الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مواسم الحزن
عبدالقادر حميدة
2007 / 7 / 22الادب والفن
لوحات مرفوعة إلى الراحل الكبير القاص و الصديق أحمد بن الصغير
لحظات لا غير
قبل أن يأتيني الخبر المشؤوم ، كنت قد ألقيت نظرة على صندوقي البريدي ، فوجدته مزهوا حد الشبع برواية " لحظات لا غير " للشاعرة و الروائية المغربية فاتحة مرشيد ، لم أتساءل لماذا اليوم بالذات وصلتني الرواية ، و قد ظلت مدة شهور لا تريد أن تجيء ، و ما هي إلا " لحظات لا غير " حتى رن هاتفي .. ليصدمني صوت ذكوري حاد و جارح بأنه ( لا بقاء إلا لله ) و بأنك قد غادرت إلى رجعة ، و سافرت للمرة الأخيرة .. حينها .. تركت الصندوق و روايته .. و هرعت لا أدري إلى أين ؟ .. تقاذفتني الأرصفة .. و الوجوه .. و غزاني الشحوب و اعترتني رعشة .. و غبت .. و لست أدري ماذا جرى بعدها لمدة عشر دقائق .. أو تزيد قليلا .. حسب روايات شهود فيما بعد ..و لما أفقت و أنا متكئ على كتف ذكورية .. سألتهم عنك .. فلم يجيبوا .. فعلمت أن الرواية اختارت هذا اليوم عن عمد .. يوم الأحد .. فاصل .. حاد .. مؤلم .. جارح .. برزخ .. و يبدوا أن ما قبله لم يكن سوى " لحظات لا غير " ..
عن الراحلين :
العام الذي أمسكت فيه عن الكتابة عن الراحلين عمدا .. و بدأت أكتب رواية أذكر فيها ذلك .. هو السنة التي أرغمتني فيها الكاتبة سهيلة بورزق على الكتابة عنهم من خلال رسالة رائعة وجهتها من هنا ( الدنيا ) و هناك ( أمريكا ) .. إلى مالك حداد إلى حيث هو الآن .. فكتبت عن حالتي تلك ( حجارة على الجسر ) .. و ظننت أنني شفيت بعدها .. و أنني لن أعاود الكتابة عنهم .. لكنك ترغمني أنت مرة أخرى .. ليس بكتابة مختلفة تستثيرني .. و لا بترغيب في الكتابة عن هذا أو ذاك .. و لا بحكاية حكيتها .. و لا بقصة كتبتها .. و لا بمكالمة .. و لا بأمر حتى .. بل برحيلك ..
الرحيل .. هو الطريقة الوحيدة التي لم أتوقعها .. و لم أعهدها منك .. فماذا سأفعل ..
فجاءة
فجأة و دون سابق إنذار أو رنة هاتف ، غادرت .. و تركتني بلا كلمة وداع ، فقط ابتسامة ما زلت أذكرها .. يوم تصافحنا بود كأنه وداع .. و كانت ضحكتك يومها صافية لم أر مثلها من قبل .. تصافحنا بود قبل ستة أيام عن رحيلك .. هل كنت تريد أن تحدثني طويلا .. و تروي لي تفاصيل سفرك إلى غرب البلاد .. بالتأكيد كان في جعبتك الكثير .. كما عهدتك .. تروي .. و تعيد .. و تتوقف .. و تتأمل .. و تبتسم و أنت تنفث دخان سيجارة صرت احسدها الآن لأنها حاورتك طويلا .. لأنها حظيت ببوحك الحقيقي الذي لم يحظ به أحد سواها .. أما أنا و حين صدمتني الفاجعة .. قرأت أبيات الشعر الملحون التي رثا بها أخو جدي الحاج بلقاسم صديقه الشيخ المختار :
ما ودعتو ما لقاني و اتكلم ** و الدنيا و أحوالها تقدى زهدات
هلت عليه اتراب في الجثة نردم ** بعد العز تهون عني هذي الذات
يا ما حوسنا في مهاميد و مقسم ** يا ما عدينا ليالي و انهارات
وحيدة
لم أكن أنوي أن أخط هذه الكلمات .. لأن حرقة فقدك و ألم فراقك .. جعلتني أكره الكتابة .. الكتابة التي عرفتها معك .. كنا صغارا نحلم بالقصة الخالدة .. و ظللنا نهرع .. حتى تعب القلب ركضا .. و ما تعب الأفق .. مقت الكتابة اليوم .. لأنها تعريني أمام حزني، فأغدو كطفل فقد أمه في فلاة فهو يصرخ و لا يدري ما يفعل .. هكذا أنا اليوم .. رغم أن هاجسا ما يفتأ يحرضني على بث حزني .. لأتطهر من تقصيري معك .. تقصير صار يلازمني مع الأصدقاء الطيبين .. استغفار بديل هي الكتابة الآن .. أعرف أنك لن تقرأ لي مجددا .. و لكنك ستحسني .. ستتلمس ضياء الحروف .. فتدرك أنني أرتكب و أرتبك .. أنني أبكي كمدا .. أنني فتى تائه اليوم .. لا مرفأ فأرسو عليه .. و لا خل فأشكو له بثي .. و هل صدر كصدرك في اتساعه .. و هل حلم كحلمك .. و هل صبر كصبرك .. و هل حنو كحنوك .. و هل قلب كقلبك .. و هل روح كروحك .. و هل جمال كجمالك ..
و لكن هل أشفى من حزني .. و آلامي .. و ذاكرتي ..إذا أنا كتبت ؟ اسألوا الخنساء أو أحلام مستغانمي ..
و ها أنا أراك خلفت القصيدة التي أهديتها لك ( وحيدة ) ..
من كل قصائدي أهديتك قصيدة وحيدة .. بعنوان وحيدة .. هل تذكرها يا أحمد :
حري بنا ..
أن نجيء امتدادا لغيم مضى أو سيمضي ..
و هوميروس قائم على رأسنا ..
يملي علينا ملاحمه ..
و حين نقرفص لدى موقد في الشتاء ..
يسائله غيمنا ..
لماذا حملنا الرذاذ من المدن الشمالية
لنسكبه على رملنا ..
و الصحاري تناشدنا ..
بلا موعد .. سوف نمضي إذن ..
يا وحيدة ..
قد نلتقي ..
لكنه الغيم يحكمنا و الرذاذ ..
أراك تبتسم الآن كما عهدتك .. و تعيد القراءة بصوتك كما تعودت .. بهدوء و حزن .. كأنك تتشرب كلماتها حرفا .. حرفا .. و تستنشقها لتشم رذاذ المدن الشمالية ..
قهوة الريف :
في تلك الأمسية .. منذ ثلاث سنين .. أتذكر تلك الأمسية .. أجل .. يوم أخبرتك عن رغبتي في إجراء حوار معك .. حوار مميز .. أخذنا كأسي شاي من مقهى " راحة البال " .. امتطينا سيارتك .. و سرنا على مهل خارج المدينة .. من الجهة الغربية .. حدثتك عن أحلامك القديمة .. و عن ضرورة أن تكتب من جديد .. و كنت تعرف أني أمهر شخص يمكنه أن يستفز روحك الإبداعية .. قلت لي أن حديثك يثير كوامني .. و دون دراية منك رحت تبوح .. ورحت أسجل .. واجهتك بجميع قصصك الموجودة في مجموعتك " أجراس المكان " .. قرعت الأجراس .. و استثرت فيك سحر الأمكنة .. فرحت تفضي و تفضي .. إلى أن جن الليل .. و عدنا القهقري إلى المدينة .. و أنا أقرأ عليك بصوت تحبه ما كتبت .. فقلت لي منتشيا .. رافعا رأسك كأنك جمال عبدالناصر يلقي بأمره للمشير عامر عبدالحكيم .. سيكون عنوان الحوار كالتالي .. اكتب .. فكتبت : لم يعد هناك متسع لقهوة الريف .. حينها أجفلت أنا .. و أحسست أن عبارات التابين ما ترافقك في كل حكاياك .. و خاصة في قصتك " نهاية رجل شجاع " ..
لكنني بعد رحيلك .. أدركت أنه كان حوارا وحيدا .. و علمت أنك كتبت قصة أخيرة بعنوان " اذكريني " .. كانت تأبينا حقيقيا .. فعلتها مثلما فعلها بورخيس من قبلك .. حينما كتب نعيه ..
و الآن يا صديقي ..
ستذكرك الحواري كلها .. و خاصة حي البرج الذي فيه كتبت أول قصصك ..
ستذكرك المساءات كلها ..
ستذكرك المرافئ .. و الموانئ .. و المطارات ..
ستذكرك المسارح .. و القصص المحكية همسا و جهرا ..
و ستذكرك القصائد ..
و ستذكرك أيضا قهوة الريف .. الممزوجة بعطر الشيح و دفء الأم ..
و سيذكرك الخبز الناضج وقت الضحى ..
بل ستذكرك المدائن كلها .. يا أحمد ..
دعاء
يارب كن له ..
يا رب كن لأبيه و أمه و إخوته و جميع أهله ..
يارب كن لنا ..
اللهم ألهمنا الصبر و السلوان ..
عبدالقادر حميدة
الجلفة في / جويلية 2007
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. في ذكرى وفاته.. أعمال لا تُنسى للفنان القدير صلاح قابيل
.. فنان بولندي يحتج مكبلا ومعصوب العينين أمام السفارة الإسرائيل
.. وزير الثقافة: لهذا السبب.. السنة دي تحديدًا في معرض الكتاب ا
.. انتظروا الفيلم الوثائقي -مأساة أيزيدية- - الخميس 11 مساءً عل
.. الفنانات الرائدات