الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السير رشدي والمستر لوكاريه

صبحي حديدي

2007 / 7 / 24
الادب والفن


«أنت جاهل أمّي، وحمار مغرور، وحليف لأعداء الحرية»، كتب الأوّل.
« عار عليك! أنت ممجّد لذاتك، ومتغطرس، واستعماري»، كتب الثاني يردّ.
الأوّل هو الروائي الشهير سلمان رشدي دون سواه، صاحب «العار» و«أطفال منتصف الليل» و«آخر حسرات المغربي»؛ والثاني هو الروائي الشهير جون لوكاريه دون سواه أيضاً، صاحب عشرات روايات التجسس ذائعة الصيت، ومخترع شخصية الجاسوس الغربي الظريف جورج سمايلي، المنخرط أبداً في معركة حامية الوطيس ضد كارلا، الشخصية النقيضة والضابط في الـ KGB . الأوّل هندي، سليل الشرق الآسيوي، وأحد القلائل الذين أبدعوا في التخييل الروائي الملحمي حول معضلات المواجهة بين الشرق والغرب، والثاني بريطاني سليل الغرب الأوروبي وأحد كبار الأساتذة في التخييل الروائي البوليسي حول المواجهة ذاتها.
وفي مناسبة منح رشدي مرتبة الفارس (ولا أجادل هنا في جدارته باللقب، بصرف النظر عن الدوافع الرسمية الحقيقية، الحميدة او الخبيثة، التي كانت وراء اتخاذ القرار)، أستعيد هذا السجال لسبب محدّد: أنّ المواطن المستر لوكاريه، على نقيض الفارس السير رشدي، كان قد رفض اللقب ذاته واقتدى في هذا بأمثال الشعراء و. ب. ييتس، روبرت غريفز، روديارد كبلنغ؛ والروائيين توماس هاردي، جوزيف كونراد، غراهام غرين، ألدوس هكسلي، دوريس لسنغ؛ والكاتب وضابط الاستخبارات الشهير ت. إ. لورانس (العرب)، والمسرحي هارولد بنتر، والسينمائي كين لوش، والممثّل كنيث برانا، والإذاعي جون سنو ...
السجال قد اندلع قبل سنوات على صفحة الرسائل في صحيفة الـ«غارديان» البريطانية، ثم اشتعل أواره أكثر فأكثر، فاتخذ التحرير القرار الصائب الذكيّ بنقله من الصفحات الداخلية إلى الصفحة الأولى. ولقد أفرد لكلّ من «الأمّي الحمار» و«المتغطرس الإستعماري» صورة ملوّنة (على غير عادة الصحيفة، تلك الأيام)، مع مانشيت خبيث يقول: «المراسلات الشيطانية»، نسبة إلى "الآيات الشيطانية"، رواية رشدي الأشهر والأضعف في آن. القرّاء ذُهلوا أوّلاً، ثمّ ضحكوا، ثمّ استمتعوا، ثمّ... امتعضوا وضربوا كفاً بكفّ حين بلغ السجال أوجه. وكانوا ـ قبل ابتداء الفصول المقذعة، على الأقل ـ يظنون أنّ المعركة الشهيرة بين الروائيين الأمريكيين غور فيدال ونورمان مايلر (1971) هي حاملة الرقم القياسي في عدد ونوعية ومستوى الشتائم المستخدمة، حتى باغتهما رشدي ولوكاريه بما هو أدهى وأشنع وأقذع!
فصول الحكاية هي التالية، باختصار:
ـ تنشر الـ«غارديان» عرضاً لحوار بين لوكاريه والمؤسسة الأنغلو ـ إسرائيلية، يدافع فيه عن روايته «خيّاط بناما»، وينفي عنها تهمة العداء للسامية، ويندد برافعي الفزاعات الفكرية في وجه المخيّلة، ممّن يحيلون الكاتب إلى ساحر يتوجب اصطياده.
ـ يتبرّع رشدي يتبرّع بالردّ على لوكاريه، فيكتب أنه كان سيتعاطف مع شكوى الأخير لولا أنه شارك في حملة التضليل ضدّ رشدي خلال الأوقات العصيبة التي أعقبت صدور فتوى الإمام الخميني عام 1989.
ـ لوكارية يردّ مستهجناً: «لم ألتحق بصفوف الذين هاجموا رشدي، ولكني لم أطرق الدرب السهل فأعلن مثل سواي أن رشدي هو البريء الطاهر. كان موقفي أنه ما من قانون في الحياة أو الطبيعة يقول إنّ إهانة الأديان الكبرى يمكن أن تمرّ دون عقاب».
ـ رشدي يردّ بأن حرّية التعبير ليست مطلقة اليوم لأنّ الكاتب لا يمتلك إلا الحريات التي يقاتل من أجلها، ولا يخسر إلا تلك التي لا يقاتل في سبيل نيلها، ثمّ يكتب متهكماً: «كنت على الدوام أظن أن جورج سمايلي أدرك هذه الحقيقة، التي يبدو أن خالقه [أي لوكاريه] قد نسيها تماماً».
ـ لوكاريه يعيب على رشدي «هذا اللاتسامح الثقافي الذي يهين عقائد الآخرين متستّراً بقناع حرّية التعبير». رشدي يردّ: «إنني ببساطة لا أعتقد أن القسس والملالي، دع جانباً مفجّري العبوات الناسفة والقتلة، هم الذين يرسمون حدود المسموح بالتفكير فيه». على منوال كهذا تواصل السجال، فتضمّن عشرات المفردات المقذعة من نوع «حمار» و«أمّي» و«قليل أدب» و«شهيد كاذب»، بل وذهب رشدي بعيداً حين استخدم المفردة الإنكليزية Ass وهو يناور على معنييها الأشهرين: حمار ومؤخرة!
المحتوى المعلن لذلك السجال انطلق من مبدأ مشترك هو الدفاع عن حرّية الكاتب وحرّية التعبير ضدّ منتهكي هاتين الحريتين، سواء أكانوا من آيات الله والملالي في حالة سلمان رشدي، أو كانوا من ناصبي الفزّاعات الفكرية وصائدي السَحَرة في حالة لوكاريه. أمّا المحتوى الخفيّ للسجال فقد كشف عنه النقاب محرّرو الـ«غارديان» أنفسهم، حين أعلنوا أنّ حكاية الحرّية تلك ليست سوى الستار، وأنّ بواعث الغيرة والحسد والثأر الشخصي بين لوكاريه ورشدي هي التي حكمت «اللعبة» منذ البداية: عام 1989 حين أبى الأوّل المصادقة على «البراءة الناصعة» للثاني، فثأر رشدي وكتب مراجعة شديدة القسوة لرواية لوكاريه «البيت الروسي».
كان هذا السجال صفحة جديدة في «تراث عريق من الرسائل الأدبية التي تقطر سمّاً»، كتب مارك لوسون المحرر في الـ«غارديان»، موضحاً أنّ «الثأر الشخصي الدنيء» كان الشرارة التي منها اندلع اللهيب، واللهيب المضاد. وإذا كانت تلك سويّة الفرسان، حامل الرتبة مثل رافضها، فعلام الضجّة حول شرف اللقب ذاته؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى