الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا والدرع الصاروخي الأميركي والوضع العالمي

رشيد قويدر

2007 / 7 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة مراكمات عديدة لوقائع وخلافات بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية، سبقت أزمة > الذي تنوي واشنطن نشره في أوروبا الشرقية، وتحديداً في بولندا بالإضافة إلى محطة رادار لرصد الصواريخ الباليستية في تشيكيا. وقد دشنت الأزمة المحتدمة الراهنة باعتبار > أحد أضلاع المثلث الاستراتيجي للإدارة الأميركية الراهنة، بما تعني من بداية إعادة الانتشار للوجود العسكري الأميركي في أوروبا الشرقية، نحو التخوم القريبة من الحدود الروسية، الأمر الذي حذر منه الرئيس الروسي بوتين في القمة الروسية ـ الأوروبية في هلسنكي في 24 تشرين الثاني (نوفمبر)2006. بقوله:<<التهديد بظهور جدار فاصل جديد في أوروبا>>، بفعل الهيمنة الأميركية، وذهنية الأحادية التي تسيطر على اتخاذ القرارات، معبراً عنها بـ<<عقيدة بوش>> ـ الحرب الاستباقية، للبناء على متغيرات في الأوضاع العالمية لتعزيز شراسة الهيمنة. وتشكل هذه العقيدة الضلع الثاني في مثلث <<استراتيجية الأمن القومي>> الأميركية.
وقد صدرت <<استراتيجية الأمن القومي>> عن إدارة بوش، في 17 أيلول (سبتمبر) 2002، لتؤكد وتترجم الحرب الاستباقية ضد مايسمى بـ<<الدول المارقة>>، مشيرةً إلى أن واشنطن لن تسمح لأحد بتحدي هيمنتها العسكرية، وأنها لن تتردد في التحرك بمفردها دفاعاً عن مصالحها القومية، وإمكانية استخدام السلاح النووي في حال تطلبت الحرب ذلك. وبدأ النقلة الأولى في 13 كانون الأول(ديسمبر) 2001، حين حسم الرئيس بوش مصير معاهدة (أي.بي.إم) مع روسيا للدفاع المضاد للصواريخ، منهياً بذلك الاستقرار السائد حينها، بإعلانه الإنسحاب من طرف واحد، مبرراً موقفه بالقول:<<لا أستطيع، ولاأسمح، ببقاء أميركا جزءاً من معاهدة تمنعنا من التزود بأنظمة دفاعية فاعلة>>.
مباشرةً أدانت موسكو وبكين موقف واشنطن، في حين بذلت موسكو جهداً مكثفاً في سبيل المحافظة على المعاهدة، وبحثاً عن لغة مشتركة. مستندة في ذلك إلى تاريخ الحوارات السوفييتية و(الروسية) ـ الأميركية، منذ ستالين وروزفلت، والصلات الشخصية، التي أرسيت بينهما في طهران ومالطا، والتي ساعدت في إقامة تعاون مشترك خلال أعوام الحرب العالمية الثانية. ثم ليونيد بريجينيف وريتشارد نيكسون وسياسة بداية الإنفراج، التي أوصلت إلى عدد من الاتفاقيات الهامة، لاسيما توقيع المعاهدة المذكورة (أي. بي. أم) عام 1972، لتتخذ هذه الصلات منحى آخر مع ميخائيل غورباتشوف آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، وفي فترة رئاسة جورج بوش الأب مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وذلك في لقاء مالطا. ويذكر غورباتشوف ذاته اليوم، بأن الوعود قد تبخرت. الأمر الذي دفعه أثناء انعقاد قمة الثماني الأخيرة في منتجع هايلنغدام الألماني، إلى تكريس دعمه لموقف رأس الكرملين، محذراً من تكرار الحرب الباردة، ومؤكداً قوله:<<بسبب التصرفات والسياسات الأميركية الأحادية والمتغطرسة>>، فمن الصعب أن تفهم موسكو مسألة نشر السلاح على حدودها، في الوقت الذي تلتزم فيه بمعاهدة<<الأسلحة التقليدية>> في أوروبا، وباعتبار ما يجري من مخططات ومشاريع أميركية، لايصيب روسيا وحدها، بل ومعها أوروبا.
على امتداد العام 2001، جرت لقاءات متعددة روسية ـ أميركية ولذات الغرض، قدمت بها موسكو ثلاثة اقتراحات لتطوير المعاهدة وهي: إقامة نظام مراقبة شامل على نشر الصواريخ وتكنولوجيتها، والعمل المشترك على الأنظمة الإقليمية غير الاستراتيجية، ولاسيما نظام الدفاع الأوروبي المضاد للصواريخ، بما في ذلك المتحرك. وإقامة نظام أمن للحيلولة دون عسكرة الفضاء، وأية مقترحات تهدف للحفاظ على الأمن العالمي الشامل، وتلقي اقتراحات بالمقاييس العسكرية ـ التقنية من واشنطن، حول عتبات التقليص ودقته وإجراءات الثقة والشفافية، وهذا كله بحسب الرئيس بوتين في قمة جنوى، بيد أن الرد من واشنطن جاء تصعيدياً.
ومع تخطئة موسكو وبكين لموقف واشنطن، بدأ الحديث المشترك الروسي ـ الصيني حول مسائل دعم الاستقرار الاستراتيجي للمرة الأولى وعلى صعيد العالم، وعلى النطاق الاستراتيجي الشامل. وأوضح الخبراء الروس مطلع عام 2002، أنهم يملكون 30 خياراً مختلفاً على صعيد الحيثيات العلمية ـ التقنية غير المكلفة، تعمل على ترجيح واستعادة الحيثيات السياسية، جاء ذلك في معرض الرد على القاعدة الأميركية لنظام الدرع الصاروخي المضاد، على الحدود القريبة مباشرة من روسيا في الآسكا، فهذا النظام يسقط كل الحجج التي يمكن أن تقنع روسيا، بأن هذا النظام لن يكون موجهاً ضدها، وأن عسكرة الفضاء ستعني إنهاء عمليات غزوه سلمياً، وآثار لا تحمد عقباها. والاستنتاج الوحيد هو أن البنتاغون يسعى إلى الهيمنة العسكرية تعزيزاً للهيمنة الأحادية على العالم.
وتوالى فقدان واشنطن لحسن النوايا والثقة، إزاء حربها واحتلالها العراق، كترجمة للجوهر الفعلي لـ<<عقيدة بوش>>، ويأتي الآن مشروع الدفاع الصاروخي في أوروبا، كصيغة مملاة على الاتحاد الأوروبي بالنظر إلى الالتزامات المفترضة، ومن ثم الارتطام بردة الفعل الروسية على هذا المشروع، وعلى سبيل المثال تتلقى بولندا دعماً مالياً بعشرات المليارات الدولارات، خلال السنوات السبعة المقبلة، خصصه الاتحاد الأوروبي لأعادة تاهيل بنيتها التحتية وتطوير قطاعها الزراعي، بينما الدعم الأميركي السنوي لبولندا يعادل نحو 30 مليون دولار. فضلاً عما يشكل المشروع من تهديد للأمن الأوروبي الموحد، بدأ يفتح على موجات المعارضة الشعبية، التي ترى أن المسببات هي نتاج دولة ليست أوروبية.
بعد دورة من الزمن نحو الراهن، تواصل واشنطن تعزيز ربط الأمن الأوروبي الذاتي بهيمنتها، في إعاقة تطوره الذاتي عبر المشروع الأوروبي الدفاعي الخاص، فضلاً عن التداخل مع قضايا الجيوبولتيك المعقدة، ومسائل الحدود كقضية سياسية، ومنها وضع كثير من العقبات أمام المشروع الوحدوي الأوروبي، كقضية كوسوفو على سبيل المثال. بل كانت قضية الحدود تحل في السابق بين دولتين معنيتين بالنظر إلى حالة العلاقات الدولية، وبعد توسيع حلف الناتو وزحفه شرقاً نحو الحدود الروسية، ستسعى لمعالجة مثل هذه القضايا لصالح الحلف الذي تهيمن عليه، وبعد أن دخلت تلك الدول المتاخمة لروسيا في صفوفه، ومنها دول كانت في عداد فلك جمهوريات الاتحاد السوفييتي، دخلت الحلف ووضعت وسائل الحرب بالقرب من الحدود الروسية، أي توجه تلك الدول إلى معاداة روسيا، مع الأخذ بعين الاعتبار التداخل الواسع في أراضي الاتحاد السوفييتي السابق، وما رسمته نتائج الحرب العالمية الثانية في أوروبا الشرقية، حيث يمكن لأية دولة من الأعضاء الجدد في الحلف، الإدعاء بملكية أجزاء من الأراضي هنا أو هناك وخاصةً مع روسيا، الأمر الذي سيؤدي إلى نشوب صراعات مسلحة حول الحدود، وهو ما تضمنه أحد السيناريوهات السبعة للحلف، وبالذات السيناريو الثالث الذي وضعته لجنة رؤساء أركان قوات الولايات المتحدة الأميركية في العام 1991، والذي يتحدث عن حماية دول البلطيق الثلاث من حكومةٍ روسية تتطلع إلى التوسع، إذا ماوصلت إلى السلطة في روسيا. وقد تصبح مقاطعة كاليننغراد مثلاً موضع نزاع إذا ما تهيأت الظروف لذلك، رغم معالجة موضوع الحدود الذي طرأ على مر التاريخ بعد انفراط عقد الاتحاد السوفييتي مع روسيا.
في هذا المنعطف التاريخي الذي يواجه العالم، تغدو أهمية الحرص على إيجاد آلية دولية جماعية، لدعم الاستقرار الاستراتيجي العالمي الشامل، ودون ذلك لامناص من العودة إلى سباق التسلح، وإلى أشكال معينة من التوتر الخطر، ويفرض ميزان الاستقرار الدولي بناء عالم ديمقراطي متعدد الأقطاب، يكفل المساواة بين الدول، والعدالة بين الأمم، واحترام تعدد وتنوع ثقافات العالم. فالجدل الصاخب بين موسكو وواشنطن، هو جدل حول الانفراد الأميركي في حكم العالم، وحول عقيدة الحرب الاستباقية، تدفع إلى التصعيد الروسي الواضح على لسان بوتين <<بتوجيه الصواريخ الروسية إلى الأراضي الأوروبية>> وبأن الولايات المتحدة ستحول أوروبا كلها إلى منطقة تفجير خاصةً وأنها انسحبت من معاهدة حظر انتشار الصواريخ. فاليقين الوحيد لدى موسكو هو استهدف حصارها، وبالتأكيد فهي قضية أمنية روسية عليا، والمطلوب توفير الحماية لأمنها القومي، وجوهر المسألة ليست حراسة حدود مجردة، بقدر ماهي آليات جماعية لدعم الاستقرار الاستراتيجي العالمي، أي تعدد قطبي في مواجهة أحادية قطبية.
بعدما رتبت روسيا أوضاعها الداخلية، لم يعد من الممكن التدخل في شؤونها، خاصةً بعد عودتها كقوة عظمى على المسرح الدولي، معززةً مكاناتها في السياسات الدولية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قررت مصر الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا في هذا التوقيت؟ |


.. بيسان ومحمود.. أجوبة صريحة في فقرة نعم أم لا ??????




.. دول أوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية في 21 مايو/أيار


.. -مطبخ مريم-.. مطعم مجاني ومفتوح للجميع في العاصمة اللبنانية




.. فيديو مرعب يظهر لحظة اجتياح فيضانات مدمرة شمال أفغانستان