الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخروج من ذهنية الرهائن الشيعة

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2007 / 7 / 20
حقوق الانسان


منذ عام 1979 ومع انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتقدم أول فقيه شيعي معاصر إلى تأسيس دولة تلتزم بمذهب أهل البيت، واعتلاء عمامته السوداء قيادة إحدى أكبر وأقوى دول المنطقة على الإطلاق، والحديث لا يكف عن مدى ولاء الشيعة لاسيما في الخليج لأوطانهم؟
وما كان لهذا السؤال أن يطرح دون أن تصاحبه ممارسات أمنية بغيضة تستهدف كسر شوكة المتدينين من الشيعة وعزلهم عن الاجتماع العام وإبعادهم كما في بعض البلدان عن مراكز القرار، وإقصائهم في بلدان أخرى عن جميع المراكز القيادية والهامة، نتيجة الخشية الدائمة من أن يستغل الفرد الشيعي ولاءه لإيران لتحقيق مكاسب تضر بالوطن، وباسم الحماية الوطنية تم تقديم الحملة الأمنية والتي استهدفت في الكثير من الأحيان مواطنين أبرياء لا تربطهم بإيران ولا ثورتها ولا علمائها أي صلة تذكر.
وحتى أكون صريحا فإن الحملة الأمنية في أغلب البلدان العربية ضد الشيعة في تلك الفترة لم تستهدف ضرب علاقة الشيعة مع إيران فقط، بل كانت تستهدف المختلفين عقديا لأنهم برزوا ككيان مطالبي يتحدث عن حقوقه بصوت أعلى من السابق، وفي نظر العديد من الحكومات أن هذه الجرأة ما كانت لتبرز لولا شعور الشيعة بأن وراءهم ظهرا يحميهم، وهذا الشعور بحد ذاته كان يستحق التأديب والملاحقة. رغم أن المطلبية الشيعية في العديد من الدول سبقت قيام الجمهورية الإيرانية بسنوات طويلة، ولم تكن ثمة علاقة في الغالب بين المطالب الشيعية المعلنة وإيران، وإن كانت إرهاصات الثورة شجعت بعض هذه التيارات على التحدث بصوت أعلى مستفيدين من وضعهم كمواطنين لهم الحق في الجهر بآرائهم مثل أندادهم في الساحة المشتركة.
وخلال كل تلك التعبيرات لم يوفر المواطنون الشيعة جهدا لإثبات ولائهم التام لأوطانهم، وأن الأرض التي يقطنونها تمثل معنى ساميا لا يقبل المساومة، وفي البحرين والسعودية والكويت تجلت وطنية الشيعة بأقصى مداها عندما تعرضت دولهم إلى مخاطر تهدد وجودها فانتقلت الأجندة الشيعية من أولوية المعارضة الوطنية إلى أولية الدفاع عن حياض الوطن. ففي الكويت أجل رموز الشيعة ـ كسائر الوطنيين ـ خلافاتهم الداخلية مع السلطة واصطفوا كجسد واحد ضد العدو الغادر، وفي المملكة السعودية أعلنت أكبر معارضة شيعية في الخليج إيقاف نشاطاتها في الخارج ودخلت في مفاوضات ايجابية مع النظام، فيما تزاحم البحارنة للتطوع وحمل السلاح دفاعا عن بلدهم المهدد.
وفي تلك المرحلة وقبلها لم تنطلق المعارضة الشيعية للحكومات من مذهبيتها الضيقة، وإنما من كونها حركات وطنية شرعية لها مطالب وحقوق لا تختلف عن سائر الفئات الوطنية الأخرى. إن معارضة بعض الأطراف الشيعية للأنظمة أو نقدها لا يعني أنها تنتصر لأجندة خارجية أو مذهبية، ولا يجوز اعتبار محاربة الفساد داخل الدولة تعبيرا عن ضعف الولاء وتذبذب الشعور الوطني، بل على العكس من ذلك إذ إن الإهمال والتقصير والسماح بالفساد بالتغلغل في أجهزة الدولة هو علامة انعدام الحس الوطني، وما يقوم به الشيعة أو غيرهم من نقد ومطالبة وتصحيح إنما هو ممارسة وطنية صرفة تُحمد لهم ولا تضر ولاءهم.
لا أنفي أن هناك بعض المتشددين الشيعة، كما لا أنفي أن ثمة ممارسات لا يليق بالشيعة ولا غيرهم القيام بها في أوطانهم، لكن من المعيب أن نتمسك بأخطاء الآحاد لنعممها على المجموع، ولنأخذ البريء بجريرة المسيء، وأحسب أن التشكيك المستمر في ولاء الشيعة لأوطانهم إساءة لا تغتفر، ومن المعيب في ذات الوقت استنكار حق الشيعة أو بعضهم في الاحتفاء بعلمائهم أو التلاقي معهم في إطار ديني أو ثقافي عام، فالوطنية لا تعني قطع التواصل الديني والثقافي، في عالم أصبح التواصل وتجاوز الحدود فعلاً حضارياً راقياً، وهذا التلاقي هو طبيعي ومقبول ولا يختلف كثيرا عن تلاقي السلف مع علمائهم خارج حدود الوطن أو عن تعبيرات الفرح التي يطلقها الإخوان المسلمون بانتصارات تحققها حماس في فلسطين، أو حتى التواصل والتنسيق الليبرالي الذي تجاوز التنسيق مع العربي إلى التنسيق مع الأجنبي، إذ ان كل ذلك مقبول إن تم في إطار ثقافي وفكري وبعيدا عن الأجندات السياسية للدول والحركات الخارجية.
أقول لا يختلف لأن الشيعة في المنطقة لم يثبت أنهم نفذوا أجندة إيرانية ضد المصالح الوطنية، وميل بعض الأطراف لرفع علم إيران أو راية حزب الله في مسيرة سلمية لم تخرج عن إطار الانسياق والفوران المذهبي الذي يمكن أن يُنتقد لكن لا يمكن أن يؤخذ كممسك للتشكيك في ولائهم الوطني، دون أن نغفل أن هاتين الجهتين تعتبران في نظر الكثيرين حتى من غير الشيعة جبهتي المقاومة الأخيرة ضد الاستفزاز الصهيوني في المنطقة، إن شاء البعض أن يقول عكس ذلك فهذا شأنه ولكن هكذا ينظر الشارع العربي والإسلامي لهاتين الجهتين تحديدا، إنهما بقية الكرامة التي تتحرك في عالمنا المتخاذل، ولا أعتقد أنه من الملائم معاقبة الناس على قناعاتهم.
إن اخطر ما في التشكيك المستمر في الولاء أنه يولد ثقافة احتقار الطرف الآخر والعمل على إقصائه من الساحة الوطنية، إن تجريد الآخر من وطنيته وتجريده في مرحلة لاحقة من إيمانه، إنما هي تمهيدات لتبرير ممارسة العنف ضد هذا اللاوطني واللااسلامي. ما يحدث الآن هو استغلال الإثارة المذهبية لتهميش بعض الأطراف المختلفة من الساحات الوطنية وإقصائهم بعيدا، لكن هذا الفعل من شأنه أن يعزز الانقسامات المضرة في البلد، كما من شأنه أن يدمر المنجز الوطني بالكامل، فأول مبادئ الوطنية هو حق كل مواطن في اعتناق ما يعتقده، وثانيها كفالة الدولة لحقوق المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، وثالثها أن الوطن هو حاضن لجميع أبنائه، والتشكيك في الولاء ينزع كل تلك الحقوق ويزعزع المعنى الوطني.
قبل ثلاث سنوات سأل العم الفاضل عيسى ماجد الشاهين باستغراب عن السر وراء غياب الصراع بين الليبراليين الشيعة والشيعة المتدينين كما هو الحال في الحلقة السنية؟ وقد أجبته حينها أن ذلك يعود لسبب أساسي أن الشيعي ليبرالي أو إسلامي يلتقيان عند نقطة مشتركة وهو شعورهما برغبة الآخرين لاستهدافهم لمجرد كونهم شيعة، حتى الليبرالي الذي تخلى عن ثوبه المذهبي بالكامل، لا يزال يُستهدف لأن أصله وأهله شيعة.
وأتذكر الآن في أحد المؤتمرات الفكرية عندما هاجم أحد المتشددين شخصية ليبرالية معروفة واتهمه في أفكاره لأنه شيعي ليبرالي، وقال ليپحينها هذا الأستاذ بهمس ضاحك: سامحه الله ذكرني بأني شيعي.
لقد آن الأوان للتخلي عن التعامل مع الشيعة باعتبارهم عبئا على النظام السياسي والاجتماعي القائم، أو اعتبارهم رهائن إذا تحسنت العلاقة مع إيران أفرجنا عنهم وإذا توترت العلاقة معها ضيقنا عليهم. الشيعة مثل السنة مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، فهل آن الأوان أن نتذكر أننا مواطنون في بلد يتسع للجميع؟ أو كما يقول المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين أنه كيان نهائي لجميع بنيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #