الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقت قصير يمنعني من إخباركم بكل الخسائر

ممدوح رزق

2007 / 7 / 25
الادب والفن


أظن أنه من الأجدر بداية أن أثبّت الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول القيمة الجمالية الإنسانية أولا وأخيرا بالطبع لجملة ( المشهد السردي الجديد في مصر ) .. بالتأكيد يبدو أن التخلص النهائي من غريزة تحويل الكائنات والأشياء إلى ( قطيع ) يلزمه تخلص العالم من كائناته الذي يعني تخلصه من نفسه بطبيعة الحال !! ...

كي يتمكن ( المشهد ) من تحقيق مقاصده ينبغي له الحصول على خصوصية ما / هوية منفصلة تميّزه عن مشاهد أخرى قد يتحدث أفرادها بنفس الطريقة وربما ـ وهذا قد يبدو مثيرا للدهشة ـ عن نفس الأشياء ونفس التجارب .. هذه الهوية تتطلب مساحة جغرافية محاصرة بأسلاك شائكة وحرس حدود يؤكدون قدرة العناية الإلهية على حراسة شعوب مذنبة بعدم تمكنها الأزلي من تغيير ما بنفسها !! .. الهوية تتطلب مساحة زمنية محددة هي في حقيقتها غير محددة إطلاقا بسبب عدم قدرة الأحياء ـ وهذا طبيعي جدا ـ الذين يعيشون داخل الجغرافيا السابقة على الاتفاق على بداية واحدة لها أو نهاية واحدة أيضا .. تظل هذه المساحة الزمنية هي فقط ما أشعر به / أحاول فهمه عنها فحسب .. الهوية تتطلب مشروعا محددا تظل فكرته الأصلية هي أساس المعتقد الإنساني لدى فئة من الناس .. تظل هي اليقين والهدف والقيمة التي يكون العمل دائما من أجلها والسير دائما حتى في أشد لحظات الصراع والاختلاف وراءها .. هنا يتحقق ( القطيع ) .. إذن يكتمل ( المشهد ) !! .

في المراحل الزمنية السابقة كان ( المشتغلون بالأدب ) : ( الأكاديميون والنقاد ومحررو الصفحات الأدبية والمبدعون أنفسهم وغيرهم ) كانوا يمارسون وظيفتهم الطبيعية في تثبيت نظريات أدبية تنسجم مع الأيدولوجيا الوطنية تحقيقا لمبدأ الحفاظ على المصلحة العامة الذي لا يختلف عليه أي اثنين وطنيين !! .. لم تكن هذه الوظيفة مجرد استجابة لتعليمات الحكوميين الذين هم أكثر الناس فهما بطبيعة الحال لمتطلبات المرحلة والتحولات التاريخية الشرسة والتحديات الحضارية التي يجب الخروج منها بـ ( ثوابت ويقينيات منتصرة ) !!! .. لم يكن الأمر هكذا فحسب .. كانت هذه الوظيفة أيضا استجابة لمنتج أدبي وفني يشمل كافة الأجناس والأنواع وأشكال التعبير المختلفة التي كانت تحقق نفسها إنطلاقا مما تؤمن به حقا دون أي متاجرة أو استغلال وبصدق بصرف النظر عن كونها تتسق فكريا مع أيدولوجيا الوطن مما جعلها تشارك ـ رغما عنها ـ في مجزرة الثقافة الرسمية ولو بحسن نية .. على جانب آخر كان هناك المنتج الأدبي المختلف والذي امتد أيضا إلى كافة الأجناس والأنواع وأشكال التعبير المختلفة والذي عاش طويلا في عتمة الهامش المنبوذ الغير مرضي عنه والذي لم يكن هناك حاجة أو أهمية للاشتغال عليه ومعالجته تنظيريا كي يتم اعتقاله داخل الأيدولوجيا الرسمية طالما أن محاربته وإقصاءه يتمان تلقائيا وببراعة غبية وساذجة للغاية شجعت بشكل عكسي على تثبيت الثقافة المضادة لوجودها وتطوير أدبياتها الأمر الذي سيتجلى بوضوح تام ـ رغم كونه إحدى الممارسات التي تنفذ مهزلة الوجود أولا وأخيرا ـ مع تعاقب سنوات الألفية الثالثة .

منذ ربع قرن وحتى اللحظة الراهنة أثبت المشتغلون بالأدب بدرجة كبيرة أن النظرية الأدبية هي بالأساس احتياج غريزي أكثر من كونها أيدولوجيا فحسب .. أن إخضاع الحياة إلى نظام / سلطة / مسارات محددة لحركة الوعي هو استجابة منطقية لغياب الثابت المثالي والنهائي / الوصفة الأكيدة لتحقق الإنسان بصفته فردا يجابه نواقص وجوده وكذلك بصفته حاملا لهموم الجماعة البشرية التي ينتمي إليها .. منذ ربع قرن وحتى اللحظة الراهنة ومع انهيار ما كان يسمى بالثقافة الرسمية وتحطم أسطورة أيدولوجيا الوطن الهشّة في مقابل صعود الثقافة المضادة وخروجها من الهامش إلى الفراغ الذي خلّفه موت المشروع الحضاري مع بدايات السياسة العالمية الجديدة ولم يتوقف المشتغلون بالأدب عن ممارسة اللعبة الأزلية في تخصيص خنادق للأفكار / تأملات الإنسان في بشاعة المأزق الذي يعيشه في مكان ما وخلال فترة زمنية معينة مختبرا المعنى الكلي للوجود نفسه ومتخلصا من الاعتراف والإيمان بأي ثوابت أو يقينيات تعطّل تساؤلاته تجاه الحكمة !! .. تخصيص خنادق لما لا يصلح للتخصيص ولا للعيش في خنادق !! .

لأن الثقافة المضادة لم تكن أيدولوجيا ولا مشروعا ولا حتى صيغة للتوافق بين أشلاء المجتمع الواحد أو الوطن الواحد أو ماشابه .. لأنها لم تكن كذلك فهي لم تتحول إلى ثقافة رسمية بل إلى حالة إنسانية عامة شرسة كانت هي البديل الحقيقي والمنطقي لبالون القيم الممزق .. البديل الذي كان حاضرا طوال الوقت وإن تغيرت مواقع وأشكال وجوده والذي كان ( السرد ) بالتأكيد أحد نتائجه الهامة .
السرد الجديد في مصر إذن هو بمثابة توثيق متجدد للخيانة الكامنة في أقرب الأشياء وأكثرها انتماء للذات .. اكتشاف دائم ومحاكمة مستمرة للجريمة المتنقلة عبر الزمن المسماة الحياة .. الاحتفاء الأقرب إلى مراقبة الاحتضار بالتفاصيل الحميمة للقسوة حيث لا يوجد قانون يروّض الشك والفزع في كل ما تجلبه الحواس العادية إلى الروح المحبوسة في حجرة التعذيب المسماة الجسد .. إنتاج تاريخ من جماليات اللاجدوى وعدم الفهم والقلق ونفي التقديس عن كل معرفة والرعب من غياب أي تأكيدات عن المصير النهائي .

أتصور إذن أن المشهد السردي الجديد في مصر لا يختلف مع أي مشهد سردي آخر يحمل نفس الهزائم ونفس الأرق والهموم ويمر بنفس الكارثة والتي لا تعني مسألة ( الهوية ) فيها أكثر من أمانة أبناء هذا المشهد أو ذاك في التعبير الصادق عن تجاربهم الشخصية والتي هي بالطبع تجربة العالم نفسه .. تجربة الذهول وعدم تصديق أن الأشياء تحدث بهذه الطريقة الكابوسية وليست تجربة خدمة المطلقات أو الشعارات الزائفة .

مرة أخرى أجد أن فكرة ( تجاوز المنجز السردي السابق ) هي أداة من أدوات تحقق ( القطيع ) حيث تفترض هذه الفكرة أن للكتابة هاجس أساسي ومستقل بانفصال تام عن موضوعها كتأمل إنساني واستدعاء هدف آخر لها بأن تصبح سباقا ومنافسة على تحقيق ( جودة ) أعلى مما حققها ( الآخرون ) !!! .. لماذا لا نفكر في أن قضية ( التجاوز ) هي حدث يتم تلقائيا وبشكل حتمي ومنطقي جدا دون أي قصد أو تعمد من أحد ؟! .. أنه حينما يكتب الإنسان نفسه وحياته والعالم كما يشعر به حقيقة وكما يفكر فيه بصدق فهو هكذا حقق ( اختلافه ) مع الآخر الذي قد يسبقه أو يجاوره أو يخلفه زمنيا ؟! .. أن ( التجاوز ) ليس وصفة للتفوق أو للتعالي على ما أنجزه الآخرون وإنما هو استجابة بديهية لضرورة أن تكون نفسك وليس أي أحد آخر .. أن تكون أمينا وصادقا في التماهي مع تجربتك الخاصة بصرف النظر عن موقعها أو تأثيرها داخل ( القطيع ) .. داخل سياق ( المشهد ) ؟!! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا


.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟




.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا


.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال




.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا