الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصير التنمية البشرية في فلسطين في ظل الانقسام الراهن

محسن أبو رمضان

2007 / 7 / 24
القضية الفلسطينية


من الطبيعي أن تصل نتيجة التنمية في فلسطين إلى النتيجة السياسية التي وصلت إليها القضية الفلسطينية ، من حيث التشرذم والانقسام الجغرافي والسياسي وإعادة الأمور للتساؤل حول الهوية الوطنية وحاملها السياسي وأداتها الكفاحية ، وبالتالي طرح الحلول التي لا تستقيم تماماً مع أهداف شعبنا بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 67 وفق قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ، بل تندرج في إطار إعادة الوصاية واختطاف حق التمثيل بما لا يساعد على تمكين شعبنا وأدواته ومؤسساته من السيطرة على الموارد والحدود وتقرير المصير الاقتصادي والتنموي في ظل بهتان وضعف المصير السياسي نفسه .
فالتنمية بالأساس وفق الإعلان العالمي عن الحق بالتنمية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4/12/1986 ، مرتبطة اشد الارتباط بحق الشعوب في تقرير المصير واختيار المسار الاقتصادي والاجتماعي بصورة حرة ودون وصاية أو إكراه ، وهو حق فردي أيضا ويتصل بتوسيع خيارات الإنسان بوصفه محور التنمية ومصدرها بوصفه يشكل أي الإنسان ( الرأسمال الاجتماعي ) والذي يعتبر أعظم من الرأسمالي المادي أو الاقتصادي البحت ، في إطار ضرورة تمكين الإنسان وتصليبه وزيادة قدراته وثقته بنفسه عبر اكتسابه المعرفة التي تقود إلى الابتكار والإبداع على قاعدة توفير المقومات الرئيسية للتمكين والمجسدة بالتعليم والصحة والمعيشة الاقتصادية اللائقة والكريمة .
بهذا المعنى فإننا نجد أن انقلاب غزة ، وكذلك الإجراءات القانونية والإدارية التي أقدم عليها الرئيس محمود عباس قد ساهما في تبديد آفاق المسيرة التنموية الفلسطينية ، فقد ابتعدت آفاق الدولة المستقلة ، المجسدة بهدف التحرر الوطني ، والذي اعتبر شرطاً للعملية التنموية المعتمدة على الذات ، كما تم تقويض مؤسسات الوطن الجامعة ، من خلال تعطيل عمل المؤسسة التشريعية والتي أصبحت تخضع للتجاذبات الحزبية وابتعدت عن أهدافها الوطنية والمهنية والبنائية القائمة على التشريع والرقابة والمحاسبة ، وتكرست ظاهرة ازدواجية السلطة من خلال التنافس والاختناق بل الصراع بين كل من مؤسستي الرئاسة ومجلس الوزراء وقد وضع علامة استفهام حول آلية اتخاذ القرار بصورة موحدة ، وقد عمق هذا الصراع من حالة الابتعاد الذي أفرز فيما بعد ظاهرة الاحتراب ثم الانقسام في ظل الانشداد لأدوات القوة بدلاً من الوسائل الديمقراطية كأدوات لحسم الصراع وذلك لأول مرة بالتاريخ الفلسطيني ، حيث يتم استبدال لغة الحوار الوطني والديمقراطي بأدوات العنف والإكراه الدموي او باستخدام الوسائل القانونية والإدارية والسياسية التي تعمق الانقسام في نفس الوقت.
كما أدى هذا الصراع إلى تبهيت دور المؤسسة القضائية ومبدأ سيادة القانون في ظل الانقسام السياسي والجغرافي وعدم اكتمال منظومة التشريعات وفي ظل خضوع الصراع للحسم العنيف ، علماً بأن التنمية تشترط الديمقراطية التي تعتبر محورها بحيث تكون قائمة على المشاركة والتعددية واحترام الرأي والرأي الآخر وكرامة الإنسان على أسس من المواطنة المتساوية والمتكافئة ، هذه الديمقراطية التي شوهت وتعرضت إلى التبعية والتقويض ، حيث انه لا يمكن فهمها بوصفها انتخابات لمرة واحدة ، ومنصة للحكم والسيطرة على طريق إلغاء الآخر ، كما لا يمكن فهمها على أنها سلوك شكلي لا يؤدي بالضرورة لتحقيق مبدأ تداول السلطة بصورة سلمية أي عبر الإقرار بنتائجها وعلى قاعدة تسليم أدوات السلطة للحزب السياسي الذي حقق الانتصار بصورة مهنية وشفافة .
كما تعززت عملية تقويض الديمقراطية من خلال ضياع آفاق الإصلاح الذي لم تفلح كل من الحركتين في تحقيقه في ظل الانشداد للأجندة الحزبية والفئوية والتي تعتبر المعيق الرئيسي لأية عملية إصلاحية سواءً إدارية أو مالية أو بالأجهزة الأمنية ، هذه العملية التي يجب أن ترتكز قاعدتها على مبادئ الشفافية والمهنية والكفائة .
فلم تكن حركة فتح جادة في عملية الإصلاح لأنها تهدد مصالح النخبة السياسية السائدة والمنتنفذة ، كما لم يفلح برنامج الإصلاح والتغيير الذي تبنته حركة حماس في تحقيق انجازات ملموسة تذكر ، خاصة في ظل شراهة واضحة على السلطة والرغبة في حصد النتائج والتي برزت عبر التوظيفات الواسعة لعناصرها بالقطاع الرسمي العام وعبر تشكيل الأدوات الأمنية التابعة لها وذلك بديلاً للتقدم لتنفيذ برنامج إصلاحي إداري ومالي وأمني جاد وجذري وشفاف يستند إلى مبادئ العلانية والشفافية والوضوح والمهنية عبر اعتماد الكفاءة بدلاً من الولاء .
وعليه فالاحتقان سواءً بالبناء المؤسساتي والمسار الديمقراطي إضافة إلى ابتعاد تحقيق الهدف الوطني بسبب حالة الانقسام الحادة السائدة ، قد اضعف من فرص تحقيق التنمية الإنسانية في فلسطين ، خاصة في ظل استمرارية الصراع على السلطة التي لم توظف كأداة للتمكين وتعزيز الصمود وأحد وسائل النضال لتحقيق الهدف الوطني بالتحرر والاستقلال ، بل أصبحت منصة للصراع الدموي العنيف عليها على قاعدة فئوية وحزبية وفي ظل استمرارية سيطرة الاحتلال وتحكمه في معالم ومكونات الحالة الفلسطينية عبر الحصار والإغلاق الذي أدى إلى تعميق حالة الإفقار والتدهور المعيشي وتحويل الوطن الفلسطيني إلى معازل وكنتونات .
وإذا كان من غير الممكن تحقيق الأهداف الكبرى ( التحرر الوطني والبناء الديمقراطي ) بدون إطلاق طاقة الإنسان كمحور وأداة وهدف لها ، فإننا نعرف كما أصبحنا بعيدين عن تحقيق تلك الأهداف في ظل افتقاد مقومات التمكين والتقوية للإنسان الفلسطيني الذي بدأ يفقد الثقة بقادة الأحزاب السياسية بسبب الانشداد للأجندة الشخصية والفئوية والحزبية وفي ظل حالة القلق على كرامته وحقوقه ومعيشته في إطار الابتعاد عن آليات القانون ومبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية ، أي في ظل الخوف والقلق جراء ما يهدد مصير المشروع الوطني برمته ، وجراء تدهور المستوى المعيشي والاقتصادي ( علماً بأن 58 % من سكان الوطن أضحوا يعيشوا على المعونات الإنسانية التي تقدمها المؤسسات الدولية ) وجراء حالات الانتهاكات المستمرة تجاه حقوقه وذلك على خلفية الرأي السياسي أو الانتماء الحزبي .
وعليه فلا مستقبل مرجو للتنمية الإنسانية في ظل الصراع الفئوي ، وتراجع أهداف الاستقلال والتحرر الوطني ، وإضعاف الخيار الديمقراطي ، والاعتماد على الإغاثة والمعونة بدلاً من الاعتماد على الذات والتمكين ، وتعزيز ثقافة الانتفاع والخوف من القوة القائمة ، وتبديد معايير المفاهيم المدنية لصالح لغة الإقصاء واحتكار الحقيقة والابتعاد عن قيم التعددية واحترام الحريات والرأي الآخر .
نقول لا مستقبل إلا إذا استطاعت القوى المرتبطة بالخيار الوطني والديمقراطي من إعادة استنهاض نفسها على قاعدة جديدة مبنية أهدافها على مصلحة الوطن والمواطن وخيار التنمية المعتمدة على الإنسان وعلى قاعدة المشاركة الشعبية والديمقراطية الموسعة ، إن هذه القوى بحاجة إلى إعادة إحياء مفاهيم التنمية من أجل الصمود والمقاومة كأداة ورافعة لإعادة إحياء وبناء الهوية الوطنية الفلسطينية على أسس بعيدة عن الفئوية والذاتية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات