الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة المأزوم في ما ليس له لزوم

ياسر المندلاوي

2007 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


هي الأزمة إذن، شاملة وعميقة، تديمها من جهة أولى، خيبات المشاريع المأزومة لساسة عراقيين مأزومين، لا لزوم لها ولهم إلا بمقدار توافق إرادة هؤلاء الساسة مع هوى الإحتلال في جعل العراق حصة أمريكا (المأزومة هي الأخرى) في غنائم ما بعد الحرب الباردة. وتديمها من جهة ثانية، سياسات خائبة لإحتلال أرعن، لا لزوم لها وله إلا بمقدار توافق إرادة الإحتلال مع إرادة الساسة المحليين في إشاعة الطوائفية السياسية والجهوية في عراق ممانع. والمفارقة إن توافق الإرادات بين هؤلاء وأولئك لم يسعف أحدا منهم في بلوغ أهدافه، لا الإحتلال مكن المتحالفين معه من بلوغ هدفهم في جعل العراق دولة طوائفية تتقاسمها المؤسسات الطائفية في أمن وسلام، ولا المتحالفين مع الإحتلال مكنوا أمريكا من قطف ثمار غزوها للعراق في هيئة إحتلال هادىء ومريح. نحن إزاء عجز متبادل في صورة أزمة مستفحلة، تحاول الأطراف المتشاركة في صنعها وإدامتها تمويه أسبابها الحقيقية إما بردها إلى عوامل تكتيكية وميدانية أو إلى خبث المناوئين المتربصين بالتجربة العراقية لحجب نورها(أو ظلامها) عن أهل الدار ودول الجوار. فأمريكا من جانبها تحمل الأطراف العراقية الموالية وتلك المناوئة لها مسؤولية الأزمة. الموالون: لبطء حركتهم ونكوصهم عن التعهدات التي إلتزموا بها. والمناوئون: لسعيهم إلى إلحاق الهزيمة بالإحتلال وتاليا وأد العملية السياسية. والحكومة العراقية من جانبها تحمل الإدارة الأمريكية والقوى المحلية المعارضة مسؤولية تدهور الأوضاع. الإدراة الأمريكية: لإرتكابها أخطاء تكتيكية وميدانية قاتلة. والقوى المعارضة: لدأبها المتواصل لإفشال التجربة (الديمقراطية).
هذا العتب المتبادل الذي يصل أحيانا إلى نفاذ صبر كل طرف من حماقات الطرف الآخر يعكس وبوضوح تام حالة التخبط وفقدان الرؤية الواضحة لمجريات الأحداث في العراق، مثلما يؤشر وبوضوح أيضا الإفتقار إلى فضيلة الإعتراف بالفشل ليس في توجيه الأوضاع في مسارات صحيحة وحسب، وإنما في صناعة الإحتلال العسكري المباشر الذي ولى زمانه وبرح مكانه. فالأزمة تكمن أولا وإبتداء في ماهية الإحتلال، بمعنى إن الإحتلال مشروع مأزوم وليس له أن يثمر رطبا، وتكمن ثانيا ولاحقا في المشروع الطوائفي الجهوي الذي إستتبع مشروع الإحتلال. وعليه فإن العجز المتبادل عن بلوغ الأهداف رغم توافق الإرادات إنما في حقيقته عجز بنيوي يشمل كامل المشروع الإحتلالي الطوائفي الجهوي، وأية محاولة مهما كان مبلغ كمالها وجدتها لمعالجة النتائج المأزومة لمشروع الإحتلال ستصطدم لا محالة بمأزومية المشروع الإحتلالي، وستفضي حتما إلى أزمات مضاعفة. إن المشكلة تكمن في عدم قدرة مشروع مأزوم كمشروع الإحتلال على إستحضار نتائج غير مأزومة. إن الطائفية السياسية والجهوية تلازم المشروع الإحتلالي بالضرورة، ولا فكاك منها إلا بنفي هذا المشروع. وفي تعبير آخر ، إن العملية السياسية في أزمة بعلة المحاصصة السياسية (الطائفية والجهوية) فقط لأنها أبصرت النور نتيجة مخاضات الإحتلال ولا يجوز لها ولا يمكنها أن تقوم على أسس مغايرة ونافية لمشروع الإحتلال المأزوم، الذي ليس له أن يستحضر ما هو مناف لوجوده ولاحقا لإهدافه في العراق. وعليه فإن سعي الإحتلال لمعالجة الأزمة التي تعصف بالعملية السياسية، وأيضا سعي الأطراف العراقية المشاركة في العملية السياسية لمعالجة أزمة الإحتلال، إنما هو سعي لتجديد عناصر الأزمة وإن هدف إلى معالجتها، وهكذا نكون أمام مفارقة عراقية- أمريكية من طراز خاص: تجديد الأزمة وتعميقها بوسائل تهدف إلى معالجتها. ولعل أبرز مثال على هذه المفارقة، إصرار الإدارة الأمريكية على إنجاز المساومات السياسية بين المتحاصصين العراقيين (المتحالفين مع الإحتلال والمناوئين له سواء بسواء) بإعتبارها واحدة من اهم عناوين المصالحة الوطنية، والعقلاء يدركون بأن المصالحة الوطنية أكثر عمقا وشمولا من المساومات السياسية، فهي وببساطة تقوم على المساومات الإجتماعية أو ما يعرف بالعقد الإجتماعي الذي يجد تعبيره السياسي في نظم ومؤسسات وفعاليات وطنية تخص المجتمع، وتعبر عن وحدة النسيج الإجتماعي وتحرص على تقويته. بينما المساومات السياسية بين قوى وتيارات تدعي التمثيل الطائفي والجهوي، وتحرص على تحقيق مكاسب فئوية بإسم الطائفة أو الجهة أو المكون، لايمكنها أن تتحقق دون الإستناد على الشرخ الإجتماعي بين طوائف ومكونات المجتمع ومن ثم إدامة وتعميق بل وهدم النسيج الإجتماعي لتبرير دوام المساومات السياسية وفق قواعد تحاصصية، الأمر الذي يعني في الواقع العملي دفع المجتمع العراقي دفعا نحو هاوية الإحتراب الأهلي، أي الأزمة القصوى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث وسط الضباب.. إليكم ما نعرفه حتى الآن عن تحطم مروح


.. استنفار في إيران بحثا عن رئيسي.. حياة الرئيس ووزير الخارجية




.. جهود أميركية لاتمام تطبيع السعودية وإسرائيل في إطار اتفاق اس


.. التلفزيون الإيراني: سقوط طائرة الرئيس الإيراني ناجم عن سوء ا




.. الباحث في مركز الإمارات للسياسات محمد زغول: إيران تواجه أزمة