الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كرامة ضائعة

محمد البوزيدي

2007 / 7 / 30
الادب والفن



يسارع الزمن القاسي ،وبوحدته الخاصة التي تؤنسه كفزاعة غربة طويلة، يواصل لعن مسار الحياة القاسية التي فرضت عليه طقوسا استثنائية لتوفير لقمة خبز غير سائغة .
مبارك أو السي مبارك كما ألف الآخرون المناداة عليه، كهل في الرابعة والستين من عمره ،غزت التجاعيد جبهته المسطحة ،وعلا الشيب الشعيرات المتبقية في رأسه .
مع بزوغ كل صباح يجر عربته القديمة إلى السوق المغطى للخضر. .. يتيه في الزحام اليومي وسط أصحاب الرساميل القوية ، يحمل الصناديق المختلفة الأحجام وينقلها من مكان البائع إلى فضاء/سيارات المشتري ،يتأملها بقسوة تخفي آلاما حادة في القلب،فهو يتعامل كسلعة ومع سلعة هي فواكه مستوردة لم يتذوقها أبدا في حياته إلا نادرا ...حينها قد تسقط بعضها من إحدى الصناديق فيلتقطها،يخفيها في الجيب ،ليتناولها بعد ذلك ويكسر بها جوعا يداهمه كل حين من فرط العمل المضني والمتواصل .
في العاشرة من صباح كل يوم ،يقتعد الكراسي المهترئة بأحد المقاهي المتنقلة بالسوق ،يستريح فليلا ويتناول فطورا هو كأس شاي مع زلافة رخيصة من الفول المطهي،يدخن سيجارة شقراء ليحرق بها أوجاعا تداهمه كل حين بين جوانحه أسفا على ماضيه العريق وحاضره التليد.
حين ينطلق من جديد في عمله وسط نداءات باعة الخضر الكبار، يراوغ رجال الشرطة الذين ألفوا استفزازه ظلما لأخذ عمولة 10 دراهم كل صباح ومساء بذريعة عدم توفره على رخصة خاصة لنقل البضائع ،و حين يدرك اقتراب التوقيت المعتاد يتملص بطريقته الخاصة فيتيه وسط دروب وأزقة السوق ...
ذات يوم غاب مبارك عن السوق .. ؟سأل عنه رفاقه وأصحابه والآخرون ..بحثوا عنه لكن لا جواب..
في يوم الغد نشرت قصاصة أخبار محلية خبرا يقول إنه أصبح مقعدا ،وغير قادر على الحركة لآلام في الظهر نتيجة حمل أحد الصناديق الثقيلة.فلم يعد يقوى المسكين على الحركة وحتى الأبناء المفترض فيهم تحمل مسؤولية المنزل تاهوا في السراديب العجيبة لهذا الزمن الرهيب دون نتيجة تذكر..........
فإلإبن الكبر في السجن نتيجة تشابه في الملامح مع مجرم آخر يسكن نفس الحي، والبنت في معمل للخياطة تمارس تدريبا بالمجان ،بينما الزوجة تدبر أمور بيت يوشك على الانهيار بطريقتها الخاصة التي تستعمل فيها كل أساليب التسول المعروفة لدى الأقارب والجيران.
يعيش مبارك آخر أيامه حنقا على وطن تنكر له فقد قاوم الإستعمار حقيقة، لكنه بلا بطاقة مقاوم، والتي استفاد منها الآخرون رخصا للتنقل واستحقاقا بالوظائف ...لكن حرم من كل ذلك لخلاف بسيط مع أحد عملاء الإستعمار والذي كان يعمل مترجما للمرتزقة السنغاليين في شوارع البيضاء والذي أصبح مسؤولا عن أحد المكاتب الفرعية للمندوبية إذ خاطبه في أحد الأيام :
أنا أتبرؤ من مقاومة تكون أنت أحد المسؤولين عن رجالاتها .
ومن يوم ليوم، تتوالى الأيام، ومبارك يواصل عد أيامه المتبقية منتظرا موتا محققا ،يتذكر الأيام الخوالي والتي حولته إلى إنسان بلا تغطية صحية، ولا رعاية لحقوق العجزة ،ولا ضمان اجتماعي ،ولا قوت يومي مستلب ،ولا تقاعد ولو تافه، ولا اعترافا بتضحيات تاريخية ..
ومع كل صباح يتجرع مرارة الحرمان التي لا تنتهي غاضبا على وطن تنكر له حيث لا يكافئ الرجال، ويصبح فيه الإنسان أرخص شيء، لذلك لا يمل من الترديد مع الراحل بوجميع
ماهموني غير الرجال إلى ضاعوا
البيوت اللي رابوا كلها يبني دار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل


.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة




.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ