الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الآشورية والخطأ القاتل

سليمان يوسف يوسف

2007 / 7 / 20
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


بالرغم من ما عاناه الآشوريون عبر تاريخهم الطويل، ومازالوا يعانون في مختلف دول المنطقة، من شتى أنواع الاضطهاد،الاجتماعي السياسي والديني والحرمان من الحقوق القومية، لم يبد الآشوريون تحمساً للعمل القومي والانخراط في الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات القومية الآشورية.حيث بقي الشعور الديني المسيحي غالباً على وجدان ووعي الإنسان الآشوري. وبقيت الكنيسة المرجعية الأساسية للآشوريين يلجأون اليها، خاصة اثناء المحن و الشدائد.يثقون بها أكثر مما يثقون بـ(أحزاب الحركة الآشورية) على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، التي أخفقت على مدى نصف قرن من العظات القومية وتناول رجال الدين في تفكيك الرابطة التقليدية التاريخية التي نشأت وترسخت بين الإنسان الآشوري(سرياني/كلداني) المسيحي والكنيسة. كما سقطت( الأحزاب الآشورية) أمام أسوار وقلاع المذهبية التي أقامتها الكنيسة بين أبناء الشعب الواحد،حتى أمست كل طائفة تبحث لذاتها عن خصوصيات تاريخية وثقافية الى جانب الخلافات والتمايزات العقائدية واللاهوتية لتبتعد أكثر فأكثر عن بعضها.هذا وقد احتفظت الكنيسة بسلطتها الروحية في المجتمع الآشوري فضلاً عن السلطة الزمنية التي منحتها اياها الأنظمة الاستبدادية مع بعض الحقوق الدينية في دول المشرق العربي و الإسلامي لقطع الطريق أمام الأحزاب القومية وفرض مزيد من الحصار عليها.لهذا تدور الكنيسة كمؤسسة في فلك السلطات القائمة وهي تبدو جزءاً منها تأتمر بأوامرها وتلتزم بتوجهاتها.وكثيراً ما هددت(طبقة الإكليروس) المؤمنين بالأجهزة الأمنية عندما كانت تتمرد على سلطتها، (سوريا مثالاً)،حيث تتدخل السلطات السورية بشكل أو بآخر في شؤون المؤسسات الدينية حتى بتعيين رجال الدين.تجدر الإشارة هنا الى أن الكنيسة ممثلة بطبقة الإكليروس لم تتوجه الى الشارع الآشوري وهي لم تطالبه بالتحرك والتظاهر في دول المهجر احتجاجاً على قتل الآشوريين والمسيحيين في العراق إلا بعد أن طال الخطف والقتل رجال الكنيسة.واللافت أن الشارع الآشوري لم يسبق له أن تظاهر بهذا الزخم الذي شاهدناه خلف الأحزاب القومية بالرغم من دعواتها المتكررة والمستمرة لمثل هذه الاحتجاجات بمناسبات واحداث مختلفة.هذا يؤكد على المكانة المتميزة التي تحظى بها الكنيسة لدى مختلف الأوساط الآشورية المسيحية، بما فيها الأوساط الثقافية وتلك التي تدعي القومية.
ان التشرذم المذهبي والقومي في المجتمع الآشوري،الى جانب أسباب اخرى عديدة- ابرزها: تآمر قوى إقليمية ودولية على الآشوريين،البيئة الاجتماعية الثقافية الاسلامية التي عادتهم وآذتهم كثيراً- حالت دون أن تستفيد حركة التحرر الآشورية ،كغيرها من حركات التحرر الأخرى، من الهزات السياسية والتغيرات المهمة التي اصابت المنطقة ابان الحرب العالمية الأولى والثانية وغيرها من احداث القرن العشرين.وربما كان الآشوريون الخاسر الأكبر من بين شعوب المنطقة من تلك الأحداث.واليوم يبدو أن التاريخ يعيد نفسه على الآشوريين العراقيين.بلا ريب، أن الواقع العراقي هو صعب ومرير جداً، لكن مع هذا كان يمكن للآشوريين أن يحسنوا وضعهم السياسي ويعززوا وجودهم القومي في العراق لو أحسنت مؤسساتهم القومية والدينية داخل العراق وخارجه،التعاطي في السياسة والتعامل مع الأحداث بنوع من البرغماتية والواقعية، ولو عرفوا كيف يتحركوا على الساحة الدولية اعلامياً ودبلوماسياً وكسب تعاطف الرأي العالم العالمي مع محنة الآشوريين والمسيحيين العراقيين.فالحالة العراقية كانت تتطلب وتستدعي أن تتجه كل الجهود الآشورية،المادية والمعنوية والسياسية، منذ 1991،تاريخ بدء الحصار الدولي على العراق- المرحلة الأولى من مخطط تقسيم العراق- الى المسالة الآشورية التي برزت كقضية ساخنة على الساحة العراقية.لكن عوضاً عن ما كان يجب القيام به تجاه القضية الآشورية في العراق والنظر اليها على أنها قضية مصيرية لشعب واحد،اختزلت القضية من قبل معظم التنظيمات (الآشورية السريانية الكلدانية)،داخل العراق وخارجه، الى قضية حزبية،ووظفت من قبل البعض لأغراض ومكاسب حزبية. وهنا لا أستثني الحركة الديمقراطية الآشورية(زوعا)- مع تقديرنا الكبير لتضحياتها- التي تعاطت وتعاملت مع الجميع بعقلية الحزب القائد والوصي على التنظيمات والهيئات الدينية والمدنية (الآشورية السريانية الكلدانية) في العراق كما لو أن العراق باق على حاله دون تغير،والساحة الآشورية حكراً لها وحدها.أو هي لا تريد(زوعا) أن تصدق الزلزال السياسي الذي أصاب العراق وطال جميع شعوبه في التاسع من نيسان 2003.
تؤكد معظم التقارير الواردة من العراق مقتل حتى الآن أكثر من خمسمائة آشوري ومسيحي في مناطق مختلفة من العراق عدا المفقودين والمخطوفين.ضحايا الآشوريين والمسيحيين جميعهم من المدنيين الآمنين العزل، قتلتهم المجموعات الإرهابية وهم يزاولون اعمالهم وبعضهم في بيوتهم وبعض الآخر اثناء تنقلاتهم.السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم تقم التنظيمات الآشورية بتشكيل ميليشيا آشورية(كلدانية/سريانية) حتى مسيحية مسلحة خاصة للدفاع عن الأمن الذاتي أسوة بباقي شعوب العراق؟- بالطبع مهمة دعم وتمويل ومساندة هذه الميليشيا هي مسؤولية جميع آشوريي العالم- .ألم يكن من الأفضل أن يموت الإنسان الآشوري المسيحي وهو يدافع عن بيته وشعبه من أن يقتل بشكل رخيص ويصبح هدفاً سهلاً للمجموعات الإرهابية ولكل الطامعين بماله وعرضه؟ . لماذا كل هذا الاستسلام السلبي وفقدان الثقة بالنفس لشعب واجه أعداءه بصدور عارية وقدم قوافل من الشهداء على مر التاريخ؟.ما اريد قوله في هذا السياق:خمسمائة شهيد لو استشهدوا في معارك دفاع عن الذات كنا سنرى نتائج سياسية وقومية ،وصدى ايجابي على معنويات ونفوس الآشوريين والمسيحيين عوضاً عن مشاعر الإحباط واليأس التي اجتاحت وتجتاح الشارع الآشوري والمسيحي في كل مكان.بكل أسف، لم ير الآشوريون من احزابهم سوى بيانات الاستنكار وبرقيات النعي لقتلاهم والمتاجرة بدمائهم ومادة لملء الفراغ الممل القاتل في اقنيتها الفضائية.فقد تحولت مكاتب الأحزاب الى مجالس عزاء، أما الكنائس الى ورش لدفن الموتى.
هكذا مرة أخرى،بسبب الانقسامات المذهبية والحزبية، أضاع الشعب الآشوري على نفسه فرصة تاريخية، وهي الأخيرة، في اقامة اقليم آشوري في سهل نينوى يتمتع بحكم ذاتي ولو على جزء من أرضهم التاريخية(بلاد النهرين) العراق الذي بات مقسوماً بين العرب والأكراد.أنه لخطأ تاريخي قاتل أن ينقسم شعب على نفسه على قضايا شكلية صغيرة- كالتسمية أو على مكاسب حزبية ومذهبية آنية- وهو في وسط عاصفة تهدد بإغراقه.من سيتبقى من الآشوريين والمسيحيين العراقيين هم مجبرين اليوم على أن يختاروا: إما أن يعيشوا كمسيحيين ذميين يدفعون الجزية في الإمارات الإسلامية العراقية التي اعلنتها التنظيمات الإسلامية المتطرفة كالقاعدة وتحت رحمة إرهابها.وفي أحسن الأحوال في دولتين اسلاميتين، واحدة شيعية فارسية وأخرى سنية عربية . أو أن ينضموا الى (الإقليم الكردي) القابل للتوسع والامتداد قاضماً مناطق آشورية وتركمانية وعربية في سهل نينوى وكركوك وغيرها من المناطق، وأن يقبلوا(الآشوريون والمسيحيون) بكل ما ستفرضه عليهم حكومة البرزاني من شروط وتنازلات سياسية وغير سياسية مقابل أن توفر لهم الأمن والحماية المفقودين في العراق الشيعي والعراق السني.جدير بالذكر أن أكثر من نصف من تبقى من الآشوريين والمسيحيين العراقيين هم اليوم يقيمون تحت حكم السلطة الكردية بعد النزوح الكبير لهم من الوسط والجنوب هرباً من الموت إلى الشمال.
بالطبع،لم يعد يخفى على المهتمين بالشأن الآشوري ما تعانيه التنظيمات الآشورية من ضعف في بنيتها التنظيمية وانحسار قاعدتها الشعبية وهشاشة عقيدتها القومية والوطنية فضلاً عن ترك الكثير من قياداتها لأوطانها(سوريا، العراق، تركيا ) وهجرتها الى اوربا.حتى أضحت(التنظيمات الآشورية) مجرد واجهات شعاراتية من غير سند جماهيري أو تنظيمي تدور في حلقة مفرغة،فضلاً عن انها باتت محاصرة بالعديد من الأطر والتجمعات الاجتماعية والطائفية التي بدأت تبرز في المجتمع الآشوري في السنوات الأخيرة وبشكل أكثر في سوريا حيث تتحرك وتتنشط هذه التشكيلات الطائفية بتغطية ودعم من الكنيسة وبتشجيع من السلطات، لهذا تبدو التنظيمات الآشورية منشغلة كثيراً في هذه المرحلة بكيفية الحفاظ على ذاتها.الى جانب الفقر الفكري و الجماهير الذي تعاني منه الأحزاب الآشورية بدأت تعاني من فقر مادي(اقتصادي)،لابتعاد الطبقة الرأسمالية والبرجوازية عن العمل القومي من جهة وشح التبرعات السخية التي كانت تنهال عليها في السابق بعد أن ترددت في المجتمع الآشوري أخبار تلوث قيادات الأحزاب بالفساد المالي، خاصة القديمة منها، تلك التي عملت طويلاً في ظروف العمل السري (سوريا والعراق).
لا شك، هناك ترابط وعلاقة جدلية وثيقة بين هشاشة المجتمع الآشوري وتردي واقع الحركة القومية الآشورية عموماً الى درجة بات يثير هذا الواقع الكثير من التساؤلات والشكوك حول مستقبل الحركة الآشورية وبمدى قدرتها على البقاء والصمود في وجه التحديات ومواكبة التطورات وبالمصير الذي ينتظرها في المرحلة المقبلة الحبلى بالمستجدات والأحداث الساخنة.تذهب بعض الأوساط الآشورية في شكوكها ابعد من ذلك، فهي ترى أن التنظيمات الآشورية انحرفت عن الأهداف القومية التي وجدت من أجلها،وهي تتخفى اليوم خلف شعارات قومية ووطنية للحصول على بعض المكاسب الحزبية وربما امتيازات شخصية في هذه الدولة أو تلك. في سبعينات القرن الماضي طرحت المنظمة الآثورية لبنان وطناً بديلاً للآشوريين(سريان/كلدان)،وأملاً بتحقق أحلامها الرومانسية عندما فتح باب التجنيس تقدمت معظم قيادات المنظمة والكثير من قواعدها وأنصارها في سوريا أوراقهم للحصول على الجنسية اللبنانية.وفي التسعينات أشيع أن نيوزيلندا فتحت باب الهجرة، سارعت مجدداً الكثير من قيادات وقواعد المنظمة الآثورية لتقديم طلبات الهجرة الى السفارة النيوزلندية في سوريا. مثل هذه الأخطاء القاتلة و السلوك المنحرف، المتعارض أو المتناقض مع ابسط المبادئ والأخلاق القومية والوطنية، إنما يعكس حالة الانفصام السياسي التي تسيطر على القيادات الهجينة للمنظمة الآثورية الديمقراطية. هذه المتاهات القومية والسياسية ليست بغريبة على منظمة لا وطن لها أو لا قيمة و اعتبار للوطن والوطنية لديها، منظمة يخلو دستورها حتى الآن من ذكر (سوريا)، التي نشأت فيها قبل نصف قرن، كوطن للآشوريين (سريان/كلدان) السوريين وهي تدعي بأنهم أبناء سوريا الأصلاء.بسبب هذه التناقضات والديماغوجيا الفكرية والازدواجية في الخطاب بقيت المنظمة الآثورية عرضاً للانشقاقات المستمرة.جديدها، قبل أشهر انشقت عنها مجموعة مهمة في سوريا ضمت العديد من القياديين عرفت بميولها الديمقراطية الليبرالية واتجاهاتها الوطنية، شكلت فصيلاً آشورياً سورياً واصدرت بيانها التأسيسي باسم( التجمع الديمقراطي الآشوري السوري).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحزمة نارية عنيفة للاحتلال تستهدف شمال قطاع غزة


.. احتجاج أمام المقر البرلماني للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ تض




.. عاجل| قوات الاحتلال تحاول التوغل بمخيم جباليا وتطلق النار بك


.. زيلينسكي يحذر من خطورة الوضع على جبهة القتال في منطقة خاركيف




.. لماذا يهدد صعود اليمين مستقبل أوروبا؟