الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشفاهية..الداء المستعصي في الثقافة العربية الحلقة 1

ثائر العذاري

2007 / 7 / 25
الادب والفن


كنت دائما أذكر طلبتي وأنا أدرسهم مادة الأدب العربي الحديث أننا ربما نكون الأمة الوحيدة على وجه الأرض التي تمتلك تراثا متواصلا يمتد إلى هذا العمق الغائر في جوف الزمن ، ولكن دائما كنت أضيف إلى هذا بأن علينا أن لانعد ذلك موضوعا للتفاخر وأن نفكر بالعبء الهائل الذي ننوء به جراء هذا التراث ، فأولا علينا أن نتنبه إلى أن كثيرا من مسلماتنا وبدهياتنا ليست مسلمات ولا بدهيات ولكننا نظنها كذلك بالتقادم كما يقول القانونيون.
يرى بعض علماء النفس أن العادات الاجتماعية والثقافية يمكن أن تتحول إلى صفات بيولوجية نتيجة تداولها مدة طويلة من الزمن ، لتصبح صفاة موروثة مثل لون العينين والشعر. ولك أن تتصور اذا ما صدقت هذه الفرضية كم من أفكارنا التي نعتنقها ونظن أنها قيم مطلقة، انما هي مجرد أوهام استقرت في عقولنا قادمة من ظهور آبائنا وأجدادنا.
في هذا المقال القصير أردت أن ألفت الانتباه إلى قضية ربما تكون من أخطر ما تعانيه الثقافة العربية المعاصرة ، الشفاهية.
الشفاهية ببساطة تعني أن تأخذ علمك من السابقين وأن تحفظه وتردده لتنقله إلى الآخرين بأمانة، والشفاهية لا تعنى بالحوار بل تفترض وجود طرفين متحدث ومستمع ، ولا يمكن لهما تبادل دوريهما في جلسة واحدة.
المتحدث ينتظر كلمات الاعجاب من المستمع، ولذلك تراه شديد الاهتمام بردود أفعاله التي تظهر في تعابير وجهه وحركة يديه ورجليه ، والمتحدث يوجه حديثه توجيها آنيا من أجل انتزاع كلمات الاعجاب تلك، ربما يغير نبرة صوته او يخفف او يشدد حدة مفرداته، لهذا تجد خطباءنا يرفعون عقيرتهم بالصياح والصراخ على الرغم من وجود أجهزة تكبير الصوت أمامهم.
المشكلة الأكبر التي ورثناها حسب قوانين مندل في الوراثة هي شفاهيتنا في كتابتنا، هل تدري أن أجدادك من أمثال المفضل وأبي عمر والأصمعي كانو يعيبون على الراوي أن يكون عارفا القراءة والكتابة، وكانوا لا يأخذون عنه لأنه يستقي علمه من القراطيس ، وكانو يطلقون عليه لقبا كان يعد شتيمةفي تلك الأيام ، وهو(صُحُفي) ولكن بعد سنين أصبح من غير الممكن لذاكرة انسان ان تحفظ هذا الكم الهائل من التراث الذي جمع فاصبح الشيوخ يجاهرون بالكتابة في حلقات الدرس ، فيملون الاخبار التي حفظوها على تلاميذهم ، ثم يمنحونهم شهادة تؤيد انهم سمعوا تلك الاخبار وحفظوها وتجيز لهم اعادة روايتها،
وعلى الرغم من أننا نتمظهر بمظهر العلمية والتأمل ، فاننا لما نزل شفاهيون إلى العظم . فترانا حين نكتب نحاول تخيل انفعالات القارئ ونكيف كتابتنا حسب هذه الانفعالات.
هذا الفهم يوضح لنا أشياء كثيرة، فهذا هو سبب كون الشعر العربي شعرا غنائيا وجدانيا ، ولا تقبل ذائقتنا (الموروثة طبعا) غير هذا النمط منه. فالشعر المبني على التأمل وافتراض لذة اكتشاف القارئ للعلاقات العميقة في النص ليس شعرا شعبيا بل هو شعر الصفوة ، والصفوة هم أولئك الذين يظنون أنهم انعتقوا من مرض الشفاهية المزمن.
لما نزل نفرض على طلبتنا أن يعرفوا ويحفظوا أن الشعر قائم على العاطفة والخيال ولم نقف عند هاتين الكلمتين لنتأمل مضمونهما، ولم يسألنا يوما أحد طلبتنا عن تعريف للعاطفة أو تعريف للخيال ، ولذلك لم نتنبه إلى أن هذه مفاهيم شفاهية لم تعد صالحة لعصر العلم اذ لا يمكن تعريفها مما يجعلنا نحس معناها احساسا بما لدينا من معارف اجدادنا.
وللحديث بقية
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر