الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميزانية نتانياهو تدعم رأس المال وتهمش العمال

اساف اديب

2003 / 9 / 30
الادارة و الاقتصاد


ميزانية نتانياهو لعام 2004

الاولوية لرأس المال ولا شيء للعمال

مشروع الميزانية يتضمن تقليصات في ميزانيات الوزارات هدفها الحفاظ على توازن مصطنع، بموجب املاءات مؤسسات المال الامريكية؛ حسب مفهوم نتانياهو، نسبة العجز في الميزانية اهم من نسبة البطالة التي تسببها سياسته الاقتصادية.

اساف اديب

بدأت الحكومة يوم الاحد 14 ايلول مناقشة مشروع قانون الميزانية لعام 2004 في ظل خلاف حاد بين وزير المالية نتانياهو وبين وزير الامن موفاز بخصوص حجم التقليص في ميزانية الجيش. غير انه وراء النقاشات المختلفة حول حجم التقليصات في الوزارات المختلفة، هناك اجماع بين الحكومة والمعارضة حول سلم اولويات مشوه، بان الطريق الوحيدة لانقاذ اسرائيل من الازمة الاقتصادية العميقة هي جذب رؤوس الاموال للاستثمار فيها، ولذلك على العمال وسائر المواطنين في اسرائيل ان يدفعوا ثمنا غاليا.

يبدو من المداولات الاولى في الميزانية الجديدة انها ستصطدم بعراقيل كبيرة خارج الحكومة وحتى في داخلها، سيما وان مصداقية سياسة الحكومة الاقتصادية والاجتماعية تراجعت كثيرا منذ ايامها الاولى التي تميزت في ارتفاع البورصة والتوقعات للوصول الى استقرار امني ونمو اقتصادي. كل المراقبين يجمعون على انه في ظل الوضع الامني المتدهور لا يمكن لاسرائيل ان تجذب استثمارات اجنبية او ان تنتعش فيها السياحة. 

 

اصلاحات راسمالية تؤدي الى تعميق الازمة

محور مشروع الميزانية الذي قدمه نتانياهو في المؤتمر الصحفي الذي عقد في 8 ايلول هو خطة لتقليص الميزانية وتجميد النشاط الاقتصادي والحد من مصروفات الحكومة في كافة المجالات. ازاء وضع الاقتصاد الاسرائيلي الذي يعاني منذ عدة سنوات من حالة الركود العميقة ومن البطالة المستفحلة، يبدو لاول وهلة ان وزير المالية يتصرف بغباء ودون منطق.

 

الراسمالية المفرطة

في الحقيقة يعتمد نتانياهو في خطواته على ما يسمى نظرية الرأسمالية المفرطة ويبني كل توقعاته على مكانة اسرائيل في اسواق المال العالمية. المعلق الاقتصادي غدعون عيشت كتب في يديعوت احرونوت (12 ايلول) ان "نتانياهو لا ينطلق في خطته من اعتبارات انتخابية، بل يؤمن في الحقيقة بان الأغنياء هم مصدر الفرج. حسب رؤيته اعفاء الشرائح الغنية من الضرائب سيؤدي بهم الى استثمار اموالهم في الاقتصاد الاسرائيلي. نتانياهو يريد ان يخلق هنا امريكا حتى لو كان ثمن ذلك المزيد من الناس دون مأوى والمزيد من العنف والاجرام وتخفيض معدل العمر."

في حالة الاقتصاد المتأزم الذي يعاني من ركود وبطالة عميقين، توجد حاجة ملحة لخلق نشاط اقتصادي واستثمار اموال في مجالات البنية التحتية وخلق اماكن عمل جديدة. كل ذلك بهدف تحريك الاقتصاد واخراجه من الجمود. ميزانية نتانياهو الجديدة لا تشمل خطوات بهذا الاتجاه. كل ما فيها هو تقليصات في ميزانية الوزارات للحفاظ على توازن مصطنع في الميزانية بموجب املاءات مؤسسات المال الامريكية التي تسيطر على الاقتصاد العالمي. في مفهوم نتانياهو الرأسمالي المتطرف تبقى نسبة العجز في الميزانية اهم من السؤال ما هي نسبة البطالة.

في المقال المذكور يقول غدعون عيشت (يديعوت 12 ايلول) ان ادعاء نتانياهو بان خطته ستؤدي الى بدء النمو الاقتصادي هو ادعاء كاذب. خلق الاجواء التي تؤدي الى نمو اقتصادي على المدى البعيد تتطلب استثمارات في مجالات مثل الأبحاث العلمية وفي انتاجية العمل واستيعاب تكنولوجيات جديدة. في هذه المجالات تنص ميزانية الدولة الجديدة على تقليصات وليس على استثمارات جديدة، حتى في مجال الاستثمار للمدى القصير مثل الشوارع وفرع البناء، الامر الذي ادى بعميد البنك المركزي دافيد كلايين الى انتقاد الخطة.

تشكيك في نجاح الخطة

يشكك جميع المراقبين الاقتصاديين في امكانية الحكومة ان تتقدم نحو النمو الاقتصادي. مديرة دائرة الابحاث في بنك اسرائيل، كارنيت فلوج، قالت في تعقيبها على خطة نتانياهو ان التقدير بان يشهد عام 2004 نموا بنسبة 2.5% غير واقعي: "كي يحدث شيء من هذا القبيل، يجب ان يكون هناك تحسن ملموس في الوضع الامني والسياسي، كما يجب ان يكون هناك تحول ايجابي في الاقتصاد العالمي باتجاه يزيد حجم الصادرات الاسرائيلية". (هآرتس، 10 ايلول)

يدعم موقفها هذا يورام غباي، مدير صندوق "بعيليم" للاستثمار، الذي قال لصحيفة "معاريف" (9 ايلول)، انه على خلفية عدم وجود بوادر لوقف اطلاق النار بين اسرائيل والفلسطينيين، وعلى ضوء الوضع الاقتصادي في امريكا واوروبا، يبقى تصور نتانياهو غير واقعي. مومي دهان، محاضر في كلية السياسة العامة في الجامعة العبرية بالقدس، قال للصحيفة نفسها: "دون تحول سياسي امني لن يكون هناك تحول اقتصادي، لذا فمن المتوقع ان تؤدي الخطة الجديدة لمزيد من التراجع في مستوى المعيشة".

ما يزيد من تعقيد الامور هو معارضة الجيش للتقليصات المقترحة في ميزانيته. فبعد ان كان اقتراح المالية تقليص ستة مليارات شيكل من ميزانية الجيش، تراجع نتانياهو عندما اعلن عن تقليص ثلاثة مليارات شيكل فقط. غير انه في جلسة الحكومة (الاحد 14 ايلول) اعلن رئيس الوزراء ان التقليص في الميزانية الامنية سيكون فقط 0.75 مليون شيكل، مما يعني تضييق الحزام على وزارات الصحة والتعليم ومخصصات الرفاه.

 

امريكا كنموذج

يرى نتانياهو في امريكا ونهج اليمين الجديد فيها نموذجا له، ويحاول جاهدا تقليد النظام الامريكي الرأسمالي وادارة بوش بكل ما يتعلق في اعفاء الشركات والشرائح الغنية من الضرائب بحجة ان ذلك سيؤدي الى المزيد من الاستثمارات. الا انه ينسى ان النموذج الامريكي موجود اليوم في ازمة خطيرة، وان الجمهور الامريكي بدأ يشككك في مصداقية الرئيس بوش الاقتصادية والعدوانية.

حكومة شارون التي تقود ايضا بلادها الى حرب شعواء عديمة الهدف الواضح ضد الشعب الفلسطيني، لا يمكنها ان تعتمد على النموذج الامريكي. اسرائيل ليست امريكا، فعلى سبيل المثال نسبة الفائدة للبنك المركزي في امريكا هي 1% الامر الذي يشجع الاقتراض للاستثمار، بينما نسبة الفائدة في اسرائيل فوق ال 7%، مما يدفع الى الجمود وعدم الاستثمار. اضف الى ذلك ان امريكا نفسها لم تعد توفر لمواطنيها الحياة المريحة التي اشتهرت بها.

في ظل تعميق الفجوات بين الاغنياء والفقراء يبدو للمواطن الاسرائيلي ان حكومته مع النخبة الاقتصادية والادارية الحاكمة في البلاد تغرق في الفساد وتعفي نفسها من الضرائب، بينما تتعمق معاناته عندما يتوجه الى المدرسة او الى المستشفى او الى مكتب العمل والتأمين الوطني. الخطة الاقتصادية الجديدة تحمل في طياتها بوادر انفجارات اجتماعية والمزيد من الازمات.

 

حركة فيكي كنافو – لماذا فشلت؟

حركة الاحتجاج العفوية، اليهودية صرف، وصلت الى طريق مسدود. الطريق الوحيد لتطوير هذه المعارضة الشعبية للحكومة، مرهون بارتقائها الى مستوى اممي.

في تموز (يوليو) 2003 بدأت فيكي كنافو، قائدة نضال الامهات من المعيلات الوحيدات، بمسيرة احتجاجية على الاقدام من النقب الى القدس (مسافة 140 كم). غضب هذه المرأة، كان موجها الى وزير المالية، بنيامين نتانياهو، الذي بادر للتقليصات الكبيرة في مخصصات ضمان الدخل.

خلال ايام قليلة تحولت مسيرة الاحتجاج الى ظاهرة اجتماعية واسعة. واصبحت خيمة الاحتجاج التي نصبتها كنافو في القدس مقابل مكتب نتانياهو، سقفا لعشرات النساء والرجال المتضررين من التقليصات في مخصصات الرفاه الاجتماعي. الاعلام الاسرائيلي منح تغطية واسعة جدا للظاهرة العفوية والتي لم يكن لها عنوان سياسي واضح.

عفوية الحركة وعدم وجود عنوان سياسي وراءها كانت سببا لقوتها ولكن في نفس الوقت سببا لضعفها. في نهاية المطاف اعلنت مجموعة من النساء المشاركات عن انسحابهن من المعركة، بحجة ان كنافو تسلمت تبرعا من مؤسسة "شاتيل" التابعة لليسار. مؤسسة شاتيل انكرت الخبر، وكنافو فندت الاتهامات الموجهة ضدها، واعلنت في مطلع ايلول (سبتمبر) الاضراب عن الطعام.

الحقيقة ان حركة الامهات لاقت فعلا دعما من مجموعة من المؤسسات الاجتماعية القريبة من حزبي العمل وميرتس. ويبدو ان ضعف هذين الحزبين والهستدروت، فتح المجال امام عناصر يمينية، يبدو انها من الليكود، لاقناع مجموعة من النساء الاعلان عن انسحابها بحجة علاقة كنافو باليسار.

حركة الاحتجاج العفوية، اليهودية صرف، بقيت في فلك حزب العمل والليكود، ورفضت توسيع نضالها ليشمل منظمات اخرى من المتضررين العرب واليهود من السياسة الاقتصادية الحكومية، وادعت ان نضالها له وضعية خاصة. الطريق المسدود كان المصير المحتوم للحركة المحدودة.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-5-2024 بالصاغة


.. الرئيس السيسي يوجه تحية لليد المصرية وعمال مصر لجهودهم في تأ




.. كل يوم - - كل يوم - يفتح ملف الدعم أيهما أفضل للمواطن العيني


.. النائب أيمن محسب: الدعم النقدي هو الأفضل للفقير والدولة والط




.. كل يوم -د. أحمد غنيم : الدعم النقدي لن يؤدي لمزيد من التضخم