الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون سيء سيورث احتلالاً دائماً

صائب خليل

2007 / 7 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مستقبل العراق كنتاج لقانون النفط 1 من 2

هل ان قانون النفط والغاز المقترح في مصلحة العراقيين 100% كما يقول النائب محمود عثمان وانه يعزز الوحدة الوطنية في البلاد ولا يعد مدخلاً لتقسيمها كما يرى وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني؟ وهل ان حمزة الجواهري الذي قال عن القانون انه "أكبر عملية قرصنة للنفط في التاريخ الحديث"، والدكتور سيار الجميل الذي قال إنه سيرجع بالعراق الى ما قبل قانون مناصفة الارباح الذي كان اصدره نوري السعيد عام 1952، وانه سيّحول الاقاليم والمحافظات الى زعامات متصارعة، هل هؤلاء وغيرهم كثير من صحفيين وخبراء نفط ورؤساء نقابات وسياسيين، هل هؤلاء " مدفوعين من قبل جهات لا تريد الخير للعراق" كما يؤكد الشهرستاني عن منتقدي القانون؟

المعترضون على القانون، ويبدو انهم اغلبية ساحقة بين الناس وبين خبراء النفط العراقيين وممثلي نقابات يرون ان العراق يبتز في القانون في نقطتين: العلاقة بين العراق وشركات النفط, والثانية في طريقة توزيعه بين المركز والأقاليم. هذا موقف معظم الناس والخبراء والصحفيين، اما موقف الساسة، وهو ما يقرر النتيجة في النهاية فمتباين ومتناقض احياناً وغير مفهوم. "التوافق" اكثر الكتل حماساً للرفض و"القائمة العراقية" تبدوا معارضة للقانون بشكل واضح. الحزب الشيوعي يبدو من تصريحات حميد مجيد موسى متردداً ينحو الى تفضيل الإستثمار الوطني، وهومخالف للقانون الذي قدمته الحكومة لكنه لا يجزم بالرفض او القبول باعتبار ان القانون لم يصل بشكل رسمي الى البرلمان، واراها حجة ضعيفة فبالإمكان دائماً إعطاء رأي بالإحتمالات المطروحة وتحديد "الخطوط الحمراء" المبدئية للرفض او القبول قبل الدخول في التفاصيل.

لكن السؤال الذي يثير القلق هنا، ان كانت هذه هي مواقف الكتل العلنية فكيف تمت الموافقة عليه "بالإجماع" في مجلس الوزراء؟ هل يتظاهر السياسيون العراقيون بالمعارضة في الإعلام فقط لإنقاذ ماء الوجه؟ وإذا كانت القائمة العراقية بهذا الحماس ضد القانون فلماذا يسيء وائل عبد اللطيف وهو نائب منها الى المعارضين بالقول بأن السعودية هي التي تسعى إلى نقض قانون النفط والغاز موحياً بتبعية من يرفضه لها؟ وان لم يكن رأي رفاقه في القائمة مستقلاً فما الذي يبقيه بين "العملاء"؟ انه مثال كلاسيكي عن احدى الحيل المتوقعة التي كتبت عنها في مقال سابق (*).

سؤال خطير اخر هو هل ستكون العقود من نوعية "مشاركة الإنتاج" ام لا؟
في الوقت الذي ينكر فيه حسين الشهرستاني وزير النفط ان القانون المطروح يتجه الى تكريس "عقود مشاركة الإنتاج" سيئة الصيت، على اساس انه لايوجد ذكر لها في القانون، يؤكد خبراء النفط ومنهم الجواهري وفؤاد الأمير ان المسألة ليست مسألة اسماء. وبالفعل نجد من مراجعة تصريحات الساسة السابقة ما يدلنا على النوايا اللاحقة. نكتشف ان المسؤولين وبضمنهم الشهرستاني نفسه اعلنوا في مناسبات عديدة ماضية خاصة عندما يتحدثون في الخارج، ان هذا النوع من العقود كان الهدف دائماً لدى الساسة العراقيين. فسبق للشهرستاني ان اعلن في استراليا انه يهدف الى توقيع "عقود مشاركة الإنتاج" مع شركات اجنبية. كذلك قال نائب رئيس الوزراء برهم صالح الذي يرأس لجنة صياغه قانون النفط، مخاطبا مؤتمر العصبة الدولي لمساندة العراق، وهو اجتماع للمانحين الدوليين فى ابو ظبى، انه سيتم استخدام "اتفاقات لمشاركة الانتاج". وكان الخبير النفطي "كريك موتيت" قد نبه الى ان معظم البيانات المهمة المعنيه بسياسات النفط العراقي تطرح بصراحة فقط "لآذان غير العراقيين."

يؤكد الساسة العراقيون ان القانون عراقي تماماً ويذهب البعض الى ان اميركا لم تمارس اي ضغط ولم تتدخل الشركات في كتابته. البعض الأخر يتخذ موقفاً وسطاً مثل موسى الذي يقول انه "لايستبعد وجود ضغوط" لكنه يضيف "اما القول ان القانون وضع من قبل الامريكيين او وضع لخدمتهم فهذه هي تاويلات سياسية فكرية تنبع من احكام مسبقة ليس لها علاقة في النقاش الفعلي الجاري الحاصل الان."

لكن كريك موتيت ينبه الى انه "اثناء صياغة قانون النفط خلال السنوات الخمس الماضية، جرت ثلاثة مشاورات مهمة، ليس بينها اية واحده مع طرف عراقي. لقد تم تقديم مسودة القانون في صيغتها الاولية إلى حكومة الولايات المتحدة وشركات النفط متعددة الجنسيات لإبداء تعليقاتهم في تموز.2006 و أُدرج صندوق النقد الدولى الى هذه القائمة دارسا مشروع قانون النفط في مراجعته الفصلية لامتثال الحكومة العراقية لإلتزاماتها الاقتصادية."
وفي مكان اخر: "وعقب ممثل الحكومة الامريكيه للمحادثات على تعليقات السيد صالح واضعاً إياها في إطار ومحذراً بان اي مساعدات إقتصادية للعراق في المستقبل ستكون مشروطة بإصلاحات إقتصادية، ومن اولويتها إصدار قانون نفط مقبول". يبدوا ان هناك اكثر من "الأحكام المسبقة" في الأمر، وان لها علاقة وطيدة بالنقاش الجاري الآن بل ومنذ سنوات لإصدار "قانون نفط مقبول".

هذا "القانون المقبول" ليس "في صالح العراق 100 % " كما يقول لنا محمود عثمان، فالقانون خسر "عقول وقلوب" العراقيين كما أقر محمود عثمان نفسه حين قال لـ "الحياة" ان العراقيين صاروا "ينظرون الى القانون نظرة مريبة ويعتقدون انه سيصب في صالح الشركات النفطية والولايات المتحدة التي أيدته واصرت على اقراره بصورة علنية ومكشوفة". من الواضح ان محاولة الوزير الشهرستاني لإقناع هؤلاء العراقيين كانت "ابسط" من اللازم حين قال ان القانون ليس في صالح اميركا لأنه لايوجد فيه ذكر لتمييز لأميركا، وكأنك لا تستطيع ان تخلق الظروف الملائمة لجهة معينة دون ذكرها بالإسم، او كأن قلق العراقيين ان القانون لن ينصف فرنسا مثلاً مقابل اميركا وليس العراق مقابل الشركات العملاقة ومعظمها اميريكية. ولا يقتصر هذا الرأي على الغالبية الساحقة من خبراء النفط العراقيين وابناء الشعب كما تبين بل يشارك فيه حتى صحفيين من نيويورك تايمز نفسها فتكتب:"..لا يجب على الولايات المتحدة أن تجبر العراق على فتح حقوله النفطية أمام الشركات الأجنبية كشرط على إنهاء الإحتلال، وإن إصرار الولايات المتحدة على سن قانون جديد للنفط ليس له علاقة بمصلحة الشعب العراقي.."

موتيت ليس صدامياً ونيويورك تايمز ليست صحيفة عربية شوفينية ولا يسارية متطرفة, واغلب خبراء النفط العراقيين مستقلين، ولو ارادو المال لوجدوه اكثر كثيراً في الجانب الآخر، وليس لدينا سبب يدعونا الى الإعتقاد انهم "لايريدون الخير للعراق" كما يجهد الشهرستاني لإقناعنا، بل ان الحال كما هو دائماً حيثما يكون الكثير من المال في الميزان، فانه يثير شهوة الضباع التي لاحدود لجوعها، ومن حق العراقيين ان يخشوا مؤامرة وابتزازاً.

وإذا كان الأمر كذلك ومر الإبتزاز، فمن الطبيعي ان يحتاج الطرف المستفيد من الإبتزاز الى الإبقاء على من هو تحت ابتزازه ضعيفاً ليبقى مستسلماً للإبتزاز، لذا فمن المتوقع ان الشركات النفطية لن تكتفي بمردودات الإبتزاز البالغة من العراق لكنها ستعمل على حرمان شعبه حتى من الإستفادة من الباقي الذي يمكنه ان يرفع البلد الى قوة قد يجعله يفكر بالتمرد على ذلك الإبتزاز والغائه. لذا ستعمل الشركات على عدم تراكم الثروة والقوة في العراق وستلجأ في ذلك الى اسناد الفساد وتطويره وشراء الحكومات الديمقراطية ان امكن وان لم يمكن فستعمل على ايجاد "بينوشيت" او "مشرّف" مناسب لتحويلها الى دكتاتورية مناسبة، وربما ستلجأ الى اقتراح قروض عملاقة لمشاريع اقتصادية كبيرة فاشلة، واشاعة اندفاع استهلاكي يعرقل التنمية بل وحتى اشعال حروب جديدة ان اقتضى الأمر. يجب في النهاية استهلاك الوارد بما لايسمح بتراكم يسمح بالتفكير بالغاء عقود النفط او محاولة تعديلها.

قال احد المفكرين الثوريين اليساريين يوما ان "الثورة تقضي على اسلوبها", لأن الحكومات الأخرى تتعلم الدرس فتحمي نفسها من تكرار الأمر في بلادها. انهم يقضون على الأسلوب او يجعلون تكرار تطبيقه اكثر صعوبة, وهذا ما يحدث اليوم لأسلوب "مشاركة الإنتاج" الذي ذبح الصناعة النفطية الروسية قبل عقد ونيف ويعاني اليوم من الرفض الشديد في العراق مما اضطر اصحابه لأختراع اسماء جديدة له في محاولة لإخفائه. يبدو ان الشعوب والناشطين يتعلمون ايضاً احياناً من دروس الهزيمة فيحرمون القوى المضادة من تكرار مكاسبها باستعمال نفس الأسلوب في مكان اخر, ولعل الأبطال هنا كانوا كريك موتيت، وحمزة الجواهري وآخرين نقلوا اللقاح المضاد الى العراق، وهاهو يقاوم بوعي غير مسبوق هذه الجرثومة التآمرية وببطولة تدعو للإعجاب باتحادات عماله وصحفييه وابنائه.

لكن الجراثيم لم تيأس بعد.

الشركات تعلم ان توقيع القانون او العقد ليس نهاية المطاف وان حكومة ما قادمة قد تجرؤ يوماً على تغييره. لقد تعلمت الشركات والحكومات التي تمثلها درساً كبيرا من انقلاب روسيا على عقودها الفاسدة، مثل العديد من البلدان الأخرى كبوليفيا التي اممت انتاج الغاز والجزائر واندونيسيا الّتان راجعتا شروط اتفاقياتهم المستقبلية وفنزويلا التي فعلت ذات الشيء مع اتفاقياتها الجارية. لقد كان في جميع هذه البلدان يوماً حكومات فاسدة، لكنها لم تستطع منع التغيير فلا بد ان تفكر الشركات بحلول اكثر ضماناً بالنسبة للعراق، وهو كما اشار د. سيار الجميل بشكل عابر: القواعد العسكرية بحجة حماية المصالح. لاشك ان الطالباني وابنه لن يجدا في ذلك مشكلة لكن الشعب العراقي له رأي اخر...لحسن الحظ!

مرت قبل ايام وبشكل اكثر نشاطاً وتضامناً من اية سنة سابقة، ذكرى اكبر تأريخ يتوحد العراقيون باعتزازهم به، ذكرى ثورة 58 وانجازاتها النفطية والأجتماعية الرائعة. يذكرنا موتيت بذلك فيقول متسائلاً: " لكن العراق ورغم كونه أحد الأعضاء المؤسسة لمنظمة أوبك و رائد في تأميم الصناعة النفطية من خلال قانون 80 لسنة 1961- يبدو وكأنه ينحرف عن الساري على المستوى الدولي. إذن لماذا يتبع العراق هذه السياسة؟" سؤال وجيه ياكريك، نحيله الى حكومتنا ونوابنا ونحذرهم بأن كل تنازل من العراق للشركات لن يحفزها (وحكومتها) على التنازل بالمقابل بل سيزيد من دوافعها لإبقاء حالة الإبتزاز مهما كانت تعني بالنسبة للشعب العراقي. فكلما زاد الأبتزاز، زاد التناقض بين مصلحة الشعب العراقي من جهة وبين الشركات ودولها والحكومات العراقية التي تريد او تضطر لمسايرتها. وهكذا تزداد الشقة بين الشعب وحكومته تدريجياً لتقترب الأخيرة من صفة "حكومة عميلة" شاءت ذلك ام ابت. لذا فأن قانون نفط سيء شديد الخطر ليس فقط على الديمقراطية وعلى ثقة الشعب بها بل على استقلال البلاد ايضاُ، فقانون نفط سيعني إستمرار الإحتلال وعودة الصراع بين الحكومة والشعب.

قال وزير من بقايا الدول الإشتراكية السابقة المتشضية انه متفائل بمستقبل بلاده لأن ليس لديهم نفط! واكد جديته بذلك امام ضيفه الصحفي الذي ضنها نكتة. لا لوم على الوزير ان اعتبر ان امتلاك ثروة نفطية كبيرة في عالم ليس فيه للقانون سلطة، مسؤولية خطيرة تهدد البلاد باكثر من مجرد خسارة تلك الثروة ان لم يتم التعامل معها بدقة وحزم وحذر.

وبالفعل، وعلى العكس مما يشيع مؤيدوا القانون من ضرورة الإسراع بتوقيعه رغم ان نتائجه لن تات الا بعد سنوات عديدة، فهناك حل متأن وحذر وخال من المخاطرات..يرى الجواهري وفؤاد الأمير وغيرهما من خبراء النفط ان ليس هناك اي داع لأي استثمار اجنبي لا بشكل عقود انتاج ولا غيرها وان مصلحة العراق الإقتصادية تتحقق بشكل ممتاز بشكل عقود خدمة متفرقة ومحدودة فما الذي يدفع السياسيين اذاً الى المخاطرة بالمستقبل السياسي بهذا الشكل المرعب بوجود طريق آمن سياسياً واقتصادياً؟ لماذا لايتم طلب عقود خدمة محددة، فإن لم تتقدم اية شركة مناسبة بعرض مناسب امكن عندها الحديث عن التنازل الى عقود اخرى اقل جودة وضماناً. ما السر في هذا الإصرار على تجنب اعطاء الفرصة للحل المثالي لكل من اقتصاد العراق وامنه السياسي؟

(في الحلقة القادمة سنناقش تأثير القانون على العلاقة العربية الكردية في العراق.)

(*) http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=102838








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملابس الرياضيين في أولمبياد باريس: ملابس لستر أجساد اللاعبات


.. إسرائيل تدرس رد حماس على صفقة التهدئة والمحتجزين ونتنياهو يع




.. تقارير تكشف استمرار تقليص مساحة الضفة الغربية من قبل السلطات


.. إسرائيل تبحث رد حماس على صفقة التهدئة والمحتجزين | #الظهيرة




.. حزب الله يطلق عشرات القذائف والمسيرات صوب شمالي إسرائيل | #ا