربا في مجال بحثه وله خبرات محددة في ‏مجال تخصصه، فان التفاعل مع الاعمال الفنية وتفسيراتها مفتوح لجميع الناس ، ولايشترط ‏مثل ذلك التفاعل والتفسير اية خبرة او تدريب، ذلك ان الفنون تخاطب مشاعر الناس بغض ‏النظر عن رصيد معارفهم واتساع نطاق ثقافاتهم، وليس من شأنها ان تتابع خيارات الناس ‏وتتقصى صياغات مشاعرهم.‏

العنـاصر الاساسيـة فـي العمـل الفنـي التشكيـلي:‏

للفنان التشكيلي ادواته المتميزة التي تمكنه من انجاز مهمته التعبيرية في العمل الفني مثل الخط ‏واللون والشكل والملمس والقوام والظل والنور والكتلة والفراغ والتوازن والتماثل والنسب ‏والمقاسات والمنظور. ويمكن النظر الى هذه الادوات وهي تصطف لتشكيل عناصرالعمل الفني ‏الاولية التالية:‏

• موضوع العمل الفني: صلب وخلاصة ماينبغي على الفنان تقديمه او عرضه او ‏دراسته او مناقشته فنيا.‏

• الانشاء الفني: الاخراج العام لترتيب عناصر الموضوع الفني وتحديد نظم تفاعلها ‏فيما بينها سواء كان ذلك بالتماثل او التوازن او العشوائية.‏

• التمويه الفني: صياغة جوانب مختارة من جوانب الموضوع، لاسيما تلك التي ‏تتطلب اضفاء الخدعة الفنية كتداخل الاشكال وتلاعبات الظل والنور او التحدب ‏والتقعر او المنظور الهندسي الذي يعمل على استحضار الاشكال ذات الابعاد الثلاثة ‏على سطح ذي بعدين.‏

• التعبير الفني: توظيف النمط التعبيري السائد في العمل الفني كحركات الخطوط ‏وسرعتها او قوتها، طبقات الالوان وقوامها وتفاعلاتها ، درجات النور والظل، ‏ضربات الفرشاة والملمس الذي تتركه، مادة السطح وملمسها ودرجة امتصاصها ‏للالوان.‏

• التجريد الفني: عنصر تحوير واقعية الاشياء بموجب اختزال مظاهرالاشكال ‏وارجاعها الى هياكلها الاولية عن طريق توظيف ملامحها الشكلية الدنيا.‏

• الاسلوب الفني: طريقة اختيار الفنان للهيئة التي تترتب وتتحد وتتكامل فيها العناصر ‏التشكيلية السالفة سواء كان الاختيار شخصيا بحتا، أو متبعا لمدرسة فنية معينة، أو ‏مقلدا لفنان آخر، أو متبنيا لخليط من هذا وذاك .‏

عـودة الى تولستـوي:‏

في مقالته ذائعة الصيت "ماهو الفن؟" التي نشرها عام 1897، أرسى ليو تولستوي، الفيلسوف ‏والروائي الروسي، المبادئ الاولية لفلسفة جمالية-اجتماعية كانت ولاتزال احدى الركائز ‏الاساسية لتفسير مفهوم الفن. في هذه المقالة الرائدة ركز تولستوي على مجادلة معظم ‏النظريات الفلسفية الجمالية التي كانت سائدة آنذاك والتي يعود تأريخ نشأتها الى مابين القرنين ‏الثامن عشر والتاسع عشر، والتي يتشكل قوامها في صياغة فحوى الفن على مبادئ غارقة في ‏المثالية ومفاهيم شديدة النسبية مثل الحقيقة والجودة والحسن. وتوطئة لطرح موقفه الفكري ‏المخالف، بدأ تولستوي بتفنيد الموقف الافلاطوني الذي يقوم على اعطاء تقليد الطبيعة قيمة ‏الابداع العليا والركون الى العلاقة المبهمة بين الفن والمتعة في صياغة مبررات وجود الفن ، ‏معتبراً ذلك الموقف موقفا متأرجحا مراوحا في مكانه. ركز تولستوي على حقيقة ان التجربة ‏الفنية تتمحور حول تجربة الفنان العاطفية الوجدانية وايصالها الى الجمهور، ولهذا فقد رأى انه ‏لابد للفن من اقامة الصلة بين الفنان وجمهوره، والاهتمام بنوعية تلك الصلة. فبقدر تمكن ‏الفنان من التأثير على الجمهور واستنباط الاساليب الخلاقة لالهاب مشاعرهم وكسب عواطفهم، ‏تتحدد جودة الفن. ولذلك فان مفهوم الفن لدى تولستوي لايتعدى كونه ذلك النشاط الانساني ‏الابداعي الذي يسمح بنقل تجارب الاخرين عبر لغة العواطف ومن خلال مخاطبة الوجدان ‏الانساني بادوات تعكس الفكر السائد ووسائل تتناسب مع روح العصر. ويمكن استخلاص ‏الركائز الاساسية لفلسفة تولستوي في الفن بما يلي : ‏

‏- الرفض القاطع للتفسيرات الميتافيزيقية للفن ، وبخاصة رفض موضوعة الفن كمتعة مجردة، ‏وتبني المنهج الذي يعتبر الفن شرطا من شروط الحياة الانسانية واحدى المقومات الطبيعية ‏لتفاعل الانسان مع محيطه الاجتماعي.‏

‏- التأكيد على اعتبار الفن نشاطا انسانيا واعيا يتم بموجبه نقل التجارب الحسية والعاطفية من ‏الفنان الى الاخرين بواسطة النتاج الفني الذي ينبغي ان يعمل كوسيلة اتصال ثقافية. وبهذا ‏المنطق يتوجب فهم الفن بانه العملية والوسيلة التي يتم بموجبها نقل التجارب الشعورية التي ‏يعيشها الفنانون الى محيطاتهم الاجتماعية. وبسبب اختلاف التجارب الشعورية في حدتها ‏واهميتها وآثارها فان نجاح الفن سيتركز حول قوة استحضار التجربة سواء كانت انعكاسا ‏لاحداث حقيقية ام انها كانت مختلقة من محض الخيال.‏

‏- التاكيد ايضا على كون الفن مناسبة واداة لانصهار الشعور الانساني والتحام العواطف، مما ‏يجعله فعالية ضرورية لديمومة الحياة وتطورها. فلولا مشاركة المشاعر وتبادل الاحاسيس بين ‏الناس والتحاور بالتجارب عبر الاجيال والثقافات وحقب التاريخ لتحولت حياة البشر الى مايشبه ‏حياة الغاب. وعلى هذا الأساس فان وجود الفنون وتفعيلها لايقل ضرورة عن وجود اللغات ‏ودورها الاساس في تأمين الاتصال والتحاوروالتفاهم الاجتماعي ، على ان غياب الفنون او ‏تجميد دورها من شأنه ان يشل التفاعل الانساني الايجابي ويفسح المجال لمزيد من العزلة ‏ويوجد المبرر لتنامي العدوانية والعنف.‏

‏- اعتبارالمعيار الاساس في تفريق الفن الحقيقي عن الفن الزائف متمثلا في قدرة الفنان على ‏استحضار المشاعر ومخاطبة الاحاسيس والهاب العواطف وتحقيق الالتحام الروحي بين الفنان ‏والمتلقي من جهة وبين المتلقي ومحيطه من جهة اخرى. وهذا مايساهم في تحديد قيمة الفنون ‏بمدى قابلية التجارب الشعورية المتجسدة في العمل الفني للنفاذ الى دواخل الاخرين والتأثير ‏فيها. على ان نطاق هذا التأثير سيعتمد على:‏
‏* مدى خصوصية لغة التجربة وفردانية المشاعر المتجسدة في العمل.‏
‏* مدى وضوح التجربة ونضوجها.‏
‏* مدى صدق الفنان في التعبير عنها.‏

‏- التأكيد على ضرورة تعامل المجتمع مع الفن تعاملا عقلانيا من حيث مساحة الحيز التي ‏يتطلبها النشاط الفني، ذلك ان التطرف والمبالغة في تقليص او توسيع هذا الحيز سيؤدي، على ‏السواء، الى نفس الخسارة . فمنع الفنون والتضييق عليها ومحاربتها من جهة، أو الاسراف ‏والاسفاف فيها وتحويلها الى ادوات مبتذلة، من جهة اخرى، سيقود الى نفس الطريق العقيم ‏المسدود الذي يفقد الفن فيه معناه وتأثيره.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل