الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير لجنة تقصي الحقائق...وماذا بعد؟

محمد الفخاري

2007 / 7 / 30
القضية الفلسطينية


بعد انتهاء أعمال لجنة التحقيق الفلسطينية المكلفة من طرف الرئيس محمود عباس بالتحقيق في الأحداث التي شهدها قطاع غزة مؤخرا، أصدرت هذه اللجنة ذات الأعضاء الفتحويين تقريرا في حوالي مائتي صفحة تم تسليمه للرئيس الفلسطيني الذي عبر عن رغبته في إحقاق العدالة وإعطاء كل ذي حق حقه. هناك إصرار واضح من قبل السلطة الفلسطينية على غض الطرف عن كل الخروقات والجرائم التي اقترفها أعضاء من حركة فتح وعلى رأسهم محمد دحلان الذي غادر البلاد كما تدعي الحركة لدوافع صحية إذ تحاول إقناع الرأي العام الفلسطيني أنه في رحلة استشفائية في الوقت الذي أثار فيه دحلان شكوكا كبيرة بتقديم استقالته للرئيس عباس قبل أن يثبت تورطه في القضية الشيء الذي قد يعرضه للمحاكمة ويجلب العار لحركة فتح وهي التي كانت لسنوات طويلة رمزا للكفاح الفلسطيني لأجل استرداد حقوقه المشروعة المتمثلة في دولة فلسطينية حرة ومستقلة عاصمتها القدس.

لقد أماط تقرير حوادث غزة النقاب عن الفساد المتفشي في الأجهزة الأمنية التي تتهم بتجنيد عسكريين على أسس طائفية وسياسية أدت إلى ما آل إليه الوضع في غزة وهو الأمر الذي أثار زوبعة سياسية جديدة سوف تعصف مجددا بالرئيس عباس باعتباره القائد الأعلى لهذه الأجهزة إلى جانب الأوضاع الأمنية المتردية ناهيك عن مظاهر المشاحنة التي تبرز عقب التصريحات والتصريحات المضادة سواء من طرف مسؤولي فتح أو حماس الذين مازالوا يتبادلون التهم في كل مناسبة. هكذا وعد الرئيس الفلسطيني بمعاقبة الضباط الفتحويين إما بإقالتهم أو تنزيل رتبهم أو إحالتهم على التقاعد وكأنه يربت على كتفهم بمزيد من القوة باعتبار أن ما فعلوه في غزة ليس إلا هفوات بسيطة لا تستحق حتى عناء المحاكمة.

إن التقرير الصادر عن اللجنة وإن فضح الممارسات غير القانونية التي تسبب فيها "بعض الأفراد من حركة فتح" لا يصب إطلاقا في مصلحة حماس ما دام التوتر سيد الموقف وما دام أعضاء فتح يطالبون بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق مع حماس وكأنها الوحيدة المسؤولة عما وقع في غزة لكن في المقابل تسعى الحركة إلى إقناع الشعب الفلسطيني بوقوعها ضحية لمؤامرة دنيئة بطلها محمد دحلان ومهندسها الجنرال الأمريكي دايتون الذي لم يدخر جهدا في الإيقاع بالحركة بالرغم من وصولها إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع وهو ما أشاد به العالم كله بوصفه نموذجا حيا للديمقراطية في الشرق الأوسط. وبما أن نتائج التقرير لا تضع حركة فتح في خانة الاتهام بطبيعة الحال لأن كل أعضاء اللجنة من الحركة ذاتها فإن الواقع لا يعفي الرئيس عباس من المسؤولية، على الأقل تلك التي تتعلق بعجزه الإمساك بزمام الأمور في سلطته لدرجة جهله بالفساد الذي ينخر أجهزته الأمنية.

من جهة أخرى، وعلى ضوء التقرير الذي تسلمه الرئيس من طرف اللجنة،يبقى الكثير من الأسئلة دون إجابات شافية حيث أن التعتيم المتعمد على نتائج التقرير لا يتيح الفرصة لكل الفلسطينيين للاطلاع على ما ورد فيه إلا ما ترغب السلطة الفلسطينية البوح به للرأي العام الفلسطيني والدولي. بعبارة أخرى، يحاول الفتحويون وضع حالة من الغموض الاستراتيجي على التقرير الحالي حتى يتسنى لهم إحداث لجنة وطنية للتحقيق مع حماس وإقرار شرعية لها، تستطيع من خلالها رمي الكرة مجددا في ملعب حماس وخلق قناعة لدى الفلسطينيين أن ما قامت به حماس ليس رد فعل نابع من رغبة فعلية في إحباط مؤامرة حقيقية حيكت ضدها بل مخطط انقلابي الهدف منه الانفراد بالسلطة لإقامة إمارة إسلامية في غزة. هل تستطيع اللجنة الوطنية التي سيتم إحداثها قريبا تبرئة ذمة حركة فتح من شبهة تواطئها في مؤامرة ضد حماس أو على الأقل نفي علمها بالمؤامرة؟ هل ستقنع اللجنة ذاتها الفلسطينيين بعدم وجود مؤامرة وأن مخطط دايتون ما هو إلا ضرب من الخيال؟ ثم إلى أي مدى يمكن اعتبار هذه اللجنة حيادية وذات مصداقية؟

على كل حال، مازالت الأوضاع الراهنة مرشحة لمزيد من التوتر كما أن النتائج المنتظرة من التحقيق مع حماس مفتوحة على كل الاحتمالات إذ أن حماس ليس لها خيار آخر غير الرضوخ للتحقيق إذا كانت تريد نفي التهم عنها وتبرئة ساحتها مما يدعيه المسؤولون في حركة فتح. يعني إذا ثبت تورط حماس في برنامج انقلابي حقيقي – وهو ما يسعى إليه الفتحوييون- كما يصرح بذلك دائما الرئيس عباس وزملاؤه في حركة فتح، فسوف تتعرض للمساءلة الشعبية لن يرحمها التاريخ من تبعاتها وبذلك ستكون قد خسرت كل التعاطف الشعبي معها وسينتهي دورها في المسرح السياسي الفلسطيني. أما إذا تبين خلوها من كل التهم الموجهة إليها فإن حركة فتح ستحظى بنصيب الأسد من المسؤولية في كل ما حدث في غزة وبذلك ستزداد شعبية حماس في البلاد مما سيؤدي حتما إلى إعادة انتخابها كحكومة أكثر شرعية وأكثر قوة من ذي قبل تتمتع بسلطات موسعة حتى وإن لم تنل رضا الإدارة الأمريكية وفي المقابل سيتم تقزيم دور الرئيس عباس وربما ينتهي دوره كرئيس للسلطة الفلسطينية وللبلاد على حد سواء.

مهما اختلفت نتائج اللجنة سواء لصالح طرف أو آخر، فإن التطورات الأخيرة أفقدت القضية الفلسطينية الكثير من قيمتها والتعاطف العربي والدولي معها بعد عقود من الزمن سادها الكفاح والتضحية بالدم الفلسطيني في سبيل وطن جريح يتناحر أبناؤه لأجل السلطة، ولعل ما يحز في النفس هو الحالة المأساوية التي يعيشها المواطن الفلسطيني المغلوب على أمره والذي سئم تواجده الدائم بين مطرقة الاحتلال الإسرائيلي وسندان الفصائل المتناحرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة