الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا أمام الفكر السياسي العربي

محمد سيد رصاص

2007 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


أظهرت بداية الألفية الثالثة ، مع عودة الاحتلال عبر ( بغداد ) ، أن العرب لم يتجاوزوا مرحلة " التحرر الوطني " إلى مرحلة " التحرر الاجتماعي " ، بالترافق مع عدم إنجازهم ، أو بالأحرى فشلهم ، في إنجاز مهام " التنمية و التحديث " و " الاستقلال الاقتصادي " للدخول في نادي الأمم المتقدمة .
الآن مازالت مهام المرحلة البرجوازية مطروحة بقوة على جدول أعمال العرب ، لأن الليبراليين لم يستطيعوا إنجازها عبر برنامجهم الليبرالي ، و كذلك القوميين من خلال برنامجهم المطلي بشعارات اشتراكية ، حيث وصل العرب من خلال الأخيرين إلى شكل مشوه من العلاقات البرجوازية ، الممزوجة بكثير من العلاقات البطريركية القديمة و المفاهيم الريفية ، من دون أن يصلوا إلى الحداثة و التقدم العصري ، لا بمعنى الجانب القانوني - الحقوقي - الدستوري و لا بمعنى استيعاب التقنية و انتاجها و لا على صعيد الصناعة و لا على صعيد تجاوز العلاقات الماقبل رأسمالية في المجتمع ( عشائر - طوائف ) و لا بمعنى علاقات المرأة و الرجل و لا على صعيد بناء مواطنة تتحدد ، كمفهوم ، من خلال الوطن و ليس من خلال شيء آخر ( طائفة - دين - عشيرة - منطقة ) .
يكتسب البرنامج الديموقراطي ، الذي طفى إلى سطح الحياة السياسية العربية في العقدين الاخيرين من القرن العشرين ، قوته من فشل القوميين ، و قبلهم الليبراليين ، في تحقيق مهام المرحلة البرجوازية ، و هو برنامج ( سواءً وعى القائمون بالديمقراطية أم لا ) ليبرالي في الاقتصاد ( و لو مع إمكانية تحديد ، عبر استفتاء وطني ، حدود قطاع الدولة في الاقتصاد ) ، و برجوازي من حيث الحقوق الدستورية و السياسية .
تأتي إشكالية الحركة الديموقراطية العربية من عدم وعيها الكافي للترابط بين الجانبين السياسي و الاقتصادي في البرنامج الديموقراطي ، وذلك نابع بالأساس عن ميل الكثيرين منها إلى ربط هذا البرنامج بمكافحة الاستبداد السياسي فقط ، و ربما كان ذلك ناتجاً عن إتيانهم و مجيئهم إلى ( الديموقراطية ) على هذا الأساس قادمين من أيديولوجيات شمولية ، سواء كانت ذات طابع قومي عربي أو سوفيتي ستاليني ، مع احتفاظهم بالكثير من مفاهيمهم السابقة حول ( القطاع العام ) و ( التطور اللارأسمالي ) مع حذف " الدولة الشمولية " .
أضافت المرحلة الراهنة من عودة الاحتلال للمنطقة العربية ، عبر العراق ، إشكالية جديدة انضافت إلى إشكاليات الحركة الديموقراطية : أدى وجود ديكتاتور ، و نظامه في العراق ، هو في حالة مواجهة و مجابهة مع ( القطب الواحد ) المتدرع بالديمقراطية ، إلى إنشاء تناقض حصل بين ( الديموقراطية ) و ( الوطنية ) أثناء الأزمة العراقية و الحرب التي أعقبتها ، ولم يكن ذلك على الصعيد النظري فقط ، و إنما من خلال الاصطفافات العملية و الممارساتية للقوى السياسية العراقية ، و الشخصيات و الفعاليات الثقافية المعارضة لديكتاتور بغداد ، و كذلك من خلال مواقف الكثير من الساسةو المثقفين العرب الديمقراطيين الذين غلّبوا رحيل الديكتاتور على ما عداه .
لا يطرح ( القطب الواحد ) ، عبر مجيئه للهيمنة على المنطقة العربية ، موضوع ( الديموقراطية ) فقط ، وإنما أيضاً ( اقتصاد السوق ) و ( التحديث ) في التعليم و القضاء و المؤسسات : من المحتمل أن يؤدي هذا أيضاً ، كما حصل في موضوع ( الديمقراطية ) و ( الوطنية ) ، إلى اصطفافات ضدّية ، أو إلى عدم قدرة الحداثيين العرب على الجمع الناجح بين ( الحداثة ) و ( الليبرالية ) و ( الديموقراطية ) و بين مكافحة هيمنة ( القطب الواحد ) و سياساته ، فيما من الممكن كذلك ، في الجانب الآخر ، أن يؤدي ذلك بكل من هو ضد ( القطب الواحد ) ، من قوميين و إسلاميين و ماركسيين ، إلى الإنجرار إلى وضعية يصبح فيها ( التحديث ) و ( اقتصاد السوق ) عند الطرف المضاد ، أو إلى أن يربطوا القضيتين الأخيرتين بواشنطن.
كل هذه القضايا السابقة تقود إلى طرح إشكالية واحدة : هل تكون المقاومة للقطب الواحد على أساس برنامج وطني محض ، أو قومي محض ، أم أنه يجب أن تحتوي على قضايا ديموقراطية ، و اقتصادية ، و دستورية ، و تحديثية ، لتجاوز ما كان عليه الوضع عند ( إبراهيم هنانو ) و ( عمر المختار ) و ( جبهة التحرير الوطني الجزائرية)؟..... .
إذا تركنا القضية السابقة و التي هي محصلة تراكمية للقضايا المذكورة قبلها ، فإن فشل تحقيق ( الوحدة العربية ) بعد قرن كامل من بداية طرحها مع ( الشريف حسين ) في عام 1916 ، يثير قضايا عديدة ، لا يمكن حسمها إلا بعد نقاش واسع في الساحة العربية : هل فشل ( الوحدة العربية ) ناتج فقط عن القوى الدولية التي كانت ضد تحقيقها ( فرنسا - الاتحاد السوفيتي - الولايات المتحدة - بريطانيا ، ولو أن الأخيرة شجعت قيام الجامعـة العربيـة ثم حبذت مشروع الهلال الخصيب ) ؟ …
أم : أن الخلل كامن في العوامل المحلية ، أيضاً و أساساً ، مثل التناقض في المصالح ، بين الدول الغنية البترولية و القليلة السكان و بين الدول ذات الكثافة السكانية و الفقيرة اقتصادياً إلا أنها أرقى تعليمياً و تحديثياً ( بلاد الشام و مصر) ، أو لوجود حواجز جغرافية - ديمغرافية غريبة و معادية ، كما حصل بعد قيام إسرائيل بين الشام و مصر ؟ … ثمّ : هل طرح الوحدة العربية ، بمعنى الكيان السياسي الواحد الممتد من الخليج إلى المحيط و بغض النظر عن كون هذه الرقعة الجغرافية ذات وحدة ثقافية - شعورية مع لسان عربي ، هو قائم على حقيقة تاريخية متسقة و منسجمة مع مجرى التاريخ ، أم أن وحدة(أواتحادها) الأقاليم ( الهلال الخصيب - الجزيرة العربية - وادي النيل - المغرب العربي ) هي الواقعية أكثر ؟ … لنصل إلى قضية ثانية : ما هي علاقة ( العروبة ) و ( الإسلام ) ، وهل الأولى وعاء مادي أعطاه الثاني الهوية الثقافية الحضارية ، بعد أن جمع أكثرية العرب في كيان سياسي واحد عبر دين جديد,أم هناك بعد آخر ؟… وهنا : ألم يكن أحد إشكاليات الحركة القومية العربية ، و خاصة من خلال ظروف نشوئها ضد " مركز الخلافة الإسلامية " عند العثمانيين ، و عبر بعض حامليها ، نشوء تناقض داخلها بين ( العروبة ) و ( الإسلام ) ، ؟ … ثم : لماذا لم تستطع الحركة القومية العربية ، إذا تركنا فشلها في مواضيع ( الوحدة العربية ) و ( الغرب ) و ( إسرائيل ) ، إنشاء كيانات وطنية يتم فيها تغليب قيم ( الوطن ) و ( الأمة ) على ( الطائفة ) و ( الدين ) و ( العشيرة ) ؟ … لنصل أخيراً إلى موضوع الأقليات القومية في الوطن العربي : هل الحل في إعطائها ( حق تقرير المصير ) ، كما يلوح في جنوب السودان و العراق ؟ … أم : أنه يجب إيجاد أشكال غير الانفصال ؟ … ثم : هل إعطاء حقوق ثقافية ، كما جرى و يجري في الجزائر مع البربر أو في حال يمكن أن يحصل في بلدان عربية معينة مع الأكراد ( سوريا ، مثلاً ) ، يمكن أن يكون ذلك بدون مطالب موازية من الأكثرية العربية تطلب عدم اعتبار ذلك سلم تدريجي نحو مطالب أعلى ,أوتطلب الاعتراف من الأقلية القومية المعنية بالحدود القائمة ؟ …
يطرح الفشل العربي في موضوع ( فلسطين - إسرائيل ) قضايا مماثلة لموضوع ( الوحدة العربية ) : هل الطريق الذي اختطّ ، عربياً في المواجهة مع إسرائيل ، هو الصائب سياسياً و تاريخياً ، بخلاف طريق ( بورقيبه ) و ( السادات ) ؟.. ثم : هل يمكن للعرب أن يستمروا في المواجهة ، بظل الظروف الدولية الجديدة التي تريد ( التسوية ) ، وخاصة في مرحلة أصبح فيها التوتر الاقليمي متركزاً في شرق (الهلال الخصيب),وأصبح مركز الثقل الاقليمي في طهران المتواجهة مع واشنطن بعد اتفاق لم يعمر أكثر من سنتين بعد سقوط عاصمة الرشيد العباسي,مايدفع (القطب الواحد)إلى تبريد شرق المتوسط لمواجهة التوترات هناك ؟.. هنا : هل تعني ( التسوية ) نهاية الصراع ، أم أنها مدخل إلى شكل جديد له ؟… وصولاً إلى قضية : ألا تعني " تسوية " الصراع أوضاعاً أفضل على صعيد الحياة السياسية العربية على حساب الأنظمة التي تذرعت بفلسطين من أجل غاياتها المتعددة، أم أن " التسوية " ستؤدي إلى جعل مصير التسوية الموقَّعة مرتبطاً بمصائر الأنظمة الموقِّعة لها عند الولايات المتحدة و إسرائيل ؟..
حتى الآن ، و بعد قرن من بدء مشروع ( الوحدة العربية ) و ما رافقه من فشل ، و بعد نصف قرن من الفشل الكبير في موضوع ( فلسطين - إسرائيل ) ، لم يضع المفكرون و الساسة العرب أنفسهم وجهاً لوجه أمام الأسئلة التي ولّدها هذان الموضوعان ، إضافة إلى القضايا التي يولدها موضوع ( الديموقراطية ) و إشكالياته ، مرفوقاً بفشل ( التحديث ) و ( التنمية ) ، مع القضايا التي ولّدتها عودة الاحتلال إلى ديار العرب و ما أعادتهم معها إلى المربع الأول مع عدم إنجاز مهام ( التحرر الوطني ) : إن الإجابة على هذه الأسئلة ، و الطريقة التي يمكن من خلالها إدارة نقاش عربي حول هذه المواضيع ، من الممكن أن يحدّدا ملامح الفكر و السياسة عند العرب في المرحلة القادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA