الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة أولويات أم أزمة نظام .. ؟

بدر الدين شنن

2007 / 7 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لم يكن من المتوقع لدى المهتمين بالحالة السورية عن كثب ، أن يقدم بشار الأسد ، في خطاب القسم الثاني أمام مجلس الشعب ، جديداً يتجاوز فيه نفسه ونظامه ، ويتجاوب مع ا ستحقاقات ملحة في مسائل الحريات الديمقراطية والوضع الاقتصادي وبناء دولة المؤسسات والقانون ، ويتقاطع مع مطالب المعارضة ، حول إنهاء احتكار السلطة والسياسة ، وكافة ما يتعلق بذلك من آليات قهرية وحرمانات واعتقالات ، وحول ما أطلق عليه " الاصلاح " عنواناً " للتغيير الانتقالي التدرجي " . وذلك لعدم توفر عوامل ضغط جماهيرية تجبره على ولوج خيارات أخرى غير القمع في معالجة تلك المسائل

ولهذا انطلق بشار الأسد في خطاب القسم الثاني ، من أن النظام السياسي القائم ، المثير للجدل على خلفيات بنيته الاستبدادية الشمولية ، أو أدائه الاقتصادي لصالح ثراء طبقته الرأسمالية السلطوية على حساب المصالح الوطنية والطبقات الشعبية ، هو الفضاء الشرعي الوحيد المتاح لمن يريد أن يسبح في فضاء السياسة ، موالياً أو مسقلاً أو " معارضاً إيجابياً " . والسباحة خارج هذا الفضاء يعني الفناء أو العدم ، ومن أن الالتزام بالوطن " المبعث " تحت هيمنة " الحزب القائد " والمشخصن ، بتماهي الوطن والحزب بشخص الرئيس القائد للحزب والدولة والمجتمع ، هو الحد الفاصل بين الحياة والموت في السياسة .. وربما الحد الوجودي ايضاً

وعلى مقاييس هذا المنطلق فصل " الرئيس " خطابه وصاغ مفاهيمه ، وا ستخدم منبر مجلس الشعب ليحلق في الفضاء السوري مؤكداً على ثوابت النظام الد ستورية وأطره الاستبدادية ، وناثراً وعوداً ومفاهيم مكررة للحكم والدولة ، وطارحاً سلم أولويات مضطرب متعثر . ولهذا كان من البديهي أن تشكل مقررات المؤتمر العاشر لحزب البعث الحاكم خلفية خطابه ، وأن لا يتضمن هذا الخطاب ، سواء في القسم المكتوب منه أو المرتجل ، كلمة واحدة عن التعديل الدستوري أو حالة الطواريء والأحكام العرفية ، وعن الاعتقالات والمحاكمات التعسفية المتواصلة وخاصة لنشطاء الرأي وحقوق الإنسان ، وليؤكد أن المطالب بتحرير الإنسان السوري من وصاية وهيمنة " الحزب القائد " ، وبناء نظام وطني ديمقراطي تسوده المساواة في الحقوق والواجبات ، ليس بوارد لديه الإجابة عليها أو الاستجابة لها ، وأنه مازال يعتبر الآخر غير البعثي السلطوي ناقص الأهلية الإنسانية والسياسية والوطنية ، حتى يقبل هذا الآخر الانضواء تحت قيادة " الحزب القائد " ، ويصبح جزءاً من آليات النظام ضد من يتمسك بحقه برأي مغاير وتصور آخر وطني ديمقراطي في إدارة الدولة وبناء الوطن

ولعل أبرز ما يلفت في الخطاب ، هو أسلوب عرض " الرئيس " لأدائه في الدورة الرئاسية الأولى ولأدائه المقبل في الدورة الثانية . فهو يستخدم التهويل بالحروب حوله تارة ، والتركيز على تفاصيل أمنية تارة أخرى ، لتبرير تأجيل تنفيذ الوعود أو القرارات أو لإعادة ترتيب الأولويات . ويستخدم الاحتلال الأميركي للعراق مشجباً يعلق عليه نواقصه الاقتصادية وأخطائه السياسية وممارساته القمعية . زاعماً بما معناه ضمناً ، لو أن هذا الاحتلال لم يكن لاستطاع أن يحقق أداء ما وعد به في خطاب القسم الأول ، وخاصة في مجال الإصلاح في حقوله المختلفة

وهنا دخل في لعبة ترتيب الأولويات ، متناسياً أن ضربه لربيع دمشق ، وا ستبداله لمفهوم الإصلاح من سياسي إلى اقتصادي إلى إداري وتجميده ، قد تم قبل الاحتلال الأميركي للعراق . وإذا كان من أثر ما لهذا الاحتلال على الوضع السوري ، فهو أنه منح النظام فرصة ا ستغلال المخاطر المحيقة بالمنطقة ، التي جسدتها غطرسة وعدوانية بوش ، ذريعة للتهرب من المطالب الديمقراطية ومن حاملي برنامجها وشعاراتها

على أن كل ما حصل وما سيحصل من تداعيات شرق أوسطية لايلغي أولويات الاصلاح الديمقراطي المطلوب تحقيقها في البلاد ولايعدل جوهرياً في ترتيبها . وإنما يلح ، إذا أحسنا النوايا ، على أهمية ترتيبها المنطقي وأهمية تحقيقها لمواجهة تلك التداعيات التي جرت والتي ستجري لاحقاً في المنطقة
وحتى لانتهم بالغباء عندما نضع الحصان وراء العربة ، فإن ما هو مطلوب أولاً هو إلغاء المادة الثامنة وأخواتها من المواد الأخرى في الد ستور المعوقة للمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ، وإعادة النظر في حالة الطواريء والأحكام العرفية ، بحيث تقتصر على مناطق الحدود مع العدو وفي حالة الاشتباك معه ، ورفعها بالمطلق من ميدان الحقوق المدنية والسياسية في الداخل . وهذه الأولوية إذا تحققت يمكن أن تتفاعل موضوعياً مع ترتيب الأولويات في المجالات المتعددة الأخرى .. الاقتصادية والإدارية والأمنية وغيرها

واللافت أن " الرئيس " يطلب المزيد من الوقت حتى تتمكن أولوياته المختارة من مواجهة الحكم عليها . والسؤال هنا : إذا لم يكن هناك شفافية إعلامية وسياسية ونقابية متحررة من سيطر الاستبداد والقمع ، فكيف سيتمكن المواطن من متابعة تطبيق هذه الخيارات ، على افتراض أنها خيارات صحيحة ، وكيف سيتمكن من تقويمها إذا حصل انحراف فيها لوقف مضارها ، سيما وأن المسألة تتعلق بأهم حقول المصير الوطني في السياسة والاقتصاد والمال العام والثروة الوطنية ؟
ولدينا كمثال ، في سياق خيار الأولويات ، هو خيار اقتصاد السوق ، الذي يجري قدماً تطبيقه مع ملحقاته في الخصخصة الشاملة ورفع الدعم الحكومي للمواد المعاشية الأساسية ، ضمن عقلية الإمعان في الاستبداد ، أي الإمعان في إطلاق حرية سوق البضائع والرساميل دون حرية سوق العمل ، أي دون الحريات الديمقراطية والنقابية . فهل على المواطن الانتظار عشر سنوات مكبلاً بآليات الاستبداد الأمني والسياسي والاقتصادي ليأخذ هذا الخيار أبعاده التدميرية الكاملة .. فوضى اقتصادية شاملة .. فقراً أكثر سواداً .. أزمات أكثر .. وأكثر تعقيداً .. حتى يسمح له ، إذا سمح له لغاية في نفس يعقوب ، بالاحتجاج لوضع حد لمافيا الرأسمالية السلطوية الحاضنة الرئيسية لهذا السوق ؟

وفي هذا السياق تناول الخطاب مسألة الفساد ومكافحة الفساد من وجهة نظر أنها مسألة إدارية وأخلاقية وتربوية ، مبعداً إيّاها قسراً عن الحالة الاقتصادية وعن السياسة .. وعما هو أهم .. عن بنية النظام الد ستورية وماهيته الأخلاقية ، وتغاضى عن أن قمة هرم الفساد هي أن يكون الحزب الحاكم بالقوة فوق الناس جميعاً ، وأن يجرد هذا الحزب الشعب بالقوة من حقوقه في اختيار حكامه ومصالحه ومصيره ، ما يخلق .. وقد خلق فعلاً مناخاً حكومياً وسياسياً وأخلاقياً لتعميم الفساد من قمة الهرم حتى قواعده ومربعاته التحتية الاقتصادية والإدارية ، وقد فاقمه بتسارع واتساع فلتان الأسعار والغلاء والتمايزات الطبقية الحادة وتردي الوضع المعاشي وضعف القدرة الشرائية للرواتب والأجور . بمعنى أن الفساد مسألة .. هي بالدرجة الأولى .. مسألة سياسية بامتياز .. ومن ثم اقتصادية .. إلى نهاية التواليات المتفرعة عنها

لقد حاول الخطاب البرهنة على صحة ربط العلاقة بين ، الاستبداد والوطنية ، الديمقراطية والدمار ، اقتصاد السوق والنهوض الاقتصادي ، ثراء الطبقة الحاكمة وتحسن المستوى المعاشي للمجتمع ، وركز على ربط وإعادة ترتيب الأولويات بالأمن والاستقرار أي باستدامة النظام . في حين أن مصلحة البلاد ومعايير العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تطرح وجهة نظر أخرى مغايرة في تلك العلاقات المتناقضة وهي تقوم على ربط العلاقة بين ، الوطنية والديمقراطية ، الاستبداد والدمار ، الاقتصاد الوطني المعتمد على قطاع عام متطور والنهوض الاقتصادي ، ربط الأجور بالأسعار ورفع القدرة الشرائية في المجتمع وخاصة للطبقات الشعبية والتوازن الإنساني العادل بين كتلة الأجور وفائض القيمة في الناتج الإجمالي الوطني والرفاه المتوازن في المجتمع

وكيفما كانت الظروف ، فإن الأولويات المحرم التلاعب بها ، وإنما وضها دائماً في مقدمة الأولويات هي ، مسألة تحقيق المساواة بين المواطنين وتمتعهم بكرامتهم وبحقوقهم الديمقراطية الكاملة .. التي وحدها تؤمن التكافل الاجتماعي وتبني الاقتصاد وتبدع الثقافة والحضارة ، وتؤمن الاستقرار واستدامة الكيان الوطني .. الذي هو فوق كل الأنظمة العابرة ..











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 3 خطوات ستُخلّصك من الدهون العنيدة


.. بمسيرات انقضاضية وأكثر من 200 صاروخ.. حزب الله يهاجم مواقع إ




.. نائب وزير الخارجية التركي: سنعمل مع قطر وكل الدول المعنية عل


.. هل تلقت حماس ضمانات بعدم استئناف نتنياهو الحرب بعد إتمام صفق




.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل