الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ردا على مدلول جولة طوني بلير: قضية الصراع الأساسية في المنطقة سياسية وليست اقتصادية تنموية!!
احمد سعد
2007 / 7 / 31مواضيع وابحاث سياسية
بدأ رئيس الحكومة البريطانية السابق، طوني بلير، جولته في المنطقة كمبعوث للجنة الرباعية (الكوارتيت – الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة) التي اقرت اختياره لهذه المهمة في السابع والعشرين من شهر حزيران الماضي. وكانت محطة بلير الاولى، التي بدأها يوم الاثنين هذا الاسبوع، الاردن حيث التقى بوزير خارجيتها عبد الاله الخطيب، وسيلتقي كلا من المسؤولين في الحكومة الاسرائيلية وفي السلطة الوطنية الفلسطينية.
ومهمة بلير المعلنة تتمحور حول كسر الجليد المتراكم والمخضب بدماء الصراع المستمر الاسرائيلي – الفلسطيني في ظل مواصلة الجرائم التي يرتكبها المحتل الاسرائيلي والعقبات والعراقيل التي يضعها في طريق العملية السياسية التفاوضية المتوقفة منذ اكثر من خمس سنوات، والتي فجرّت وتفجر بؤر الصراع الدموي ونسفت وتنسف قواعد الامن والاستقرار في المنطقة.
وشتان ما بين المهمة المعلنة لبلير وبين المدلول السياسي الحقيقي لهذه الزيارة، وقبل ان نتطرق لمدلول جولة بلير السياسي والمصير المرتقب لهذه الجولة، نود التأكيد انه ليس فقط اننا غير متفائلين من مضمون وابعاد ونتائج هذه الجولة، بل كذلك اننا لا نثق ابدا بمواقف بلير السياسية التي لا تؤهله ابدا ليكون الوسيط الموضوعي والنزيه الذي بامكانه دفع عجلة التسوية السياسية على ساحة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي وبناء قواعد الامن والاستقرار في الشرق الاوسط. فالمرذول في وطنه، الذي اجبره شعبه بمظاهراته الاحتجاجية وبهبوط اسهمه وحزبه في البورصة السياسية البريطانية الى قصف اجل مده حكمه الشرعي واضطراره الى الاستقالة قبل الموعد المحدد واختيار وزير المالية، براون، خلفا له كرئيس وزراء بريطانيا، مرذول كهذا لا يمكن ان يكون رسول خير وسلام لشعوب وبلدان المنطقة. لقد كان السبب المركزي لهبوط شعبية بلير في بريطانيا والاطاحة به يعود الى ادانة السياسة الخارجية الاستعمارية العدوانية التي انتهجها بلير وحكومته، وخاصة المشاركة الى جانب ادارة بوش الامبريالية في الحرب الاستراتيجية العدوانية على العراق واحتلاله وارتكاب الجرائم الهمجية، جرائم الحرب ضد الشعب العراقي، والمشاركة في نهب نفط وخيرات بلاد ما بين الرافدين. لقد اعتبرت العديد من وسائل الاعلام البريطانية، وغالبية الرأي العام البريطاني، اعتبرت بلير "كلب بوش المدجن" وخادمه الامين وحليفه في ممارسة استراتيجية عولمة ارهاب الدولة المنظم بهدف الهيمنة والنهب ان كان ذلك في افغانستان او في المناطق الفلسطينية المحتلة بدعم جرائم المحتل الاسرائيلي. ولهذا، فهل من المعقول بمكان، او من المنطق بمكان، الثقة بمن ايديه ملطخة بدماء الناس الابرياء في العراق وافغانستان وفلسطين المحتلة ان يكون وسيطا للسلام؟! وهل يمكن لمشعل الحروب ان يرفع ويحمل مشعل السلام العادل؟!
برأينا ان مهمة بلير الاساسية، ومن حيث مدلولاتها السياسية، تناقض ولا تنسجم ابدا مع ما هو معلن عنها. فأحد الدوافع والاهداف الاساسية لمهمة بلير في المنطقة هو العمل على ترميم وتلميع وتحسين صورة السياسة الامريكية والبريطانية في انظار شعوب المنطقة التي تكن الكراهية العادلة لهذه السياسة التي لم تجلب لها سوى المآسي والكوارث والدماء والدموع والمعاناة. ودافع وهدف مركزي اساسي آخر، ان بلير يقر ويعترف بان القضية الفلسطينية تعتبر القضية المحورية، المركزية والاساسية للصراع الاسرائيلي – العربي وان ايجاد حل لها يعكس اثره على باقي قضايا ومشاكل الصراع في المنطقة، حل القضية الفلسطينية، يعتبر حجر الزاوية لبناء القواعد الراسخة للامن والاستقرار والسلام في المنطقة. فهل جاء بلير الى المنطقة يحمل رسالة انصاف الشعب الفلسطيني باقتراح او مبادرة مدلولهما انقاذ الشعب العربي الفلسطيني من براثن الاحتلال الاسرائيلي وسوائبه من قطعان المستوطنين الداشرة واقرار حق هذا الشعب بالحرية والاستقلال الوطني، بالدولة والقدس والعودة. ولسنا اغبياء الى درجة حتى التفكير بان من انتهج سياسة الانحياز الصارخ الى جانب المواقف والجرائم العدوانية للمحتل الاسرائيلي والعداء لثوابت الحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية، يمكن ان يتحول بين عشية وضحاها الى نصير للحقوق الفلسطينية العادلة!!
والحقيقة ان بلير كان صريحا في طرحه للهدف المباشر من جولته، قالها بصفاقة وبوقاحة بلير المعهودة الذي يتقن بشكل ديماغوغي اخفاء الاهداف الاستراتيجية الامبريالية التي تناقض المصالح الحقيقية والحقوق الوطنية الشرعية للشعوب. قال بصراحة انه لا يحمل في جعبته الى المنطقة اية اقتراحات عينية او أي مبادرة سياسية جديدة لدفع عجلة العملية السياسية واخراجها من حمام الصراع النازف دما!! وانه جاء ليستمع من مختلف اطراف الصراع وجهات نظرهم حول كيفية الخروج من مستنقع الصراع!! والسؤال الذي يطرح نفسه هل اختزلت اللجنة الرباعية مبادرتها "خارطة الطريق" بما سيتمخض عن جولات مبعوثها بلير، وان المرحومة خارطة الطريق اصبحت منذ ولادتها في خبر كان! كما ان المدلول السياسي لتصريح بلير هذا يعتبر ليس فقط تجاهلا متعمدا للمبادرة العربية بل صفعة في وجه المدجنين امريكيا – بريطانيا والاستهتار بالعالم العربي بأجمعه. وعوضا عن كل ذلك الا يعني موقف بلير هذا تجاهلا لحقيقة انه يجري انتهاك فظ للقانون الدولي من قبل المحتل الاسرائيلي الذي يستهتر بقرارات الشرعية الدولية ويواصل منذ اربعين عاما احتلاله الاستيطاني للمناطق الفلسطينية ولهضبة الجولان السورية ولمزارع شبعا اللبنانية!! وتأتي جولة بلير ولقائه بالمسؤولين في الاردن واسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية في الوقت الذي يحضر فيه وفد الجامعة العربية المكون من ممثلي مصر والاردن الى اسرائيل لتسويق المبادرة العربية لحكومة اولمرت – براك! فهل سيكتفي هذا الوفد، في هذا العهد الترللي المرذول، "بالاصغاء" الى نصائح اولمرت، ومواقفه التي اعلنها عشية وصول بلير الى المنطقة والتي اكد من خلالها ان اسرائيل لن تبقى مسيطرة على كل المناطق المحتلة، بمعنى انها تشترط الانتقاص من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية – من الارض والقدس والعودة – لاستئناف التفاوض!!
لقد صرح طوني بلير بعد انتهاء محادثاته في الاردن "انه يقدر بشكل كبير تعهد الاردن التعاون معه"!! ولم يفصل طابع ومركبات هذا "التعاون". ولكن ما نعرفه حق المعرفة (كتبنا عن ذلك بالتفصيل في عدد الثلاثاء من "الاتحاد" في 24/تموز) ان موقف الاردن الرسمي، الذي اعلنه الملك عبد الله الثاني في لقاء شرم الشيخ الرباعي الاخير، وقبله وبعده، وكذلك تصريحات غيره من المسؤولين ان الاردن دان انقلاب حركة حماس ضد الشرعية الفلسطينية في قطاع غزة، وانه ضد تجزئة الوطن الفلسطيني المحتل منذ السبعة والستين. كما ان الاردن من اجل اقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. وان الاردن يدرك جيدا ان عدم قيام دولة فلسطينية قد يهدد في المنظور الاستراتيجي وجود وبقاء الكيان الاردني المستقل. وانه بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة فان الاردن مستعد للحديث والتفاوض بين الدولتين حول قيام وحدة كونفدرالية او فدرالية يقرها كلا الشعبين الشقيقين، والسؤال هو هل مارس بلير والادارة الامريكية مكابس الضغط على النظام الاردني لتغيير موقفه!! هذا ما ستكشف عنه التطورات المقبلة! ولكن ما ندركه جيدا ان مبعوث بوش والرباعية سيحاول وضع السم في الدسم لتكريس حالة التمزق القائمة في المناطق المحتلة، خاصة بين الضفة الغربية وقطاع غزة بعد انقلاب حركة حماس العسكري ضد الشرعية الفلسطينية في قطاع غزة. فتكريس التجزئة المأساوية بين الضفة والقطاع ينسجم ويتوافق مع الموقف الاسرائيلي المدعوم امريكيا بمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، بل كيان هش ممزق الى كانتونات منعزلة بعضها عن بعض ومربوطة بحبال التبعية الاقتصادية والامنية بالمحتل الاسرائيلي ودرنه الاستيطاني.
ان ما يعمل طوني بلير على تجاهله بشكل متعمد في جولته هذه هو الجانب السياسي للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، التأتأة بعبارات ضبابية عامة يمكن تفسيرها بعدة اتجاهات في هذا السياق. اما الرسالة الاساسية التي يعمل على بثها وتسويقها، والتي مدلولها سياسي، فهي الرسالة الاقتصادية – التنموية. وكأن جوهر الصراع وسببه المركزي اقتصادي – تنموي، تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية بشكل مأساوي في المناطق الفلسطينية. فطوني بلير يخفي ويتجاهل تماما السبب والعامل السياسي، وجود الاحتلال الاسرائيلي وتدميره للبنية الاقتصادية الفلسطينية وفرض الحصار الاقتصادي والتجويعي الذي ادى الى ان اكثر من ستين في المئة من اهل المناطق الفلسطينية، من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر. فبدون ازالة الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي تبقى قضية التنمية الاقتصادية والرفاهية المعيشية للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع فارغة المضمون ومحدودة جدا. ولهذا ليس من وليد الصدفة ان تعلن حكومة الاحتلال الاسرائيلي عن ترحيبها "بالمساعدة" "والمشاركة" في برامج دعم السلطة الفلسطينية اقتصاديا وتنمويا. فالحديث عن الدعم الاقتصادي وتخفيف وطأة الحياة المعيشية لاهالي المناطق المحتلة عبارة عن "كلمة حق يراد بها باطل". فالحديث يجري عن "مساعدة اقتصادية" انتقائية، "مساعدة" سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتضييق الخناق على سلطة حماس في قطاع غزة، التعامل مع المناطق المحتلة "كدولتين" تحت رحمة المحتل، "حمستان" في القطاع "وفتحستان: في الضفة الغربية "وعوضنا بسلامتكم على المرحومة دولة فلسطينية مستقلة". "مساعدة" اقتصادية تستهدف تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني الوطنية وتمزيق وحدة الارض الفلسطينية الاقليمية.
امام هذا الوضع المأساوي الذي قد يقود الى نكبة فلسطينية جديدة اشد وطأة من نكبة الثمانية والاربعين، نكبة تدفن الامل المحمول في القلب وعلى اكف المسيرة النضالية المخضبة بدماء وعرق ومعاناة قوافل لا تعد ولا تحصى من المناضلين والشهداء، امام هذا الوضع لا مفر من اعادة ترتيب البيت الفلسطيني خدمة لمصلحة الشعب الفلسطيني العليا والاساسية بالتحرر والاستقلال الوطني. فهذه مسؤولية كل فرد وتيار فلسطيني الحريصة على حاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني وعلى حقه بالحرية والتطور الحضاري الخلاق. ترتيب البيت الفلسطيني يستدعي اعادة اللحمة الى الوحدة الوطنية الكفاحية الفلسطينية والى اعادة وترسيخ وحدة الوطن المحتل منذ السبعة وستين عن طريق الحوار لبلورة برنامج كفاحي متمسك بثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية، حقه في الدولة والقدس والعودة. ترتيب البيت الفلسطيني يستدعي اولا وقبل كل شيء انهاء الوضع المأساوي غير الشرعي الذي خلفته جريمة حركة حماس في قطاع غزة، ... للوحدة الوطنية المتمسكة بثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية نصرخ في وجه بلير وجميع المتآمرين "العبوا غيرها" ولن ترشونا بمساعداتكم الدنسة، فحقنا بالحرية والاستقلال غير معروض في سوق السمسرة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت
.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا
.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و
.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن
.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا