الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رقسة نهاية الاسبوع/ القسم التاسع من تاريخ التفخيخ

بركات محي الدين

2007 / 7 / 25
الارهاب, الحرب والسلام


شيّبتني المنابر .. قال عبد الملك بن مروان ، لا عجب ربما شيّبته فعلا لأنه من قومٍ مغرمون بركوب الأعواد وبث الكلام من فوقها للاستيلاء على أَلباب الجموع المحتشدة لاستماع سيل من موجات الطنين والرطانة والفخر الأخرق بالنفس والعشيرة ، إنهم كانوا ولا يزالون يعتقدون أن الأرض يمكن أن تضج وان السماء سوف تنقلع إذا ما أقدم احدهم على اعتلاء كومة من الخشب وإطلاق كومة من الألفاظ من فمه الكريه الرائحة قال شاعرهم :
لقد ضجت الارضون إذ قام من بني ..... سدوسٍ خطيبٌ فوق أعواد منبرِ
بنو سدوس بطن من بطون العرب وهذا الصعلوك الصفيق احد رعايا تلك القبيلة الخاملة الذكر ، هو يعتقد أن الفلك سوف يغيّر دورته الكبرى لسماع إحدى خطبِه البدائية ، امةٌ مولعة بالكلام كان نتاجها الأكبر في التاريخ حضارة كلامية أيضا ، الباري تعالى خَبِر هذا الشغف المقيم لديهم فجعل معجزة نبيّهم الكبرى من جنس مايحبون , ولقد فعل الكلام المعجز بهم ما لم يفعله فلق البحر وانبجاس الحجر وإحياء البقرة في غيرهم ، (( فقام فيهم خطيباً )) .. عبارة عزيزة على نفوسهم تطالعك دوما كلما تصفحت تاريخهم أو سِيَر رجالهم فتاريخهم هو جمهرة من الخُطب البليغة المشفوعة بالأفعال المناقضة ( يا أيها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون ... قرآن كريم ) ،
خُطَب الحجاج وعبيد الله بن زياد توحي بأنهما كانا ملَكَين يمشيان على الأرض هوناً لكن سيرتهما الذاتية تؤكد إنهما كانا اعتى سافلين وطأت أقدامهما ثرى كرتنا الارضــــمائية ، على كل حال عندما أتى الإسلام لم يستطع أن يقاوم الهوس الجماعي لدى أبناء الأمة للانخراط في المباريات الكلامية فقام بتضمين الخطابة في بعض العبادات بل إن الخطبة أصبحت ركنا أساسيا لعبادات مهمة كصلاة الجمعة وصلاة العيدين ويوم عرفة في الحج الأكبر ، مهرجان الخطابة الأسبوعي الذي يقام في ظهيرة نهاية الأسبوع يكون مثمراً نوعا ما في أيام الأمة المطمئنة الخالية من الشغب والعنف لأنه يكون عبارة عن بعض المواعظ الدينية والأخلاقية المصحوبة بالدعاء للسلطان بالحفظ وطول العمر وغالبا ما كان هذا الدعاء دليلا على خضوع البلد لولاية ذلك السلطان ولو صورياً كما كان يحدث في العصور الأخيرة لملك بني العباس الشكلي ،، أما في أيام الفتنة الكبرى فأن الردح (( الرقص العراقي بحرارة) هو الشيء الوحيد الذي تجده في ذلك المهرجان الأسبوعي ، انك الآن تسمع فقط عهراً ودعاية سياسية رخيصة يقدمها الصغير والقبنجي واضرابهما من قرود المنابر ، انك الآن لن تسمع من على منابر الجمعة في جميع أصقاع هذا البلد المفتون موعظة دينية أو أخلاقية واحدة بل انك لن تسمع آية قرآنية واحدة تحث على البر و التقوى !!
بعد زهد وإعراض عن هذه الشعيرة الأسبوعية الثابتة بالنص القرآني دام لأكثر من اثني عشر قرناً بحجة عدم وجود الإمام المبسوط اليد يعود الشيعة الآن لإقامتها بنَهمٍ منقطع النظير وكأنهم ذاقوا مكاسب هذا المنبر المحاط بهالات القداسة الدينية التي تجعل من مهمة تمرير المطالب السياسية إلى جمهور الفاغرين لأفواههم وكأنها مطالب ربّانية ، فبروتوكولات خطبة الجمعة لا تسمح للحاضرين بأي اعتراض أو نقاش أو تملمُل بل إنها تحثهم على التهليل والتكبير والصلوَتَة مع نهاية كل فقرة حماسية يأتي بها الخطيب ..
بالأمس القريب عندما تجرأّ احد المراجع المخلصين على إقامة الجمعة هادفاً إلى بث الفضيلة والتصحيح الحقيقي للانحراف الاجتماعي والأخلاقي الذي أصاب الأمة في نهاية عقد التسعينات ، تمت محاربته من قبل الذين يحثون أتباعهم الآن على إقامتها وأُتهم الرجل بالابتداع في الدين والعمالة للنظام السابق ، المرجع الأعلى ووكلائه يهللون الآن لها بعدما كانوا يشنِّعون عليها وبعدما جعلوها وراء ظهورهم لقرون !! فهل بُسِطت يد إمامهم أم أن الرقص الآن مختلف ؟ لا شك انه رقص الجمعة السياسي وسط أمةٍ كلامية لا زالت تعبد المنابر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترقب في إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية في قضية -الإبادة ا


.. أمير الكويت يصدر مرسوما بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الشيخ أحمد




.. قوات النيتو تتدرب على الانتشار بالمظلات فوق إستونيا


.. مظاهرات في العاصمة الإيطالية للمطالبة بإنهاء الإبادة الجماعي




.. جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تتعهد بقطع شراكاتها مع إسرائيل م