الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أول الغيث قطرة بريطانية

علي جرادات

2007 / 7 / 26
القضية الفلسطينية


في موقف بريطاني لافت، يذِّكر بـ"وعد بلفور" كما وصفته بعض الأوساط الصحافية، اعتبر وزير الخارجية البريطاني لشؤون الشرق الأوسط "كيم هاويلز"، في مؤتمر صحافي مع وزير الداخلية الأردني في عمان يوم الإثنين الماضي، أن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أماكن أجدادهم "غير منطقي". وأضاف: "مِن الصعب جداً حل مشكلة اللاجئين التي تراكمت منذ ستين عاماً، ويجب تقبل أن التاريخ يسير، وأن المناطق أصبحت جزءاً مِن إسرائيل، ولن نرى عودة للعائلات بعد الاحتلال، وهذا حدث في العديد مِن الصراعات في العالم". وأكد الوزير البريطاني أن "الأفكار والأهداف والآمال القديمة يجب أن يعاد تعريفها"، وأحدها "مسألة عودة اللاجئين". وأضاف "منطقياً لن يعود هؤلاء الذين تركوا بلادهم في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي". وأردف: "تاريخياً مرَّ أكثر مِن ستين عاماً، وأصبحت تلك المناطق جزءاً مِن دولة إسرائيل".
بهذا الموقف البريطاني العلني والنوعي بكل معنى الكلمة، يحق السؤال: إذا كان هذا هو الموقف البريطاني، فكيف هو الموقف الأمريكي؟!!! وهل مِن الغرابة في شيء أن يأتي مسؤولاً أمريكياً، ليقول علناً بأن المطالبة بإلغاء قرار ضم القدس وتفكيك المستوطنات في الضفة الغربية، هي مسائل "غير منطقية"، أو أنها أصبحت مطالب قديمة يجب أن يعاد تعريفها"؟!!!
بحسبان الموقف الرسمي العربي العاجز والمفكك، وبالنظر إلى هشاشة العامل الوطني الفلسطيني، الذي تنخر عظمه منذ عام ونصف العام، أزمة داخلية طاحنة، وحالة انقسام غير مسبوقة منذ عقود، بلغت ذروتها في "قسمة الوطن" بعد حسم "حماس" "للسلطة" في غزة بقوة السلاح؛ أقول بحسبان ذلك، علاوة على الصلف الإسرائيلي المدعوم بالكامل مِن موقف أمريكي مهيمن على السياسة الدولية ومؤسساتها، أين الغرابة في توقع أن يتلو موقف الوزير البريطاني "هاويلز" مواقف دولية علنية أشد سفوراً في تبنيها للرؤية الإسرائيلية ومواقفها الرافضة للإقرار بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع، ما يحيل إلى سؤال: أي مستقبل ينتظر الفلسطينيين ومصير قضيتهم الوطنية وحقوقهم المغتصبة؟؟؟ إن المستقبل الفلسطيني والحالة هذه، يصبح مفتوحاً على كل الاحتمالات، بما في ذلك تجاوز الارادة الوطنية الفلسطينية عبر فرض حلٍ يهبط عن السقف الذي رفضه الرئيس الراحل ياسر في مفاوضات كامب ديفيد 2000 حول قضايا "الوضع النهائي"، أي عودة اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات والمياه، علماً أن الشطب الرسمي لأصل القضية الفلسطينية وجوهرها حق عودة اللاجئين إلى أرضهم طبقا للقرار الدولي 194، يشكل اتجاه الضربة الرئيسي في المخطط الأمريكي الإسرائيلي في قادم الأعوام، ما يستدعي تنبه طرفي الصراع والاستقطاب الفلسطيني في الضفة وغزة إلى تدارك الأمور، وتجاوز الأزمة الوطنية الداخلية، وإعادة اللحمة للمؤسسات السياسية التمثيلية الرسمية للشعب الفلسطيني، داخل الوطن وخارجه.
قد يرى البعض في ما سبق شيئاً مِن المبالغة، بإعتبار أن طرفي الصراع الفلسطيني الداخلي، برغم ما بينهما مِن خلاف وانقسام، يرفضان هكذا حل ويحاربانه، حتى ولو لم يتفقا فيما بينهما.
هذا الإعتراض لا يدرك أن المستقبل ليس حالة قطع مطلقة مع الماضي والحاضر، ولا هو امتداد خطي جامد لهما، بل هو ثمرة التفاعل الحي والمتشابك بين عناصر التكوين الاساسية وبين البيئة المتغيرة.
ويخطيء مَن يعتقد أن الإرادة الوطنية الفلسطينية، بقسميها في الضفة وغزة، هي العامل الحاسم في عناصر التكوين المتفاعلة مع البيئة المتغيرة، خاصة مع حسبة المعنى الشامل لاختلال ميزان القوى كبيئة مجافية، فما بالك مع اضافة ما أصاب الطاقة الوطنية الفلسطينية مِن انهاك وتشتت بسبب الانقسام الداخلي؟!!! تسعى إسرائيل ومعها الإدارة الأمريكية المهيمنة، إلى تعميقه، واطالة أمده ما أمكن، بينما تعجز عناصر التكوين الرسمي العربي عن التصدي لهذا الواقع أو الوقوف في وجهه.
ما سبق يشير إلى ضرورة مبادرة كافة الأطراف الفلسطينية، وقيادة "حماس" تحديدا، إلى عمل شيء ما، يهيأ الأجواء الوطنية لتصويب المسار، وهذا ما لا توجد مؤشرات على قرب حدوثه، بل هنالك حالة مِن التمترس الذاتي، لا تأبه بما يحدق بالمشروع الوطني مِن مخاطر حقيقية. وفي هذا وصفة أكيدة لجر القضية الوطنية إلى حتفها، ولو إلى حين.
حتى نشوء السلطة الفلسطينية عام 1994، كان جناحا الوجود الفلسطيني في الوطن والشتات، يتبادلان النجدة، كلما تم ضرب أحدهما بقسوة، وهذا ما حصل (مثلا) عندما جرى ضرب المقاومة في لبنان عام 1982، حين تحوَّل الجيشان الشعبي في الأرض المحتلة إلى انتفاضة عارمة عام 1987. أما منذ انتقال مركز ثقل النضال الوطني إلى الوطن، فإن الطاقة الفلسطينية في الشتات تكاد تكون معطلة عملياً، بل هي اليوم محبطة، بفعل ما وقع في الوطن مِن صراع داخلي غير مسبوق، علاوة على ما يتعرض له الفلسطينيين في لبنان والعراق مِن ذبح وتقتيل، كان يجب على الفلسطينيين في الوطن أن يتحركوا لنجدتهم، عبر نشاطات جماهيرية متنوعة وفاعلة تضغط على الأطراف العربية والمجتمع الدولي مِن أجل وقف ما يرتكب بحقهم مِن جرائم، لا لشيء إلا لكونهم فلسطينيين، خاصة في العراق.
وأمر ذو دلالة كبيرة، أن لا يتحرك فلسطينيو الشتات في نشاطات جماهيرية تضغط على طرفي الصراع الفلسطيني الداخلي في الضفة وغزة، رغم ما يجري فيهما مِن تيه وطني قلَّ نظيره، ولم تشهده الحركة الوطنية الفلسطينية، حتى في مراحل نشوئها وأطوار يفاعتها، ما يشير إلى أن عملية الاستقطاب والانقسام الداخلي في الوطن، قد وجدت طريقها إلى شرايين السيكولوجيا السياسية الفلسطينية في كل مكان، ولعل هذا هو مِن أخطر نتائج ما جرى في غزة وتداعياته، الأمر الذي أعتقد أنه مِن بين أمور كثيرة لم يجرِ أخذها بالحسبان، أو توقع حدوثها، مِن قبل هواة السياسة في النخب القيادية الفلسطينية، التي أباحت لنفسها حق ادخال الحالة الفلسطينية في لعبة الاقتتال الداخلي التدميري، خاصة أؤلئك الذين نقلوا الاقتتال الميداني إلى مستوى سياسي، بمعنى اجازته كاسلوب لحسم "سلطة" صورية، يتحكم الإسرائيليين في حدودها مِن الألف إلى الياء.
والأنكى، أن تواصل هذه النخب القيادية ممارسة عملية استغفال الناس، عبر تكرار الحديث الممجوج عن قناعتها بالخيار الديموقراطي وتمسكها به، والتصوير كما لو أن الصراع هو مجرد خلاف دستوري ليس إلا، فيما تدرك أنها بمجرد اجازتها اللجوء إلى السلاح كسبيل لحسم ازدواجية السلطة، قد نسفت كل معنى حقيقي للخيار الديموقراطي وآلياته ووسائله ومضامينه، فأي معنى تبقى لتكرار الحديث عن الانضباط لما نص عليه القانون، بعد الإيغال في لعبة الاقتتال الداخلي، إلى درجة تحويله إلى ثقافة سياسية سائدة، وجعله آلية للاستيلاء على "السلطة"؟!!
إن لا معنى لهذا الجدل الدستوري، على أهميته، بل هو زائف ولن ينتهي، إن هو لم يقترن بتوفر ارادة سياسية للتراجع عن نتائج الأمر الواقع التي تم فرضها بقوة السلاح في غزة، وما ترتب عليها مِن وقائع في الضفة، لأن ذلك هو الأمر الوحيد الذي بمقدوره توفير الشروط الوطنية الصحية للبدء في حوار وطني شامل، يقود إلى توافق وطني على سبل تجاوز الأزمة الداخلية المدمرة. ودون ذلك ستبقى الأزمة قائمة، وتتعمق، ويطول أمدها، ولا غرابة والحالة هذه، أن يكون موقف الوزير البريطاني آنف الذكر مجرد قطرة في غيث قادم، تستدره تداعيات ما جرى في غزة، وما تلاه في الضفة، ويتساقط على شكل مواقف سياسية دولية خطرة على القضية الفلسطينية، لا يفيد في التصدي لها استمرار دفن الرأس في الرمل، عبر الاستغراق في جدل دستوري، نجزم أن كل طرفٍ سيجد فقهاء قانونيين لدعم تفسيراته وروايته، حتى لو جئنا بمالك إلى المدينة، "لا يُفتى وهو فيها".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟


.. نبض فرنسا: كاليدونيا الجديدة، موقع استراتيجي يثير اهتمام الق




.. إيران: كيف تجري عمليات البحث عن مروحية الرئيس وكم يصمد الإنس


.. نبض أوروبا: كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا وغزة على حملة الانتخا




.. WSJ: عدد قتلى الرهائن الإسرائيليين لدى حماس أعلى بكثير مما ه