الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداعي ممانعات الدول الكبرى أمام القطب الواحد

محمد سيد رصاص

2007 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


تركزت جهود رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، خلال عام ونصف من توليه منصبه حتى الهجوم الياباني على الأسطول الأميركي في بيرل هاربور (7 ـ 12 ـ 41)، على ادخال الولايات المتحدة في الحرب العالمية ضد الألمان واليابانيين، انطلاقاً من قناعته بأن لندن لايمكنها حسم الحرب ضد برلين وطوكيو بدون ذلك بعد هزيمة فرنسا ـ حزيران1940 ـ وفي ظل المعاهدة السوفياتية ـ الألمانية ـ آب1939 ـ وقد ازدادت هذه القناعة عند تشرشل بعد انضمام موسكو للحرب ـ 22حزيران1941 ـ لحسابات موجودة عنده بأن من الضروري أن يكون هناك توازن في المجابهة وفي حالة الانتصار يوازي ويحدُ من تأثيرات موسكو الشيوعية.
قاد ذلك إلى ما يشبه الذيلية البريطانية للأميركان (ماعدا تفارق حرب 1956بالسويس)، أو إلى التلطي وراء واشنطن من أجل تحقيق الأهداف أو لنيل الحصص، فيما فسر بعض المفكرين السياسيين هذا بأنه يقوم على "دفع الآخر لكي يقوم بجزء من عملنا": مثَل الجنرال ديغول الحالة المعاكسة منذ إقامة حكومة فرنسا الحرة في لندن، عندما أراد الإعتماد أساساً، من أجل تحقيق الأهداف، على الداخل الفرنسي المقاوم، وليس على شبكة من العلاقات الدولية مع الدول الكبرى، فيما قام الجنرال، بعد توليه الرئاسة بين عامي 1958و1969، بانتهاج سياسة حاولت كسر الثنائية القطبية لعالم (مابعد يالطا) من أجل ايجاد قوة ـ أو قوى ثالثة، تمنع رسم العالم على أسس تلك الثنائية، ماقاد إلى مصادمات مريرة مع واشنطن حول مواضيع عديدة بالسياسة العالمية ـ كان أحدها حرب حزيران1967 ـ وإلى انسحاب فرنسا من الجناح العسكري لحلف الأطلسي في عام 1966، وإلى خلافات كبرى حول الحرب الفيتنامية، فيما عارض ديغول دخول بريطانية للسوق الأوروبية المشتركة معتبراً إياها "حصان طروادة أميركي" (دخلتها في عام 1972 بعد وفاة الجنرال) .
قام الخلفاء الأربعة لديغول بمتابعة الخطوط العامة لسياسته خلال العقود الأربعة الماضية حتى صيف2004 عندما انعطف الرئيس شيراك عن سياسة الممانعة حيال واشنطن، بعد ذروة وصلتها هذه السياسة في ازمة وحرب العراق في عامي 2002 و2003 باتجاه سياسة فرنسية جديدة اقترابية من السياسة الأميركية تجسدت في العديد من مناطق العالم التي كانت موضوع تباينات أواحتكاكات بين واشنطن وباريس، ماعبر عن اقتراب من (التشرشلية) وابتعاد عن (الديغولية)، وهو ماحصل مثيل متزامن له في حالة المستشارة ميركل بالقياس إلى المستشار السابق شرودر ـ هُزم في انتخابات أيلول2005 ـ الذي شارك شيراك والرئيس الروسي في ممانعات حرب العراق.
من تابع الأجواء الفرنسية، خلال التسعينيات وبداية الألفية وخاصة بالأعوام الثلاثة الماضية، يلاحظ بأن الرأي الذي انتصر في اليمين الفرنسي (وإلى حد "ما" عند بعض الإشتراكيين) هو القائل بأن الممانعة تجاه الدولة الأعظم كانت تقود فرنسا إلى الخسارة دوماً، حيث يضرب أصحابه أمثلة حرب السنوات السبع (1756 ـ 1763) ضد بريطانية وبعدها نابليون بونابرت وبعده السياسات الفرنسية المناوئة والمتصادمة مع الإنكليز طوال القرن التاسع عشر حتى الوصول للتفاهم الفرنسي ـ الإنكليزي في عام1904 الذي قاد إلى سايكس ـ بيكو والانتصار بالحرب العالمية الأولى، وأمثلة ماجرى خلال مابعد اتنهاء الثنائية القطبية في عام1989لما قضمت واشنطن الكثير من النفوذ الفرنسي في شمال افريقيا وفي منطقة البحيرات الإفريقية (زائير ـ رواندا ـ بوروندي) فيما لم تنل باريس شيئاً من "الكعكة" الخليجية ـ العراقية.
يمثل نيكولا ساركوزي المثال السياسي لهذا التفكير الجديد في باريس، وقد أعطى تركيزه في لحظة الفوز على العلاقة مع واشنطن، بدلاً من سياسة أسلافه الخمسة في التركيز على "البيت الأوروبي"، مثالاً رمزياً قوياً عن هذا الإتجاه، في تعاكس كبير مع التراث الديغولي، الذي ترافقت ممانعاته لواشنطن ـ وحذره من البريطانيين ـ مع نزعة أوروبية قوية دفعت الجنرال ديغول منذ بداية الستينيات للتركيز على محور باريس ـ بون كنواة للوحدة الأوروبية وكرمز لصفحة جديدة في تاريخ القارة العجوز تطوي صفحات 1870 و1914 و1940.
لم يكن تداعي الممانعات مقتصراً على باريس وبرلين، وإنما شمل عملياً، إضافة للعواصم الأوروبية الأخرى، كلاً من بكين وموسكو: منذ أزمة الكويت، كان واضحاً استخدام الروس والصينيين لحق الفيتو من أجل المقايضة على مواضيع أخرى، كانت ذات طابع سياسي عند موسكو فيماكانت متعلقة بقضايا اقتصادية لدى الصين، وعملياً فإن الروس والصينيين لم يشكلوا عائقاً حقيقياً حيال الأميركان أمام ما أرادته واشنطن من مجلس الأمن خلال السبعة عشر عاماً الماضية، ولم يشكلوا سداً حقيقياً أمام القطب الواحد حتى في قضايا حساسة لهما مثل الموضوع الكوري أوموضوع تمدد الناتو باتجاه "الحديقة الروسية الشرقية" أوفي الموضوع النووي الايراني، بل مرروا كل ذلك بسهولة لم تغطها بلاغات بوتين الخطابية حول "العودة لأجواء الحرب الباردة".
أليس لافتاً للنظر، أن يتراجع جورج دبليو بوش في واشنطن، بسبب سياساته العراقية، فيما أدى ويؤدي فشل الممانعات الأوروبية أمامه ـ وأيضاً تلك التي ظهرت أحياناً عند الروس والصينيين ـ إلى اقترابات من تفكيره وسياساته في برلين وباريس، مع ثبات في المواقف عند خليفة بلير؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة