الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الحداثة

عصام عبدالله

2007 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يعتبر هابرماس أكبر فلاسفة ألمانيا المعاصرين وأهم فيلسوف في أوروبا والغرب كله. وهو ليس من الفلاسفة الذين يسكنون الأبرج العاجية وإنما هو منخرط حتى النخاع في هموم عصره وقضاياه. منشغل بالشؤون السياسية والإنسانية والأخلاقية، لا يكف عن كتابة المقالات الصحفية والأدلاء بالأحاديث من حين لآخر. وقد اتخذ عدة مواقف في تاريخ ألمانيا النازي، و من توحيد أوروبا والدستور الأوروبي، و من العولمة الرأسمالية المتوحشة، و من قضايا الإرهاب والأصولية، الخ.
خاض أشهر معركة فلسفية في الربع الأخير من القرن العشرين مع فلاسفة الاختلاف في فرنسا، ورموز ما بعد الحداثة، رافعا شعار " أن الحداثة مشروع لم يكتمل بعد ". ويري أنهم لا يأخذون من التراث الألماني إلا الفكر اللاعقلاني على طريقة نيتشه. أما هو فيتعلق بفلسفة كانط وهيجل التي تمثل التيار العقلاني في الفكر الحديث، ويحارب بكل قوة فلسفة نيتشه وهيدجر التي اتهمت بتغذية الحركات الفاشية في أوروبا في فترة ما بين الحربين العالميتين.
وبالتالي فإن المعركة الفكرية الحقيقية هي في الواقع بين العقلانيين واللاعقلانيين، أو بين الكانطيين والنيتشويين. وقد اختار هابرماس معسكره، وهو ليس مستعداً للتفاوض على مواقعه الفلسفية والسياسية.
 وبما أنه ألماني وملاحق بعقدة النازية فإنه يحاول دائماً الابتعاد عن نيتشه وهيدجر بل ويحذر من خطورة فكرهما على الحداثة. وقد اتهم هيدجر مباشرة بأنه عدو للتنوير، وعلى هذا النحو راح الرجل يدافع عن الحضارة الأوروبية والعقلانية وفكرة التقدم في التاريخ
ويعتقد العديد من مؤرخي الفلسفة أن فلسفته النقدية قد مرت بثلاث مراحل : أنشغل في المرحلة الأولي بنقد شامل للفكر الوضعي الذي ساد في الغرب مع تطور ونضج النظام الرأسمالي ومع تطور منجزات علوم الطبيعة والبحوث التطبيقية والتكنولوجية المتقدمة واستغلال هذا الفكر لعقلانية حركة التنوير ونزوعها لتحقيق الحرية والعدل.
وأهتم في المرحلة الثانية ببناء نظرية اجتماعية قائمة على تأسيس حركة تنوير جديدة وصياغة عقلانية تسترشد بالمنجزات العصرية لعلوم الطبيعة والعلوم الاجتماعية خاصة السوسيولوجية وعلوم اللغة والاتصال وعلم النفس التربوي التطوري بهدف تحقيق حلم الخلاص, أو الحرية والعدل الذي راود فلاسفة التنوير, وهو الحلم الذي فشل بسبب سقوطه فريسة لاستغلال الرأسمالية للعلم وتحول العلم من أداة معرفة, وبالتالي لتحقيق الخلاص أو الحرية بفضل ارتباطه بالفلسفة النقدية, إلى أداة للبحث التطبيقي وللتكنولوجيا وبالتالي للتجارة والكسب الاقتصادي أو لانتاج الأسلحة والحرب. ولم يفكر هابرماس في أن هذا الحلم المطلق ينفي توظيف العلم لمحاربة المرض والجوع وفي أهداف مهمة أخرى.
أما المرحلة الثالثة, التي بدأت منذ عام 1985، فقد أخذ هابرماس بمرحلة جديدة في نقد الحداثة التاريخية, إلى الحداثة كما حدثت بالفعل, لا الفلسفية وما بعد الحداثة. وواضح كيف أدى اختلال التوازن بين القيمة المعنوية والقيمة المادية إلى تحول العقلانية, عقلانية التنوير، إلى حالة مرضية, وتلك هي الحال التي يصف بها تصور فرانسوا ليوتار ثم جان بودريار لما بعد الحداثة.
ولأن هابرماس يعول كثيرا على النقد بحكم كونه المفهوم الذي مثل محور حركية الفكر منذ كانط حتى اليوم , فإنه يعود أدراجه المرة تلو الأخرى إلى استبيان العلاقة بين العقل وسائر أنشطة الحضارة الإنسانية.
من هنا طور هابرماس النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت في محاولة لوضع أسس لنظرية نقدية تواصلية تضع حلولا عقلانية لمواجهة التحديات التي يواجهها المجتمع الحديث، وفي مقدمتها إعادة بناء «مشروع الحداثة الذي لم يكتمل» أو هو في طريق مسدود.
وإذا كان رواد مدرسة فرانكفورت قد اعتبروا الاشتراكية مرحلة تاريخية هامة في التاريخ الأوربي، وأن النظام الاقتصادي القائم على التسلط والقمع لا يمكن إصلاحه، كما أن دمقرطة النظام الرأسمالي هي مجرد حل ظاهري للتناقضات الاجتماعية، فإن هذا التشخيص من وجهة نظر هابرماس ينطلق من افتراض يؤكد على أن البنية الفوقية ما هي إلا انعكاس لعلاقات الإنتاج الاقتصادية، وهو ما عارضه رواد مدرسة فرانكفورت، منطلقين من أن علاقات الإنتاج الاقتصادية لا تتطابق دوما مع الحياة الاجتماعية. ففي المجتمعات الديمقراطية تنمو اليوم محاولات حرة تتفتح فيها طاقات الفرد وتمكنه من تحقيق مشاركة سياسية في الحياة العامة وتساعده على تحسين ظروفه وتوسيع إمكانيات المشاركة العلنية عن طريق نقد المعوقات التي تقف في طريقه نقدا عقلانيا رشيدا.
إن إعادة بناء النظرية النقدية يعني عند هابرماس نقد الآثار السلبية التي أفرزتها الفلسفة الوضعية والعلموية التي تحولت إلى تبرير أيديولوجي للعقلانية الأداتية الخاصة بالنظام الرأسمالي، التي تقوم على الضبط العقلاني والسيطرة على رأس المال وتراكمه، وهو ما قاد إلى أزمة الحداثة ونكوصها عن تحقيق ما وعدت به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فراس ورند.. اختبار المعلومات عن علاقتهما، فمن يكسب؟ ????


.. 22 شهيدا في قصف حي سكني بمخيط مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا




.. كلية الآداب بجامعة كولومبيا تصوت على سحب الثقة من نعمت شفيق


.. قميص زوكربيرغ يدعو لتدمير قرطاج ويغضب التونسيين




.. -حنعمرها ولو بعد سنين-.. رسالة صمود من شاب فلسطيني بين ركام