الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل العراق حقا بلد الفرص الضائعة؟ !!

حميد الهاشمي
مختص بعلم الاجتماع

(Hamied Hashimi)

2003 / 10 / 1
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كاتب هولندي شخص ذلك في عام 1997

في عام 1997 اصدر الكاتب الهولندي روبرت سويتريك Robert Soeterik  بالاشتراك مع مجموعة من الكتاب الهولنديين كتابا تحت عنوان "الشرق الأوسط" *** وهو ذو طابع سياسي ثقافي، يعرف ببلدان الشرق الأوسط العربية وجيرانها (إيران، تركيا، إسرائيل).
 وفيما يتعلق بالفصل الخاص بالعراق والذي كتبه روبرت سويتريك، فانه قد جاء تحت عنوان "العراق بلد الفرص الضائعة Irak: Land van de gemiste kansen"  وهو عنوان يستحق التوقف والتأمل كثيرا ومن قبل العراقيين قبل غيرهم، بل البحث في هذه الفرضية أو المقولة ومدى مصداقيتها ومن المسؤول عن هذه الحقيقة وهذه المصداقية في حالة تأكدها، وذلك من اجل تشخيص واقعي وعلمي لاوضاع العراق وإمكاناته ومدى إمكانية استثمارها.
فبعد استعراض موجز لبعض البيانات التعريفية الرئيسية بالعراق، ووحدته السياسية والديموغرافية والاثنية التي وصفها الكاتب (سويتريك) بأنها اشبه بتركيبة أو خلطة اصطناعية. جمعت الشيعة والسنة والأكراد وغيرهم من الاقليات الأخرى في أعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى وتشكل دولة العراق الحديثة في ظل الانتدابين البريطاني والفرنسي على المنطقة. يذكر الكاتب انه في ظل إمكانات العراق الطبيعية والبشرية من الممكن أن يشكل قوة اقتصادية كبيرة في المنطقة، تتمثل مصادرها في البترول والمعادن الطبيعية الأخرى، النهرين العظيمين (دجلة والفرات)، الزراعة وفرص إقامة صناعات جيدة.
ويرى الكاتب أن نقطة التحولات الكبرى كانت في سنوات السبعينات من القرن الماضي في العراق وخاصة في النصف الأول منها حيث ارتفاع اسعار البترول بعد أزمة النفط عام 1973، وإكمال تأميمه في العراق. لكن وبحسب الكاتب الهولندي فان العراق قد بدد هذه الفرص حينما ادخل نفسه في دوامة الحروب والنزاعات الإقليمية، والتي ما أن ينتهي من واحدة حتى يزج نفسه في أخرى، وأيضا هاجس التسلح والطموح بان يصبح قوة إقليمية كبرى. حيث تولى السلطة صدام حسين الذي أشاع أساليب العنف والبطش وأساليب التفرقة التي عملت شرخا عميقا بين الشيعة والسنة وبين العرب والأكراد بحسب الكاتب.
 ويختم هذا الفصل بتساؤل هام بعد أن يعكس رؤية سوداوية للعراق والى ما قبل الحرب الأخيرة هذه، وهو ما سماه بالسؤال الكبير: إلى متى يبقى البلد خاضعا لسيطرة نظام عدواني إلى أقصى الحدود؟؟، بعد أن يشخص عجز المعارضة العراقية في التغيير، وخضوعها لاعتبارات بطش النظام وتأثير تجاذبات القوى الإقليمية ودول الجوار خاصة منها.

ولو تأملنا حقيقة في عنوان الموضوع واستعرضنا تاريخ العراق المعاصر لوجدنا انه يصدق تماما. أي أن العراق هو فعلا بلد الفرص الضائعة.
فالعراق كان أول بلد عربي يحصل على استقلاله سواء تحت الانتداب أو انضمامه لعصبة الأمم المتحدة عام 1932. الأمر الذي يعني انه كان مؤهلا لان يكون دولة أو حتى شبه دولة إبان فترة الانتداب وقبل غيره من البلدان العربية. وقد شرعت القوى والقيادات الوطنية المخلصة في بناء العراق ليصبح دولة ذات مؤسسات مؤهلة لخدمة مواطنيها والدفاع عنهم كما تبلورت الهوية الوطنية العراقية والانتماء للعراق. كان ذلك طيلة فترة الحكم الملكي التي اتسمت بتوفر هامش معقول من الديمقراطية بل لا نكاد نجد له مجالا للمقارنة مع الأنظمة الشمولية والعسكرتارية التي أعقبته وصولا إلى اشدها بطشا وبشاعة نظام صدام المخلوع. 
لقد كانت فترة الحكم الملكي فرصة ثمينة لبناء دولة ديمقراطية يحتذى بها في المنطقة، لكن للأسف مع شيوع موجة الانقلابات التي بدأت في العراق بمحاولتين فاشلتين لكل من بكر صدقي عام 1936، ورشيد عالي الكيلاني عام 1941. فكان الانقلاب الذي حدث في عام 1958 بمثابة الحكم بإعدام الديمقراطية في العراق بعد أن بلغت مرحلة معقولة من حياتها. ومع المحاسن التي جاء بها النظام الجمهوري في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم والتي غطت على عيوب الدكتاتورية وصبرت على الحكم الفردي انتظارا لان يقر دستورا دائما ويخلع البزة العسكرية عن الحكم ويعيد لها لباسها المدني، فجع  العراق عام 1963 بانقلاب دموي آخر قضى على منجزات سابقه وأعاد عربة تقدم العراق إلى نقطة الصفر بعد أن أخرجها من مسارها. ووصولا إلى انقلاب تموز عام 1968 الذي كرر مأساة عام 1963من خلال إلغاء الآخر واقامة نظام الحزب الواحد أرسى ألاسس القبلية في السلطة والتي جاءت بأشخاص جلهم جهلة أشباه أميين سلاحهم التعصب القبلي والتحايل الطائفي والقومي.
وهكذا أضاعت هذه الزمرة فرصة القفزة التي كانت ممكن أن تتحقق للعراق في فترة السبعينات، حيث كان استلام صدام للسلطة إعلان القضاء الرسمي على أمل التعددية والرأي والرأي الآخر وقبول الاختلاف وإشاعة روح المجتمع المدني، حيث عمد إلى تكريس وترسيخ مبدأ عبادة الفرد منذ اليوم الأول لاغتصابه السلطة. وقد كان للحرب ضد إيران اثر كبير في تعطيل مسيرة العراق نحو استثمار فرصه التنموية واستغلال إمكاناته المشار إليها، حيث الخسائر المادية والبشرية، والكابوس الأمني الذي ألقى بظلاله على نفوس العراقيين سواء على جبهات القتال أو في الداخل حيث الملاحقات الأمنية والتهم الجزافية تهم (الخيانة العظمى) الجاهزة أو التبعية والتي من الممكن أن تطال أي شخص. فكان أن هجر (بضم الهاء) وهاجر الكثير من أبناء العراق إلى بلدان الشتات في كل أرجاء العالم حيث اكتملت هذه السلسلة من التفريط بالأبناء ومهما كانت مهاراتهم ومؤهلاتهم العلمية.
بعد الخروج من مأزق حرب إيران كان هناك تفاؤل كبير بان هذه الحرب كانت درسا كبيرا لاولي الألباب، ليستفيدوا منها أيما فائدة. حيث ان في الحرب مفردة واحدة دائما هي الغالبة وهي (الخسارة للجميع)، هذا علما ان حرب إيران التي طالت ثماني سنوات أصابت الكثيرين من الناجين منها باليأس وجعلتهم يظنون بأنها قدر لا ينتهي اجله إلا بموت كل منهم.
وكان اغلب الظن هو ان يتوجه العراق للإعمار واعادة الاعتبار واخذ العبرة من هذا الدرس. ولكن لم يشأ المواطن العراقي ان يتنفس الصعداء حتى وجد نفسه في مأزق آخر هو غزو الكويت  وما ترتب عليه من إخراج القوات العراقية منها وما خلفته من نكبات وخسائر أخرى فادحة.
 كان بإمكان صدام حسين قبول عروض الانسحاب من الكويت حفاظا على أرواح مواطنيه وآلته العسكرية وهيبته التي طالما فاخر بها بعد انتهاء حرب إيران. ولكنها فرصة أخرى تضيع .
وكان لمرحلة الحصار البائسة طيلة ثلاثة عشر عاما ان تحفر آثارها وبعمق على الجسد العراقي برمته وعلى مستقبل العراق أيضا، فما بال هذا النظام يماطل في تلبية شروط سيوافق عليها حتما بعد حين، وما بال هذا الحاكم يصطنع هيبة وكرامة منتهكة ومهانة.
ويتكرر سيناريو حرب الخليج الثانية بحذافيره تقريبا في هذه المرة عام 2003 حيث توجب هذه على صدام الرحيل وترك السلطة، وان المرء ليعجب أمام إصرار صدام على تدمير بلده من خلال تمسكه بكرسي الحكم وكأنه خلق ليحكم. لقد توفرت فرص ذهبية لصدام والعراق في ان يترك السلطة ومنها عرض دولة الإمارات العربية المتحدة وعرض مملكة البحرين لينتقل بآسرته وحاشيته، وكان كرسي الحكم بكفة ومصير العراق بالكفة الأخرى، فضحى صدام بالعراق واطاح بكرسيه.
والعجب العجاب من هذا الشخص، أما كان له ان يحفظ دماء العراقيين ويرحل؟ أما كان له ان يحفظ ما تبقى من اعتبار زائف له ويرحل بدل من ان يحط بنفسه إلى هذه الهاوية ويدمر هذا البلد؟
ولكن مراهنة صدام الدائمة التي وعى عليها العراقيون وصرح صدام بها في مناسبات عديدة هي انه لو أراد ترك العراق ، فسوف يتركه ترابا. أي انه سيخربه أو يتركه أرضا محروقة خلفه.
والان وبعد (خراب البصرة) كما يقول المثل، فان الفرصة مواتية للعراقيين لان يرتبوا بيتهم ويعلوا فوق نزواتهم الشخصية ويتجاوزوا انتماءاتهم الأخرى، ويركنوا إلى موقف انتمائي آخر هو الانتماء للعراق والذي يعتبر خدمة لهذه الانتماءات كلها بنفس الوقت حيث يمكن صهرها في العراق الجديد.
فهذه فرصة أخرى تتاح لان نبني عراقا حرا زاهيا بألوان وتنوع اقلياته، وديمقراطيا يحترم فيه الجميع على السواء. معيار منزلتهم هو مدى انتمائهم واخلاصهم وعطائهم لهذا البلد. الفرصة متاحة لان ينهض العراق من جديد بإمكاناته المتبقية والمتجددة. هاجسهم ان لا تضيع هذه الفرصة كسابقاتها فيكون العراق دائما وأبدا بلد الفرص الضائعة.

 العدد: 41    2003/09/23
**أكاديمي وباحث في الشؤون العراقية – مقيم في هولندا.

***M. Beker, R. Oordt, R. Soeterik (red.), Het Midden-Oosten, Instituut voor Publiek en Politiek/Middle East research Associates, Amsterdam, 1997.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة