الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عملية صناعة القرار

محمد بن سعيد الفطيسي

2007 / 7 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


تشكل سلسلة القرارات والإجراءات واللوائح والقوانين التي تعمل على أساسها الدول بشكل عام , الروح الحركية والتفاعلية التي تنظم مسيرة الحياة , بها في الداخل ومع العالم الخارجي , وبمفهوم آخر تعني النظام نفسه , وبالتالي فان ما يقابله في الجانب الآخر هو الفوضى , وعليه فان تلك القرارات المنظمة " لدينمو " الحياة في تلك الدول , تعني صورة النظام الذي تتحرك على أساسه مسيرتها التنموية والحضارية , وانطلاقا من هذا المفهوم , فان خطورة وأهمية صناعة ذلك القرار, وما قد يسببه من فوضى في حال لم يؤسس على قواعد علمية وعملية قوية , يجعل من ضرورة الاعتناء به , بمكانة ومنزلة تحضر ورقي الدولة نفسها , - أي – أن فشل ذلك القرار في تحريك عجلة النظام , سيتسبب في فوضى لا حدود لها , مما سيؤثر بشكل أو بآخر في روح ومسيرة تلك الدولة الحضارية والتنموية في الداخل , وربما علاقتها مع بقية دول العالم , وذلك لارتباط العديد من تلك القرارات الداخلية بالعالم الخارجي , وبالتالي فشلها في مواكبة التغيرات والتحولات الدولية المتسارعة 0
لذا فقد برز الاهتمام من قبل جل دول العالم وحكوماتها بصناعة القرارات انطلاقا من تلك الأهمية البالغة , والخطورة سالفة الذكر , وتنقسم القرارات دائما إلى قسمين , قسم خاص بالسياسة الداخلية للدولة أوالمؤسسة , والقسم الآخر هو ما يخص الجانب الخارجي , - أي – السياسة الخارجية للدولة أو المؤسسة , فأما القسم الداخلي فهو ذلك الجانب الذي يهتم بتنظيم حركة التنمية ومسيرتها العمرانية والإنسانية في الداخل , وذلك من خلال القرارات التي تشكلها القوانين واللوائح المنظمة لها , كقوانين الأحوال الشخصية والجزائية والمرورية على سبيل المثال لا الحصر , وتقوم بصياغتها الجهات المعنية , والأشخاص المخولين من قبل الدولة بذلك , كالقضاة وخبراء الشرطة وأساتذة الجامعات , ومن على شاكلتهم من الأكاديميين والمفكرين , أما بالنسبة لصناعة القرار السياسي الخارجي , وهو الأخطر بكل تأكيد , لما يترتب عليه من ارتباط بالعالم الخارجي , وما قد تنعكس سلبياته على العملية التنموية في الداخل , فيقصد به تحويل الهدف العام للدولة إلى قرار محدد , ويبنى انطلاقا من جهات تبدأ من رئيس الحكومة , ووزير الخارجية , والأجهزة الحكومية الأخرى , وعلى رأسها الاستخبارات ومجالس الأمن القومي والسلطة التشريعية , وفي بعض الدول تساهم الأحزاب السياسية وجماعات الضغط السياسي ووسائل الإعلام والرأي العام في ذلك 0
لذا فإننا ومن خلال هذا الطرح سنحاول اختصار تعريف صناعة القرار Decision Making وخطوات صياغته , والأسس العلمية المفروض توافرها قبل البدء في اتخاذ إجراءات تنفيذ ذلك القرار Decision Taking المحدد , حيث لابد أن نعرف أولا , أن هناك فرق شاسع بين الأول والآخر, حيث تعتبر إجراءات اتخاذ القرار هي المرحلة النهائية من منظومة صناعة القرار, وبالتالي فان هذا الأخير هو الخطوة الأولى والرئيسية في إدارة العملية التنموية والحضارية للدولة بشتى فروعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية و00الخ , وحيث إننا لن نتناول سلسلة الخطوات التي يمر بها إجراء اتخاذ القرار , فقد وجدنا ضرورة التطرق إليها هنا بشكل مختصر, وذلك بهدف معرفة الفرق بين خطوات صنع القرار وإجراءات تنفيذه , حيث تدور عملية اتخاذ القرار في إطار معين يشمل العناصر التالية :- الموقف أو المشكلة , فمتخذ القرار , ثم الهدف والبدائل المطروحة وأخيرا قواعد الاختيار وعملية اختيار الحل الأمثل بين البدائل المعطاة أو المتوفرة , أما بالنسبة لصناعة القرار وهو ما يهمنا هنا , فقد ( تعددت النماذج التحليلية لعملية صنع القرار، ورغم ما يبدو من اختلاف بين الباحثين في هذا الموضوع إلا أن هناك عناصر اتفاق بينهم , كذلك فيتفق كل الباحثين في أن صنع القرار يمر بمجموعة مراحل , إلا أنهم يختلفون في عدد هذه المراحل وترتيبها , وعلى أية حال نجد أن هناك نماذج تحليلية لصنع القرار يتراوح ما تحتويه من خطوات ما بين أربع خطوات وتسع خطوات أساسية يجب أن تتم في ترتيب محدد ) 0
ولنبدأ أولا بتعريف مصطلح أو مفهوم عملية صناعة القرار, فالقرار هو ( البت النهائي والإرادة المحددة لصانع القرار بشأن ما يجب وما لا يجب فعله للوصول لوضع معين والى نتيجة محددة ونهائية , ومن ثم يمكن تعريف القرار بأنه مسار فعل يختاره المقرر باعتباره أنسب وسيلة متاحة أمامه لانجاز الهدف أو الأهداف التي يبتغيها لحل المشكلة التي تشغله ) , كما يعرفه نيجرو Nigro بأنه الاختيار المدرك ( الواعي ) بين البدائل المتاحة في موقف معين , أما من - وجهة نظرنا الشخصية - فإننا نتصور بان عملية إدارة القرار هي سلسلة الخطوات العلمية والعملية المتبعة لتحقيق الصواب في الوصول إلى الهدف المحدد , وهو القرار نفسه , والذي نعرفه بأنه الحل النهائي الناتج عن التفكير النموذجي والعلمي المتبع في سلسلة الخطوات الإجرائية المتعارف عليها في عملية إدارة صنع القرار , دون التطرق إلى صحة ذلك القرار من فشله في نهاية المطاف , فالحقيقة بان القرار قد يتخذ في عملية صياغته الإجراءات المحددة والمرسومة سلفا , ورغم ذلك ينتج عنه قرار أو حل غير صحيح 0
وهنا لا يعود الخطأ في ذلك إلى سلسلة الإجراءات العلمية المتبعة , وإنما إلى النماذج السلبية المطروحة في خطوات الحل , كالمعلومات الخاطئة أو الناقصة عن المشكلة , أو الأساس الخاطئ الذي يقوم عليه القرار , أو التحليل السيئ للمشكلة , كما قد تؤثر النواحي السيكولوجية ( النفسية ) لمتخذ القرار والتوقيت الغير مناسب , و كفاءة الإداري في فشل إدارة عملية اتخاذ القرار , والوصول في نهاية المطاف إلى حل سليم وصحيح للمشكلة المطروحة , وتختلف هنا النماذج السلبية المؤثرة على عملية صنع القرار عن المعوقات التي قد تصادف إدارة العملية نفسها , حيث أن من ابرز تلك المعوقات التي قد تبرز خلال إدارة تلك العملية والتي يشير إليها الأستاذ والباحث هيوزويوين بالاتي : التنظيم الخاطئ للمشكلة و التسرع في اتخاذ القرار والتفكير المزدوج والقرار الوحيد الذي لا قرار دونه والتقصير في عملية الاتصال 0
وانطلاقا من الأهمية القصوى لتلك السلسلة التي سنتطرق إليها , وما قد يترتب عليها من فشل ذريع في التوصل إلى حل نهائي صحيح , في حال لم يتم الوصول فيها إلى أقصى درجات التركيز و الوعي العلمي , فإننا سنحاول تحليلها وشرحها بطريقة أدق , فمثلا نجد بان "جريفث" يحدد هذه المراحل في :- تحديد وحصر المشكلة ومن ثم تحليلها وتقويمها فوضع المعايير والمقاييس المناسبة والتي سيتم حلحلة المشكلة ووزنها من خلالها , فجمع المعلومات الكافية حولها , وأخيرا وضع الحلول الممكنة واختبارها مقدما , فاختيار الحل الأنسب من بينها , أما "لتشفيلد " فيضعها في الصورة التالية , وهي تعريف القضية ومن ثم تحليلها فحساب وتحديد البدائل , فالمداولة وأخيرا اختيار الحل , وبالطبع فقد تطرق الكثيرون بخلاف ما ذكرنا , إلى خطوات تلك السلسلة من الباحثين المتخصصين والمفكرين السياسيين والاجتماعيين والإداريين , وان كان هناك اختلاف بسيط في تلك المراحل بين شخص وآخر , فانه لا خلاف على الخطوات الأساسية التي تنحصر في تحديد القضية أو المشكلة , ومن ثم تحليلها بشكل أكثر تفصيل ودقة وذلك بمعرفة أسبابها وتطوراتها وجمع المعلومات حولها على سبيل المثال , ثم تحديد الحلول الممكنة والمتاحة لاحتواء ما تبقى منها بهدف القضاء عليها بشكل نهائي أو التخفيف من أثارها بقدر الإمكان , وهنا تأتي أهمية المداولة والمشاورة ونوع الأشخاص ومراكز الدراسات والأبحاث التي سيتم التوصل إلى الحل من خلالهم , فاختيار الحل النهائي والأخير 0
وهنا نشير إلى أهمية كل خطوة في تلك السلسلة من عملية إدارة صناعة القرار, وضرورة إعطاءها القدر الكافي من الوقت والاهتمام , وإلا فان النتيجة النهائية والقرار الأخير سيكون عقيم وناقص , وعلى وجه الخصوص , نشير إلى ابرز واخطر تلك الخطوات , والتي نتصورها من وجهة نظرنا تمثل ثلثي السلسة , وهي جمع المعلومات والمداولة التي تعتمد اعتماد كلي على نوعية الأشخاص الذين سيقومون بتقييم المشكلة وتحليلها ورفع حل نهائي بها إلى الجهات المعنية , ( حيث يرى البعض أن من أهم الصعوبات التي تعترض عملية اتخاذ القرار ، عدم توافر المعلومات الجيدة والمتجددة عن ظروف العمل وإمكاناته ، حيث تعتبر المعلومات بمثابة الدعامة الأساسية لاتخاذ القرارات ، ويرجع ذلك إلى المعلومات التي تفيد في تحديد المشكلة والبدائل وتقييمها طبقا للنتائج المرتقبة من كل بديل ، والتغذية الراجعة عن نتائج التنفيذ ضرورية لتقييم القرار واتخاذ إجراءات تصحيحه إذا لزم الأمر ) , وحيث أن لجمع المعلومات تلك الأهمية القصوى في عملية اتخاذ القرار , فانه لزم أن يكون القائمين على تجميعها بالقدر الكافي من الخبرة والكفاءة , كما لابد أن يتم جمع تلك المعلومات دون ضغوط نفسية أو جسدية أو زمنية , وتوفير الأجهزة والأدوات التي تساعد على تسهيل الوصول إليها , وإلا فان ذلك سيؤثر بالتأكيد على جودة وسلامة القرار المتخذ .
هذا من ناحية , أما من ناحية أخرى فنشير كذلك إلى نوعية الكادر المطلوب لإخراج ذلك القرار , فعلى سبيل المثال لابد أن يكون الكادر مؤهل بالخبرة الميدانية والعلمية والثقافية , - أي – أن لا يكون الأشخاص القائمين على صياغة ذلك القرار من الأفراد الذين لا زالوا يبصمون على قرارات الحكومة إن صح التعبير, أو المجاملين والمنافقين أو ذوي المصالح و الأهواء الشخصية , أو ممن يقعون تحت تأثير الضغوط الخارجية والداخلية , كان يكونوا جزء من المشكلة أو لهم صلة بها , بشكل مباشر أو غير مباشر , ( فمن المسلم به أن عملية اتخذ القرار يمكن أن تتأثر بالسلوك الشخصي لمتخذ القرار ذاته ، والذي يتأثر بدوره إما بمؤثرات خارجية أو مؤثرات داخلية كالضغوط النفسية ، واتجاهاته ، وقيمه ، وأفكاره ، وخبراته ، وهذا الأمر يترتب عليه حدوث ثلاثة أنماط من السلوك هي : الإجهاد و الحذر والتسرع ، وهذه الأنماط تنعكس آثارها على الأفراد خلال قيامهم بعملية صنع القرار، فمنهم من يتعامل مع المشكلة بحذر وبطء فتتفاقم آثارها ، ومنهم من يتعامل معها بسرعة فلا يتمكن من الإحاطة بجزئياتها ، والبعض الآخر يتعامل معها بتردد ) وهكذا 0
وعليه فانه قد بات من الضروري , أن تهتم دولنا العربية بشكل عام , والخليجية على وجه الخصوص , بهذا النوع من عمليات إدارة القرار, وذلك من خلال توفير الأشخاص و الكوادر المؤهلة لذلك , أو من خلال رفع كفاءة المؤهل منهم , والمساهمة في بناء مراكز الدراسات والأبحاث المتخصصة في هذا الشأن , وذلك لما لها من أهمية فعالة في بناء خطط التنمية المستقبلية , وعلى وجه الخصوص مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية لما لها من دور أساسي وريادي في توفير المعلومات والدراسات والمخططات الأولية والبحوث العلمية , لفهم تفاصيل بقية الجوانب الحياتية الاقتصادية والتنموية , وذلك من منطلق أن العامل السياسي هو المحرك الأساسي لبقية الأنشطة الحياتية وخصوصا في وقتنا الراهن 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز