الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتشظي

عفيف إسماعيل

2007 / 7 / 20
الادب والفن



)((من يريد أن يقفز قفزة عظيمة عليه أن يكون مستعدا لأخذ عدّة خطوات للخلف)
بريخت
***

مسرح الغرفة الزرقاء- بيرث
اسم المسرحية: المتشظي
تأليف: سوزان إنجلبريخت
إخراج : فيفيان جلانس
***
بصالة مسرح الغرفة الزرقاء بـ"بيرث" في موسمها المسرحي الصيفي 2007 تم عرض مسرحية "المتشظي" للكاتبة المسرحية "سوزان إنجلبريخت" ومن إخراج " فيفيان جلانس". تتكون المسرحية من سبع شخصيات هي: المهاجر الكرواتي المهندس إيفان رودفيك، والطبيب النفسي جيم هيل، والممرض شان، موظف الهجرة، رجل بوليس، رجل متخلف، والرجل الظل. تدور أحدات المسرحية في مشفي للامراض النفسية، بين زمانين حاضر وماضي تقوم الاضاءة بوظيفة إيهامية في الانتقال بين الزمانين وتدرجات اليوم بين الليل والنهار وتدعمها الموسيقي في الإسترجاع الزمني وتكثيف الحدث بحمولة موازية تعمق من البعد الدلالي للحظة خاصة عندما يعود المريض "إيفان" بذاكرته لأيام الحرب الكرواتية.

في ثلاثة عشر مشهداً متواصلة تحكي المسرحية عن المهندس الكرواتي القادم إلي استراليا، ومن اللحظة الأولي في المطار يصتدم بواقع لا يشبه أحلامه عنها التي جاءها بكل فرح وتوق الناجي من اهوال الحرب ممنياً نفسه بفردوس ارض الحرية والاحلام واحترام الانسان والفرص المتساوية، منذ الوهلة الآولي في المطار وموظف إدارة الهجرة الذي يعامله بفظاظة وصرامة روتينة قاتلة وتشكك واستهتار يفضح جهل الموظف با بجديات مهنته كعنوان للبلاده. ثم يدور به الزمن في حياته اليومية بين مكاتب البوليس، ودوائر مكاتب الضمان الاجتماعي ويواجهه إهمال ونظرات دونية تحتقر طريقة نطقه للانجليزية، والاستهتار في نطق اسمه بفتح الألف والذي يعني له الكثير ان ينطق صحيحاً بكثر حرف الالف في ثقافته، وتدور به الدوائر إلي ان ينتهي به المطاف في مشفي للامراض النفسية ويعاون الطبيب "جيم هيل" مساعده الممرض" شان" في اخراجه من تلك الحالة المتمثلة في غائبه الدائم عن هذا الواقع ويتحدث مع شخصية يتوهمها وهي "الرجل الظل"، ويناجي ويسمع اصوات طيور غير مرئية لأحد غيره، وتطارده كوابيس ايام الحرب ويهذي باسم "ماريا" التي لا يعرف المعالجان عنها شئياً، إضافة لعرض عضوي يتمثل في شلل جزئي اصاب يده اليمني. وكتابته المستمرة للرسائل للسكرتير العام للامم المتحدة يشكو له فيها من كثرت الحشرات بغرفته. عبر العديد من الحوارت والمساندة النفسية الدقيقة لفك طلاسم تشابك روحه المعقدة بفعل الماضي والحاضر يجتهد الطبيب والممرض إلي ان يصلا ما قبل فك بعض مغاليق ابواب خروجه إلي العالم ويكسبا ثقته في التعامل معهما باستراجاع الماضي وتفكيك شفراته.

في حفل عيد ميلاد"إيفان" الذي يبدو في روح معنوية عالية، تخفف قليل من عبء المرض، وبدأت تظهر عليه بعض بوادر العودة لطبيعته، يداعب الطبيب والممرض بطريقة عابثة عندما يمسك بالسكين بعد اغنية الميلاد المعروفة ويضعها قرب عنقها وسط ذهول الطبيب والممرض ثم ينفجر ضاحكا يقول لهما : إني امزح، فلقد كنت من قبل رجلاً مرحاً، ثم يواصل تقطيع كيك عيد الميلاد إلي ثلاثة اجزاء ويلتهم نصيبه مستلذاً يلعق اصابعه بينما يسقط نصيب الدكتور تحت رجله فينفجر "ايفان" ضاحكاً، يذهب الممرض بعد رن جرس يطلبه لمريض آخر، ويواصل ممازحاً الطبيب لقد استمتعت تماماً بنصيبي لقد خسرت اكلاً طيباً، ويجيبه الطبيب عليك ان تشكر "جيري" فيلاحقه بالاسئلة عن "جيري" يسأله عن صديقته التي صنعت له هذا الكيك الشهي، ان يصف له جمالها بينما يحاول الطبيب التهرب منه بشكل واضح، ويحاول ما استطاع ان يجعل الطبيب ان يتحدث عن حبيته، إلي ان يقول يبدو انها سمينة جدا وقبيحة لذلك لا تريد الحديث عنها. بينما تبين انفعالات متضاربة علي وجه الطبيب الذي تحول وجهه إلي احمر حانق، ويجيب منفعلاً: بان "جيري" ليس قبيحاً! ينظر اليه "ايفان" غير مصدق عندما يكتشف بان طبيبه مثلياً ، ويصرخ بهستريا فيه كيف تعاشر رجل!! ثم ينهار. بعد ذلك يحاول ما امكن تجنب الطبيب ولا يستطيع البقاء معه منفرداً بغرفة واحدة، ويرفض تماماً ان يلمسه أو يفحصه أو يقدم له الادوية. ويعود يغرق في توهان بئر ذاته ويتحدث مع "الرجل الظل" – وهو يرمز إلي صوت اللاوعي بداخله يذكره "الرجل الظل" بضعفه وعدم مواجهته لنفسه، وعبر حوارات مع الممرض يتراجع تتدريجياً عن يبدأ يتذكر ماذا فعل الطبيب من اجل طوال المدة التي قضاها في المستشفي، وان مثليته لم تجعله يسي معاملته أو تنتقص من اداوه لعمله.

في أحدي جلسات المساندة النفسية وثالثهما الرجل الظل غير المرئي إلا له، يستدرجه الطبيب الي مكمن عقدته التي عاني منها طويلاً، ونعرف من خلال حالة التداعي فظاظة وفظاعة ما تعرض له اثناء الحرب الأهلية، وفقده لـ"ماريا" التي يهذي باسمها، ولاسرته، ويسرد كل أهوال الحرب الأهلية وبشاعتها وما حاق ببلده، ويتخلص من عبء كان يحمله، فيبدأ رحلة التعافي خطوة بخطوة إلي مشهد الختام بعد عاد طبيعياً ويده اصبحت طليقة يتلاشي نصف شللها الذي لازمه طوال العرض، يصافح الممرض والطبيب مودعاً ولا ينسي ان يحمل الطبيب تحياته " لجيري". ثم يصعد الطبيب في نفس المكان الذي كان منه "إيفان" يراقب الطيور ويسمع صوتها وعينيه تتنظران إلي ابعد نقطة في الأفق.

هذه السمفونية الانسانية التي غاصت في كل أوجاع إعادة اندماج اللاجئ الوافد من بلد محافظ اخلاقياً محاصراً بأوجاعه الذاتية من اهوال الحرب وصدمتها النفسية التي تركت شروخها بروحه، ثم الصدمة الثقافية والحضارية في مجتمعه الجديدة ، ثم البداية من الصفر في كل شئ في الحياة، وعدم الاعتراف بأي خبرات اكاديمية أو عملية سابقاً، بحق جعلت مسرحية "المتشظي " هي لسان كل اللاجيئن بأستراليا وخطوة عملية نحو الاقتراب والتفهم لكافة عوالمهم وخصوصيتها، وتتصدي بجساره لأحدي القضايا الاجتماعية الساخنة ، بأن اللاجئين ليست كائنات هامشية بل لهم الحق الانساني البسيط في الاعتراف بهم كبشر فاعلين في دوران الحياة الاسترالية لإثراء تنوعها تعددها الثقافي ليس بقسرهم كي يصبحوا جزءاً من المجتمع الاسترالي بشكل بيروقراطي، بل يجب أولاً التفهم الكامل لخصوصية أوضاعهم النفسية والذهنية والاعتراف بقدراتهم ومؤهلاتهم.

ابدع هذا العمل المثير في التمثيل: الممثل المعروف "ايجو ساس"، في دور "إيفان" بلكنته الكرواتية وتجسيد كافة ابعاد الشخصية المركبة،"ينجي د. ادرو" في دور الطبيب، ولعب بإقتدار الممثل المتمكن "شاون ماتنديل" بقية الخمس شخصيات وكان ينتقل بينها ببراعة وحرفية عالية، ومن خلفهما تقف المخرجة والممثلة فيفيان جلانس ، والموسيقار "تيم كلايج" مهندسة الضوء "لوسي بيركنشو" لقد انجزوا جميعاً عرضاً مسرحياً مبهراً عميقاً في رؤيته الفلسفية للواقع وعامراً بالمتعة والجمال والافكار.
كان لي شرف المشاركة في هذه المسرحية كأحد افراد الفريق الإستشاري المساعد في تطوير قدارت الممثلين لفهم طبيعة التشابكات الذهنية والنفسية للمصاب بصدمة من جراء الحرب أو التعذيب.

* مُسامرة سودانوية، المقال الشهري الذي يكتبه عفيف إسماعيل لجريدة المهاجر السودانية باستراليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث