الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضور خطة وغياب بصيرة

علي جرادات

2007 / 7 / 20
القضية الفلسطينية


الفصل السياسي القائم بحكم الأمر الواقع بين الضفة وغزة، منذ لجوء "حماس" لخيار الحسم العسكري "للسلطة" في غزة، له تداعيات مفتوحة، تنطوي على مخاطر سياسية حقيقية على القضية الوطنية الفلسطينية، أخطرها فتح الباب واسعاً أمام الاستثمار الإسرائيلي، ما يستدعي استقراء كيفياته بعيدة المدى.
والحال؛ لعله ذو فائدة استرجاع جوهر الرؤية الإسرائيلية لعلاقة الضفة بغزة، ذلك أن السياسة الإسرائيلية، وإن لم تخلُ مِن ارتجال هنا أو هناك، في هذه المحطة المفصلية أو تلك، فإنها ظلت كاتجاه عام، وما زالت، سياسة مُخطَّطة، ترتكز إلى رؤية بعيدة المدى، يجري تنفيذها إلى وقائع على الأرض عبر خطَطٍ سياسية وعسكرية واقتصادية تكتيكية متلاحقة، على قاعدة خدمة التكتيك للإستراتيجية، وتركيم الوقائع لتصبح حالة نوعية يصعب الفكاك منها أو لأجل المساومة عليها، كالإستيطان وفصل غزة عن الضفة، وسلخ القدس وفصلها عن الضفة، ما يعطي السياسة الإسرائيلية أوراق قوة وآليات دفع كبيرة، يضاعفها الدعم الأمريكي المضمون، والعجز الرسمي العربي الواضح، خاصة في مرحلة الهيمنة الأمريكية الأحادية على السياسة الدولية ومؤسساتها، منذ انهيار القطب السوفييتي في بداية تسعينيات القرن المنصرم.
في السياق، وللإضاءة على جذور التفكير الإسرائيلي تجاة علاقة الضفة بغزة، كان يغئال آلون أشهر وأقدم الاسرائيليين الذين طرحوا تسوية الصراع العربي الاسرائيلي عن طريق المفاوضات المباشرة. فحتى عندما كان "بريغادير"، وكان في زيارة للهند (شباط 1959)، أعلن أن لدى اسرائيل "مخططا للسلام والتعاون بين اسرائيل وجاراتها". وفعلا، في اواخر عام 1959 كتب كتاباً مفتوحاً الى الرئيس جمال عبد الناصر، ونشره في صحيفة "لمرحاب" الاسرائيلية وصحيفة "نيوز ستيتسمان" الانجليزية، عبَّر فيه عن اعتقاده بأن الحل النهائي لجميع مشاكل المنطقة والشعوب التي تقطنها هو "قيام منظمة اقليمية كرابطة شعوب دول الشرق الاوسط المستقلة، تعتمد على بعضها البعض في ميادين العلم والاقتصاد والسياسية والثقافة والدفاع"، وقدّم مشروعا قابلا للنقاش ليكون قاعدة للفترة الانتقالية.
ولاحقاً، في تموز عام 1967، أي بعد شهر على احتلال ما تبقى مِن الأرض الفلسطينية، عرض آلون مشروعا محددا وتفصيليا للتسوية الاسرائيلية – الفلسطينية، وهو المشروع الذي عُرف باسمه، وما زالت كل اقتراحات الاسرائيلين لمشاريع التسوية، منذئذ وحتى اليوم، تنطلق من نفس منطلقاته وهي:
1: "ان الحروب تخلق واقعا سرعان ما يُعترف به، فلو أن إسرائيل سمحت لجيشها عام 1949 باحتلال كامل الضفة الغربية لما كان يخطر ببال أحد الآن أن يدّعي ضد حق إسرائيل بالبقاء في المدينة القديمة أو الخليل أو نابلس" .
2: "اذا كان لا بد من خلافات في الرأي بيننا وبين واشنطن بشأن مستقبل المناطق التي نحتفظ بها، فمن الافضل أن تنشب هذه الخلافات من خلال اعتراضهم على سياستنا، وليس نتيجة اعتراضنا على آراء متبلورة لديهم، لئلا تختلط مشكلة الهيبة في مجمل الاعتبارات".
3: "فكما انه لا يمكن الانتصار في الحرب بدون معارك، لا يمكن كذلك الانتصار في نضالنا السياسي حول المناطق بدون فرض حقائق استيطانية. فبما ان موازنات سياسية تفرض علينا ان لا نعلن عن تصريحات ضم مطلق، الا ان عملية استيطان واسعة النطاق لا تحتاج الى تصريحات ضم".
4: "تثبيت الحدود الاسرائيلية مع الدول العربية المجاورة (مصر والاردن وسوريا) بحيث تكون حدودا يسهل الدفاع عنها، وتحول دون تعاون الفلسطينيين (مستقبلا) مع تلك الدول من أجل أي عدوان على اسرائيل".
وقد قال في اول محاضرة بعد تسلمه وزارة المعارف والثقافة في مطلع 1970 "ولو كنت أشك ان التمسك بالسلام قد يضعف يقظتنا الامنية واستعداداتنا العسكرية، لكنت أتوصل حين ذاك الى استنتاج مؤلم، يقضي بأنه لا مناص من التضحية بالعامل الانساني الخلقي في سبيل الضرورات الامنية".
5: "ضم اوسع مساحة ممكنة من الارض مع اقل عدد ممكن من السكان، بما يضمن الطابع اليهودي والديمقراطي لدولة اسرائيل، وامكانية القبول النسبي خارج اسرائيل. اي من اجل قرار ضم اي منطقة يجب ان نأخذ بالاعتبار العوامل الديمغرافية والتاريخية والدينية والسياسية معا وفي نفس الوقت".
6: "عدم المس بحق الشعب اليهودي التاريخي في استيطان ارض اسرائيل".
استجابة لمجموعة مِن التحولات، وفي خريف 1976، طوَّر آلون مشروعه القديم، يعنينا ما ورد فيه مِن بنود حول مصير مناطق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وخاصة حول علاقة الضفة بغزة، وهي بعد التأكيد على ضم القدس على النحو التالي:
1) "عدم ربط الحكم الذاتي الفلسطني (يقصد في الضفة دون القدس) باسرائيل، بل يكون مربوطا بالاردن (الدولة الفلسطينية الاردنية)، ومجردا من الاسلحة".
2) "اعطاء العرب (يقصد الفلسطنيين) "كردورا" يصل مدينتي رام الله وأريحا ويمر عبر المناطق التي ستضمها اسرائيل".
3) "اعطاء مدينة غزة وضواحيها المزدحمة بالسكان للعرب، لكي تشكل ميناء للدولة الفلسطينية الاردنية، بينما تستمر اسرائيل في السيادة على القطاع الصحراوي الاستراتيجي الممتد من جنوب قطاع غزة حتى التلال الرملية الواقعة على المداخل الشرقية لمدينة العريش".
4) "يوضع تحت تصرف المرور بين غزة وبقية اجزاء الدولة الفلسطنية الاردنية ليس "كردورا"، بل طريقا ارضية، ولكنه ليس جزءا منها، بل يكون ذا وضع مشابه لوضع الممر الذي يربط الولايات المتحدة الامريكية بآلاسكا عبر كندا".
5) "بسبب وضع القدس ومكانتها العالمية واهميتها للديانات الكبرى، وبسبب تركيب سكانها، سيكون بالامكان ايجاد حل لوضع المصالح الدينية فيها من خلال اعطاء وضع خاص لممثلي مختلف الديانات في الاماكن المقدسة لديها. ويمكن ان تقسم المدينة الى احياء يراعى فيها التركيب السكاني والديني واقامة مجالس لهذه الاحياء ضمن بلدية مركزية".
أظن أن ما سبق يؤكد حضور منطلقات آلون في ذهن صناع القرار العسكري والسياسي الإسرائيلي، لدى نقاش كيفية استثمار المستجد النوعي في الوضع الفلسطيني، بما يُسَهِّلُ تنفيذ خطة درج اسرائيلية جاهزة، جرى الإجماع الإسرائيلي على منطلقاتها، مباشرة بعد احتلال الضفة وغزة عام 1967.
أشك أن آلون كمخطِّطٍ سياسي وعسكري إسرائيلي استراتيجي، كان يحلم، وهو يصوغ مشاريعه ومنطلقاتها، بأنه سيأتي اليوم الذي تفقد فيه نخب قيادية فلسطينية بصيرتها، بفعل شهوة الاستحواذ على سلطة صورية تحت الاحتلال، وترتكب حماقة سياسية، تفضي بالنتيجة، بصرف النظر عن النوايا، إلى تسهيل الطريق أمام الخطة الإسرائيلية التمزيقية للشعب الفلسطيني وأرضه ومؤسساته السياسية التمثيلية الرسمية. ولكن هذه الحماقة لسوء حظ الفلسطينيين، وحُسن حظ آلون وأحفاده قد وقعت، ولا يوجد في الأفق المنظور بشائر للتراجع عنها، ذلك رغم ما ينطوي عليه هذا الحال مِن مخاطر حقيقية على الشعب الفلسطيني ومصيره ومكتسباته وتضحياته وقضيته الوطنية، في مرحلة هي الأقسى في مجافاتها دولياً وقومياً، يخطيء ويتوه كلُّ مَن يظن أن بالمقدور خلالها تحقيق انجازات حاسمة، فيما شدة اختلال ميزان القوى فيها، لا تعطي أكثر مِن الصمود والثبات السياسي، ورسم سياسة واستراتيجية وآليات وطنية جامعة، تصون الحقوق الوطنية في العودة والحرية والاستقلال، عبر توافق وطني على برنامج قواسم مشتركة، يوحد المؤسسات الوطنية، ويضبط التعارضات الداخلية الثانوية، التي لن يصحو أحد يوماً، ليجد أنها قد ذابت أو انتهت في الفكر والسياسة والاجتماع، أو أن بمقدور فوهات البنادق أن تنهيها.
إزاء هذا المستوى مِن فقدان البصيرة بكل معنى الكلمة، هل يمكن وصف ما تعيشه بعض النخب القيادية الفلسطينية مِن حالة مريضة في مواجهة الاحتلال ومخططاته واجراءاته الجارية على الأرض، تستبيح كل ما هو فلسطيني على مدار الساعة، بأقل مِن القول: حضور خطة إسرائيلية وغياب بصيرة فلسطينية؟!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط