الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشفاهية..الداء المستعصي في الثقافة العربية الحلقة 2

ثائر العذاري

2007 / 7 / 26
الادب والفن


في أحد الأيام كنت مدعوا لحضور افتتاح مستوصف في إحدى مناطق مدينة الكوت ، وهناك التقيت احدى الصديقات المعروفات اقليميا في نشاطهن في تنمية المرأة ، ودار بيننا حوار سريع عن قضية الشفاهية هذه ، وسرعان ما فاجأتني هذه الصديقة بعيارة لم أكن أتوقعها ، قالت : أنا دائما أقول ان العروبة ظاهرة صوتية.
صدمتني هذه العبارة وجعلتني أعيد النظر في كثير من المنطلقات والمفاهيم ، هي عبارة قصيرة ، لكنها تنطوي على تفسير بليغ للظاهرة العربية. الا ترى معي ان جل براعة العرب في الصوت ؟ عرّفوا الفصاحة بانها حسن التأليف بين الأصوات بحيث لايعتورها التنافر ، وانظر الى النحو والاعراب والصرف والبلاغة بكل فروعها سترى انها – في معظمها – لا تعدوا ان تكون وصفا وتصنيفا للظواهر الصوتية .
اما اذا طلبت منك ان ننتقل الى الشعر وعلومه فانت تعرف ماذا سنواجه ، فالشعر قبل كل شيء هو ذلك الكلام الموزون المقفى ، وهذا الشرط الاولي الذي لا تتحقق الشعرية العربية من غيره ليس الا شرطا صوتيا ، ثم انظر الى العدد الهائل من دراسات العروض والقوافي ومئات المصطلحات التي لا يمكن لعاقل ان يضيع وقته في حفظها ، وانظر كيف وصفت هذه المصطلحات انظمة صوتية دقيقة وربما كانت هذه الانظمة في بعض الاحيان خيالية لم يستخدمها شاعر عربي،
هذا المدخل ذاته قد يفسر لنا عدم نشوء الفنون السردية في الأدب العربي حتى القرن العشرين فالذائقة العربية لا تقبل كلاما لا يعتمد الصوت وانظمته عنصرا اساسا في بنائه ، أما الخطابة فقد ازدهرت مع انها فن نثري ، فقد طور العربي اساليب صوتية عدة تجعلها مقبولة ومرحبا بها ، فالسجع والمقابلة والجناس وما شابهها تقنيات لا تخلوا منها خطبة ناجحة.
ودعني في آخر هذه المقالة أطلب منك أن تتذكر كتب الإعجاز ، وانظر ما الإعجاز الذي أحسه العربي في القرآن الكريم ، فالجرجاني والباقلاني والرماني وغيرهم صبوا جل همهم على الظواهر القرآنية الصوتية وراحوا يبحثون تناغم الاصوات وانسجامها وحلاوة التكرار وطلاوته. ومن العجيب ان يظهر باحث أكاديمي يعيش في الولايات المتحدة الامريكية في الربع الاخير من القرن العشرين ليعمل بضعة أعوام في دراسة الاعجاز القرآني باستخدام الكومبيوتر ، وهو السيد رشاد خليفة ، ثم يخرج بعد كل ذلك العناء بان القرآن الكريم مبني بناءً صوتيا محكما ، اذ ان كل حرف فيه وضع في مكانه استنادا الى خطة صوتية معجزة قائمة على العدد 19 ومضاعفاته.
(العروبة ظاهرة صوتية) يمكن أن تفسر لك الكثير من الظواهر المحيرة في الثقافة العربية ولكن هذه العبارة هي نتيجة أو مظهر من مظاهر الشفاهية لا غير.

ولما يزل للحديث بقية طويلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر