الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آمرلي .. رسالة ُ وفاء ٍمتأخرة

نادية فارس

2007 / 7 / 24
حقوق الانسان



لا أ نكر ُ أننا دائخون..لكثرة من دوخونا..وأغرقونا في بحار الحزن ..والتردي..واللامعقولية..واللاعدالة..والقرصنة

لاأنكر ُ أننا لايسعنا الوقت أن ندافع َ عن النساء ِ والأطفال ِوالمسيحين والصابئة والشيعة والسنة والتركمان والأكراد والاشوريين..والعــــــــــــــــــــــــــراق

لا يسعنا الوقت أن ندافع عن أساتذة الجامعات ِ المقتولين والمُهَجرين والمتصببين ألما
ً
لايسعنا الوقت أن ندافع عن الأدباء الذين يحوزون على لقب " اللائحة السوداء" التي تنذر بموت ٍ مؤجل ٍ أو خطف ليس عشوائيا ..ونهاية ٍ عند أقرب ِ حاوية ٍ للقمامة عند ناصية الحي

لا يسعنا الوقت أن ندافع عن القيم ِ التي صنعت للعراق مجدا ً فعاثت به بنادق أيران ومفخخات الزرقاوي وكلابهم وحولته الى ركام

لكن دفاعنا..وشهيقنا كلّ صباح لاتحمل شمسه سوى الخراب في زمن الخراب الشامل..يتشظى ..ويتلظى ..لننتهي عند ملتقيات طرقات ِ الحزن والغضب... والنكوص عند منحدرات التاريخ القميء لعصابات النفط ومافيات التقسيم..وأحزاب الأعلام الرخيص..وميليشيات طمس الهوية التاريخية للعراق

أنا اليوم..أجدني محاصرة ٌ بذكرياتي..ووفائي ..لعائلة ٍ في منطقة ٍ لاتعني الكثير للبعض
لكنها تعني الكثير لي..ليس لأنها عراقية فقط..بل لأن مقارنة حجم الخسائر التي لحقتها..بحجم المنطقة التي رأيتها..تعني أن جريمة هولوكست وإبادة جماعية لسكانها..حصلت هناك

لآمرلي ..التي أحببتها ..أكتب

لا لتجزئة أحزان العراق أكتب....بل لتعرف آمرلي نفسها..أنها كانت في قلبي أبدا ً..وأنها شكلت جزءاً من شوقي لها..وحزني على الذين سقطوا معفرين بدماءهم على أرضها

آمرلي.. التي لايعرفها الكثيرون..لكنني أعرفها
ولذا ..فأنني أكتب عنها ..ولها

وأكتب لحسين الذي قد يكون أسمه الان مكتوبا ً على شاهدةِ قبر ٍ..بين خمسمائةِ قبر ٍ حفرتها لهم أيد ِ قذرة..ملطخة بالدم أبداَ..تدربت على أيد ٍ ليست عراقية كي تقتل العراقيين
أكتب لأطفال حسين وزوجته وأختيه

حكايتي مع آمرلي.. حدثت في ليل ِ يوم ٍ قائضِ من أيام صيف ٍ.. في تسعينات القرن المنصرم..

قبل أن تصل السيارة الى طوزخورماتو بقليل..تعطلت

الطرق لم تكُ آمنةَ.. والليل ُ يخيّمُ بأجنحته ..ليحيل الطريق البري الموحش الى كابوس

ليست هناك من خدمات على الطريق الخارجي .. ولاهواتف نقالة.. ولامن يوقف سيارته للمساعدة.. فالكل خائفون من التوقف
بعد أكثر من ساعة ... توقفت سيارة بيك اب..محملة بقنان ٍ كبيرة للحليب

وتساءل سائقها عن المشكلة. . وحين عرف أننا ..برجالنا ونساءنا وأطفالنا..بحاجة الى أن نصل الى طوزخورماتوعلى الأقل.. وافق على أن يقلّنا الى المدينة

في الطريق الى طوزخورماتو التي كانت تبعد حوالي ساعة.. غيّر الرجل مساره..ودخل الى منعطف بري ليس مبلطاً..حيث لاسيارات ولا بشر ولا شجر

وحينها..كنّا نحمل معنا مبلغا كبيرامن المال..يكفي لشراء دار كبيرة في أحسن المدن

ولاأخفيكم سرّا..في زمن عصابات التسليب .. كان الخوف من التسليب هو الشغل الشاغل لكل المسافرين على الطرق الخارجية.. وها نحن مع شخص لانعرفه.. يقود السيارة الى المجهول.. ونحن كالخرفان المقادة الى ذبحها

الجميع كان يجلس مع قناني الحليب.. ماعدا أبي الذي جلس الى جوار السائق لكبر سنه

وكنّا..حتى لحظة استدارة السائق في الطريق البري..نغني بأعلى أصواتنا ونضحك
لكننا
خرسنا جميعاَ..وتوقفت أغانينا

وأعلن أخي..رحنا بداهية!!

احتضنت حقيبة الفلوس..وتساءلت..شلون نفلت؟ احنه ويه هسه؟

لاأحد يعرف الى أين كانت السيارة تتجه..ولذا فأننا بدأنا بالنقر على زجاج السيارة الخلفي متسائلين: وين رايحين؟ هذا مو طريق طوزخورماتو أخي

توقفت السيارة.. ونزل أبي ليخبرنا أن السائق يسكن في منطقة آمرلي..وأنه عرض علينا استضافتنا لتلك الليلة ..وأن والدي وافق!!

لابد ّ أن حديثا دار بينهما في الطريق ..ولابد ّ أن والدي الطيب لم يتخذ القرار الصحيح..فهو سريع الثقة بالاخرين..حتى أنه تعرض للسرقة والنصب كثيرا

ولكن..لم يكن الوقت مناسبا َللوم أبي . . فقد كنّا في مأزق حقيقي .. فسلمنا أمرنا الى الله.. الذي لا يحسد على مكروه سواه...واتفقنا على تسليم كل المبلغ ...على أن نسلم على حياتنا
وصلنا دار الرجل..وكان اسمه حسين..فأعلن لأهل بيته من النساء أننا ضيوفه

تراكضت النساء لمساعدتنا في حمل خقائب ملابسنا..و جلبن الماء الدافيء لنغسل ونرتاح في " الديوانية" المفروشة بالسجاد.

ثم تم تحضير العشاء.. والشاي ..والرقي والبطيخ

الكل كان يسعى سريعا لتضييفنا..حتى اطمأنت قلوبنا

وحينها فقط ..تجمّع النساء والرجال معنا ..وحدثونا عن آمرلي التي لم نك ُ نعرفها

مدينة صغيرة يسكنها الشيعة التركمان..بسيطة بعدد سكانها..ولازالت تعيش عصر الطيبة والمحبة والبساطة القروية..والصدق

ليس فيها الكثير مما يمكن أن يقال عنها ..ولا مشاكل فيها ..لكنها أصيبت بحمى إعدامات الشيعة.. فراح قسمٌ من أبناءها ضحية تلك الأعدامات..وراح البعض شهداء قادسية صدام التي أحرقت حياة مليون شاب عراقي

لم يكُ هناك الكثير مما يمكن ُ أن يقال..فنحن أغراب وإن كنّا ضيوف..وهم أغراب وإن كانوا قد ضيفونا

بعد ساعة أو أكثر بقليل..قال لنا مضيفونا أنهم سيسهرون تلك الليلة لعمل هريسة العاشر من عاشوراء!!
لكن العاشر من عاشوراء انتهى منذ شهرين!!

قالوا: نحن نؤجل عمل الطقوس حتى تنتهي مراقبة الحكومة..ونعملها سراََ

فكرت خينها..خطة ذكية!!

حينها لم تك السياسة لتعني لي الكثير..ولم أفهم منها سوي شعوري بالقهر من ديكتاتورية صدام

لم تك الديموقراطية لتعني الكثير لي..ولم أسمع بشيء يدعى الفيدرالية

لم تك خقوق الأنسان بموضوع للنقاش..لكننا كنا نحزن كثيرا على المعدومين والمسجونين والشهداء وأمهاتهم وأطفالهم

لم أفهم لماذا كانت الهريسة تعني الكثير للحكومة العراقية..حتى عرفت أن حزب الدعوة المعارض لصدام ..كان يعتبرها رمز الديموقراطية

ولاأطيل عليكم

انشغلت عائلة حسين في آمرلي بعمل الهريسة حتى الصباح..لكننا خلدنا الى نوم مطمئن في تلك الدار المليئة بالمحبة..
وعند الصباح..كان إفطارنا دسما ً مع الهريسة

عمل حسين جهده أن يوصلنا عند الصباح.. واستمرت العلاقة العائلية لسنوات
*****

استيقظت ذكرياتي عن آمرلي ..بعد أن دمرتها أيدي الغزاة

والتاع قلبي على تلك العائلة التي لم تجن ِأمانا ً... لاتحت القيادة الديكتاتورية السابقة..ولا تحت القيادة المافيوية الحالية

أجزع ..وينتابني اليأس..وأنا أجد العراقيين يتساقطون جماعيا َ كأوراق الخريف

تحاصرني ذكرياتي عن الطيبين والأبرياء..وتجرّني الى هاوية اليأس ..والألم ..والحزن على عيون كانت تنتظر الأمل..ففقدته الى الأبد

آمرلي..
تلك المدينة التي اكتشفت مؤخرا َأنها معنية بالصراع الفيدرالي..والتقسيم الشوفيني..وحرب المافيات

تلك الأرض العراقية المنسية..إلا ّ من الأحزان

آمرلي..تقف منكسرةَ..وصريعة َ..وغارقة بالدم

أمرلي..تنضم ّ الى قلعة كركوك..في مسيرة ٍ جماعية نحو طمس الهوية التاريخية

لقد توضحت معالم الجربمة المرتكبة بحق آمرلي وكركوك..ولازالت دماء الأحبة في طوزخورماتو متناثرة على جدران جوامعها وعلى أرصفة شوارعها

أي ّ تدريب ٍ هذا الذي يغتال ُ التاريخ والشعوب ..وأية ُ مليشيات هذه التي تدمّر العراق؟

من يدفع للأفاكين واللصوص وقاطعي الطرق والقراصنة ليغتالوا العراقيين وتاريخهم ؟

من يخطط لتغيير الخارطة الديموغرافية للعراق؟

من يسرق أموال العراقيين وخبزهم اليومي ليموّل بها مرتزقة السيارات المفخخة ؟

آمرلي ليست كل ّ العراق..لكنها نموذج لما يحدث في البصرة والفلوجة وبغداد وقلعة كركوك والناصرية

العراق يتحول الى خارطة مشوّهة المعالم..ومسخ يتخبط ُ بين عمليات طمس الهوية التاريخية والجغرافية

العراق..حين استلمته العصابات وميليشياتها..انكسر كشجرة باسقة..و كصقر جريح

آمرلي
لازلت ِ جزءا َ من العراق..سينالك ما نال كل الجمال العراقي من عمليات قرصنة وتشويه

أكره ُ أن تراودني الفكرة أن حسين وزوجته وأطفاله وأخواته ..قد تقطعت أوصالهم ..وأن ملابسهن الملونة قد تعفرت بالدم والتراب..وأن ضحكاتهم تحولت الى صراخ والى صيحات ألم

أكره أن ..أتصور أن ّ الحب ّ الذي كان يزغرد في ذلك البيت البسيط..قد تحوّل الى مقبرة..وأسماء من الماضي

لكنني.. أعلن حبي لآمرلي

لأهلها ..لأرضها

لعراقيتها

لتركمانيتها

أعلن ..أن آمرلي ليست أقل عراقية ولا تركمانية من قلعة كركوك

وأن عمليات استيراد شعب كردي من سوريا وتركيا وأيران..سوف لن يعوّض أصالة أهل آمرلي الأصليين.. فالشعب المهجّن الذي يستورده الطالباني والبرزاني..لايحمل عبق العراق..وسيبقى دخيلا وغبيا ومرتزقا

حبي للعراق..لشعبه..لأصالته

وحزني على الجرح الغائر في قلبه..والممتد من زاخو وحتى الفاو

وأرجو أن تكون رسالة محبتي الى آمرلي ..قد وصلت الى أحبتي هناك..أحياءا أم أمواتا
ورسالة احتجاجي على طمس هويتها ..قد وصلت الى طاولة المافيات..وليس الى سلال مهملاتهم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين


.. لحظة استهداف الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين في رفح بقطاع




.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين