الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تفضل واشنطن الاقتصاد الموجه

إكرام يوسف

2007 / 7 / 23
الادارة و الاقتصاد


خطوة أمريكية جديرة بالتأمل

بعد المعارضة القوية التي أبداها الكونجرس الأمريكي العام الماضي لمنح شركة موانئ دبي العالمية إدارة ست موانئ أمريكية كبيرة ضمن صفقة شرائها شركة إدارة حاويات بريطانية. مما اضطر شركة موانئ دبي إلى التخلي عن حقها في إدارة هذه الموانئ وباعتها إلى شركة أمريكية. يعود الكونجرس ليتبنى الأسبوع الماضي قانونا يشدد، بدواع أمنية، رقابة الحكومة وأجهزة الاستخبارات على حيازة مستثمرين أجانب لمؤسسات أمريكية. فبعد إقرار مجلس الشيوخ، تبنى مجلس النواب بأغلبية 370 صوتا مقابل 45 "قانون الاستثمار الأجنبي والأمن القومي" بعد نقاش صاخب حول التوازن الأفضل بين أمن المصالح الأمريكية وفتح الأسواق أمام الاستثمارات الأجنبية. وكان رفض صفقة موانئ دبي قد استند أيضا إلى اعتبارات تتعلق بالأمن القومي للولايات المتحدة. ويعيد القانون تشكيل " لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة" التي تشرف على شراء المستثمرين الأجانب للشركات الأمريكية.


لجنة لا يعرفها الكثيرون
وربما يكون من المفيد أن نوضح ماهية "لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة" حتى نساهم ـ ولو بقدر ـ في إزالة الغشاوة عن أعين بعض الذين مازالوا يصدقون وهم حرية السوق التي يتخلى عنها ـ فعليا ـ من يطبلون ويزمرون لها عندما يكون المقصود منها نهب موارد البلدان النامية. فهذه اللجنة ليست حديثة العهد، كما قد يتوقع الكثيرون، وإنما أنشئت عام 1975. أي أن عمرها تقريبا من عمر انتشار الدعوة لتحرير السوق في بلادنا بما يسمح باستباحة بيع أصول اقتصادنا بحجة تشجيع الاستثمار الأجنبي دون ضابط أو رابط بحجة أن رأس المال جبان، وأن وضع أي قواعد تنظيمية لحركة السوق والاقتصاد ربما تدفع المستثمرين للهرب من بلادنا إلى بلدان أكثر تساهلا ـ كما لو كان هناك من هو أكثر تساهلا ـ وتم تشكيل هذه اللجنة من عدة وكالات حكومية هي وزارات المالية (التي تشغل €منصب الرئيس) والخارجية ، لتقييم تأثير الاستثمار الأجنبي في خضم الهواجس المتعلقة بإعادة استثمار الدولارات من عائدات النفط في الولايات المتحدة. وفي عام 1988، ومع تعاظم القلق بشأن القوة الاقتصادية اليابانية، أصدر الكونجرس تعديل إكسون- فلوريو الذي منح الرئيس سلطة تعليق أو منع أي تملك أجنبي لشركة أمريكية يعتبر تملكها تهديداً لأمن الولايات المتحدة القومي. هل يمكن ـ مع وضوح الدور التوجيهي للدولة في الولايات المتحدة ـ أن نرى بعض حمرة الخجل تلون وجنات بعض مجاذيب سيدنا "تحرير السوق" الذين يطلقون البخور حتى الآن لمفاهيم صبغوا عليها قداسة رغم أن التجارب الواقعية أثبتت كيف أخنى عليها الدهر؛ من قبيل "الدولة الحارسة" و"دعه يعمل دعه يمر"؟.
وكانت وسائل الإعلام العالمية رددت على نحو مكثف، اسم "لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة" قبل عام، وسط الجدل الذي دار بشأن إقدام ثالث أكبر بترول حكومية في الصين وهي شركة الصين الوطنية للنفط البحري "سنووك" على تقديم عرض قيمته 18.5 مليار دولار لشراء شركة "يونوكال" الأمريكية للنفط والغاز. وبمجرد الإعلان ع هذا العرض سارع أكثر من 40 من نواب الكونجرس بتوقيع بيان يحذر من هذا الاتفاق الذي اعتبروه مهددا لأمن الطاقة الأمريكي. واعتبره البعض أيضا مهددا للأمن القومي الأمريكي. ودعا النواب الرئيس الأمريكي بوش لإحباط العرض الذي يتعارض ـ في اعتقادهم ـ مع "المصالح الاستراتيجية الأمريكية". وثارت هذه الاعتراضات رغم ان انتاج مجموعة يونوكال لا يكاد يصل إلى 1% من إنتاج النفط الدولي وفي هذه الحالة فإنه لا يمكن التذرع بأن الصين تسعى للهيمنة على أسواق النفط العالمية فالأمر لايتعدى سعي بكين لتأمين إمداداتها النفطية لحاجة اقتصادها لهذه الإمدادات.

وجاء عرض "سنووك" عقب ثلاثة أيام من عرض تقدمت به أولى شركات الأدوات المنزلية الكهربائية الصينية "هاير" لشراء شركة "مايتاج" الأمريكية. وفي نهاية العام الماضي، فوجئ المراقبون بصفقة قيمتها 1.25 مليار دولار، اشترت بموجبها مجموعة "لينوفو" الصينية قسم الكومبيوتر الشخصي من شركة "آي بي إم" . وأرجع المحللون المفاجأة إلى أن الشركة الصينية لم تكن تتمتع في ذلك الوقت بشهرة عالمية. وتخوف خبراء أمريكيون من أن يؤدي إعادة تقييم سعر صرف العملة الصينية "اليوان" إلى تسريع الظاهرة والتسبب بطفرة جنونية في حركة شراء الشركات الأمريكية شبيهة بتلك التي قامت بها الشركات اليابانية في نهاية الثمانينيات. والمعروف أنه في نهاية الثمانينيات لجأ اليابانيون إلى شراء أصول كبيرة في الولايات المتحدة وهو ما أدى إلى بروز توترات في العلاقات الاقتصادية بين البلدين. لكن الشركات الصينية تعي نقاط ضعفها مقارنة باليابانيين، بالتالي فإنها لجأت إلى شركات التمويل الأمريكية الخاصة من أجل مساعدتها في اختراق السوق الأمريكية. ، خاصة وأن الصينيين يفضلون شراء شركات تتمتع بشهرة قوية بدلا من اللجوء لسياسات تحتاج للكثير من الجهد والوقت تمكنهم في نهاية الأمر من إنشاء علامات تجارية صينية خالصة.




الاقتصاد ركيزة الأمن القومي

ورغم أن الإحصاءات والتقارير الرسمية توضح أن الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة ـ الذي بلغ معدله في الربع الأول من العام الماضي وحده 118 مليار دور ـ يزيد من فرص العمل ويعزز التنافس ويؤمن مصادر رؤوس أموال جديدة: حيث وظفت الشركات الأجنبية العاملة في الولايات المتحدة أكثر من 5.2مليون أمريكي (4.9 بالمائة من مجمل جدول الرواتب في القطاع الخاص)، في وظائف تدر دخلاً أعلى من معدل الدخل الأمريكي. وعلاوة على ذلك، أنفقت الشركات الأجنبية 30 ألف مليون دولار على عمليات الأبحاث والتطوير والإنتاج وساهمت في تحقيق زيادة ملفتة للنظر في الإنتاجية الأمريكية. ورغم هذه الحقائق، لم يستخدمها حملة المباخر في معبد الاقتصاد الحر، مبررا للتغاضي عن اعتبارات الأمن القومي، وما يستتبعه من وضع القيود الدقيقة لضمان عدم تشجيع الاستثمارات الأجنبية على حساب المصالح الاستراتيجية للدولة الأمريكية. ولم يحذر أحد من أن هذه الضوابط قد تثقل كاهل المستثمرين وتدفعهم للهرب . فقد أصبح مفهوم الأمن القومي يتضمن الآن اعتبارات اقتصادية إلى جانب معايير السياسة الخارجية والدفاع التقليدية. وبدأ خبراء الاقتصاد الأمريكيين يؤدون على وجود صلة راسخة بين "مصالحنا الأمنية القومية من جهة واقتصاد أمريكي متين من الجهة الأخرى، كما أن اقتصاداً أمريكياً فعالاً ومنتجاً ومتنامياً يمنح واضعي السياسات الموارد اللازمة لتحقيق المصالح القومية الأم".

وتتزايد تحذيرات خبراء الاقتصاد الأمريكيين ودعوتهم للحكومة إلى القيام بدور فعال لتنظيم الاستثمارات الأجنبية، خاصة الصينية، رغم أن هناك حبلا سريا يربط الاقتصاد الأمريكي بالصين وفق ما ذكر كلايد بريستوفيتز رئيس معهد الاستراتيجيات الاقتصادية في واشنطن ضمن تقرير نشرته مجلة كريستيان ساينس مونيتور قبل أكثر من عام "نحن نعيش الآن اعتمادا على الحبل السري الذي يربط أمريكا بالبنك المركزي الصيني" الذي يضخ يوميا في الاقتصاد الأمريكي أكثر من مليار دولار". في إشارة إلى أن البنك المركزي الصيني أصبح الممول الأول لعجز الموازنة الأمريكية من خلال إقراض أمريكا أكثر من مليار دولار يوميا في صورة مشترياته من أذون الخزانة الأمريكية التي تصدرها حكومة واشنطن لتمويل العجز المتزايد في الموازنة. ويشير الخبراء إلى أن هذه القروض اليومية من الصين للخزانة الأمريكية تحول دون ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية إلى مستويات عالية تهدد بزيادة الفائدة على الائتمان العقاري الأمر الذي قد ينذر بتضاؤل فرص السكن أمام الأمريكيين، ما يزيد من صعوبة تمويل الاستثمارات أمام الشركات الأمريكية.

ورغم هذه المنفعة الاقتصادية التي تحققها الولايات المتحدة من علاقاتها بالصين، إلا أن الخبراء يتخوفون من جعل جزء كبير من الاقتصاد الأمريكي معتمدا كليا على العلاقات السياسية بين الدولتين. ورغم أن إجمالي الوارادات من الصين لا يعادل إلا 20% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي ، إلا أن الخبراء يحذرون من اعتماد واشنطن على بكين لتمويل عجزها التجاري الضخم الذي لا يتوقع أن يتغير كثيرا حتى مع التقويم الأخير لليوان الصيني. وربما تثير هذه المخاوف بعض الاستغراب إذا وضعنا في الاعتبار أن الاستثمارات الصينية المباشرة في أمريكا أقل من مليار دولار مقارنة بالاستثمارات الأميركية في الصين التي تفوق 15 مليار دولار. بينما يراهن بعض الخبراء المتفائلين على فكرة "الخطر المزدوج" وبموجيها يرون أن الصين ستضطر للاحتفاظ بأرصدتها الدولارية الضخمة لأن أي خطوة متهورة لاستبداله بعملة أخرى قد تسقط قيمة الدولار وبالتالي ستخسر الصين جزءا كبيرا من أرصدتها.
ومع ذلك، يحذر الخبراء الأمريكيون بوجه خاص من توجه الصين لاحتلال مركز الدولة الرائدة في المجالات الحساسة مثل: أشعة الليزر عالية الطاقة، البصريات المتقدمة، معدات خفض أصوات الغواصات‚ تقنيات التسلل وأجهزة الكمبيوتر عالية الأداء بصفة خاصة. ويعارض الخبراء ما يسمونه " انتقال ملكية التقنيات الغربية الاستراتيجية المتطورة إلى الصين. بل أن بعضهم يرى أنه "حتى إذا لم تصبح الصين دولة رائدة في مجال تطوير أجهزة الكمبيوتر المتفوقة في وقت قريب فإنه بإمكانها وبكل سهولة أن تصبح الدولة المهيمنة عالميا على إنتاج رقائق الكمبيوتر وبرمجياتها". خاصة وأن الصين حاليا من الدول الرائدة في مجال تصدير أجهزة الكمبيوتر. وهكذا، يطالب خبراء الاقتصاد بدور فعال للدولة يضمن المحافظة على التفوق الأمريكي في مجالات التقنيات الخطيرة عبر "خطط وسياسات داخلية لتشجيع أعمال البحوث والتطوير، والعلوم والهندسة وتدريب القوة العاملة".
لا شك أنه حان الوقت ليعيد بعض حسني النية ـ أصحاب الغرض يمتنعون بالطبع! ـ النظر في ترديدهم لشعارات الحرية المطلقة للسوق، وإلغاء دور الدولة في توجيه وضبط الاقتصاد، خاصة وأن التجربة والواقع أثبتت أن هذه الأفكار لا تتمسك بها أقوى دولة في العالم وصاحبة أكبر الاقتصادات قاطبة، ورائدة الدعوة إلى تحرير الاقتصاد وفتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية على علاتها. كما أنه من الضروري البحث عن وسائل لتقييد وتنظيم حمى بيع أصولنا ـ أو ما تبقى منها ـ لآخرين لا تعلمونهم الله يعلمهم، بدعوى تشجيع الاستثمار الأجنبي.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى الجزائر إلى منافسة المغرب في تصدير الطماطم إلى أوروب


.. ملف الاقتصاد في المناظرة الرئاسية الأميركية.. ترامب الأقوى




.. التحدي الاقتصادي يتصدر أولويات الرئيس الإيراني الجديد وسط تض


.. عمرك شوفت زراعة السمسم.. زراعة 15 ألف فدان بمحصول المنتج الذ




.. التصعيد بين إسرائيل وحزب الله: ما الأضرار الاقتصادية على لبن