الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضد الاحتلال الأميركي، ودكتاتورية البعث معا!

باتر محمد علي وردم

2003 / 9 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كاتب أردني
 
تنشر بالتزامن مع صحيفة الدستور الأردنية
 
أؤمن بأن الزوايا اليومية ليست ملكا للكاتب بقدر ما هي ملك للقارئ، والذي يملك الحق في الحصول على معلومات وتحليلات مفيدة من هذه الزوايا أكثر من الآراء الشخصية، ولذلك أحاول دائما الابتعاد عن العنصر الذاتي، ولكنني استأذن الأخوة القراء بالاستثناء في هذه المقالة.
والسبب في ذلك انني تلقيت خلال الأيام الماضية الكثير من الرسائل والمكالمات الهاتفية والملاحظات الشخصية من المعارف والأصدقاء والقراء التي أبدت عدم الرضا عن بعض مما كتبته في الأسابيع الماضية من نقد للنظام العراقي السابق وممارساته الدكتاتورية، بحجة أن هذا النقد يخدم الاحتلال الأميركي حاليا. أما الأخوة الذين كانوا أكثر هجوما فقد اتهموني بالدفاع عن الاحتلال الأميركي لا سمح الله.
والواقع أنه إذا كان ثمة شيء أفتخر به في حياتي الإعلامية فهي أنني لم أزر يوما السفارتين العراقية والأميركية، ولم يكن لي أصدقاء فيهما، ورفضت دائما زيارة العراق تحت حكم البعث الدكتاتوري ورفضت زيارة الولايات المتحدة بنفقات تدفعها السفارة الأميركية، وهذا كله يعود إلى موقف واضح ضد الدكتاتورية والقمع وانتهاك الكرامة والإنسانية التي مارسها نظام الرئيس صدام، وبنفس الوقت الرفض التام للسياسات الاستعمارية للولايات المتحدة ودعمها للاحتلال الإسرائيلي وصولا إلى احتلالها الفعلي للعراق الآن.
وانتقادي للنظام العراقي السابق يعود إلى أكثر من عشر سنوات، عندما زالت الغشاوة عن عيني ومن خلال معرفتي بأصدقاء عراقيين كثر عرفت مدى القمع والبطش والوحشية التي كان يحكم بها صدام العراقيين. ولأن الكرامة الإنسانية والحق في الحياة والحريات العامة هي أهم المعايير في الحياة فإن انتقاد النظام العراقي وسلوكياته بالنسبة لي قضية تدعو إلى الفخر وليس إلى الخجل، لأن ما تعرض له الشعب العراقي يفوق الوصف، والضمير الإنساني المجرد لا يمكن أن يبرر هذا القمع بحجة الصمود القومي ومواجهة إسرائيل. كما أن قصف مدينة عراقية بالسلاح الكيماوي وقتل عشرات الآلاف من العراقيين الأكراد لا يمكن لأي ضمير إنساني أن يبررهما ولو حتى بحجة تحريرها من الاحتلال، وهذه بالمناسبة فرية غير صحيحة ايضا!
طوال خمسين سنة صادرت الأنظمة العسكرية العربية حريات الناس وحقوقهم، وقتلت الآلاف من المعارضين السياسيين، وعذبت أضعاف هذا العدد وانتهكت كرامة الإنسان العربي بحجة أن لا صوت يعلو فوق صوت معركة التحرير ضد إسرائيل. والآن يراد لنا أن نسكت عن جرائم نظام صدام بحجة أن لا صوت يعلو فوق صوت معركة تحرير العراق، التي يخوضها الكتاب والمثقفون العرب عبر الصحف، ولا يشغلون نفسهم ولو للحظة بسؤال الشعب العراقي عما يريده فعلا وكأن هؤلاء العراقيين لا يحق لهم إلا أن يكونوا وقودا وحطبا للمعارك القومية والأصولية العربية.
نكتب يوميا ضد الاحتلال الأميركي وسياسات واشنطن في المنطقة، ولكننا أيضا مارسنا الكثير من الموبقات ضد أنفسنا، والنقد الذي نكتبه ضد النظام العراقي السابق مبرر أخلاقيا وهو مطلوب حتى لا يتكرر هذا الفصل الأسود في بلد عربي آخر. بل أنه من الضروري أن يتم تأسيس متحف تاريخي للقمع الذي مارسه حزب البعث طوال 35 سنة وترتيب زيارات للمثقفين والإعلاميين العرب إلى هذا المتحف لتهز ضمائرهم وتزلزلها من جذورها وتجعلهم يرون واقع وحقيقة المأساة العراقية، ويعملون كل ما في وسعهم حتى لا تتكرر هذه المأساة في بلد عربي آخر.
الموقف الأصعب في هذه الأيام هما في الالتزام بالمعايير الإنسانية والديمقراطية، والتي تعني ضرورة أن نكون ضد الاحتلال الأميركي للعراق، ولكن بدون أن ننسى أو نتجاهل جرائم البعث، والأسوأ من ذلك أن يقوم البعض بتبرير هذه الجرائم بل ويطالب بعودة الجلادين مرة أخرى ليسوموا الشعب العراقي العذاب.
خلاصة الأمر أن الكرامة والحرية الإنسانية هي المعيار الأخلاقي الوحيد الذي يجب أن ننطلق منه، وفي هذا المعيار فإن جرائم إسرائيل ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني وجرائم الولايات المتحدة ضد الشعب العراقي وجرائم الصرب ضد البوسنيين والمسلمين في ألبانيا وجرائم الروس ضد الشعب الشيشاني وجريمة حلبجة ضد الأكراد وجريمة نيويورك ضد المدنيين في الطائرات ومركز التجارة هي كلها جرائم ضد الإنسانية بنفس التعريف الأخلاقي، ولا يمكن تبريرها ولا الدفاع عنها، لأنها تستهدف الأبرياء وتنتهك الكرامة الإنسانية. وما دامت قلوبنا تنبض، وما دامت ضمائرنا مستيقظة وما دمنا نؤمن بالله، فإننا يجب أن نرفض كل هذه الجرائم معا، حتى نكون أصحاب نزعة إنسانية فعلية ونحترم خصائصنا كبشر، التي أكرمنا الله بها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت