الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسوية...تصفية أم تسلية؟!!!

علي جرادات

2007 / 8 / 2
القضية الفلسطينية


تشهد السياسة الأمريكية حركة ديبلوماسية نشطة، تجاه ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية تحديداً، يقال أنها حركة تهدف إلى "تحريك جديد" أو اعطاء "أفق سياسي"، يوصف بالجدي، لعملية التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي، المتوقفة منذ مفاوضات كامب ديفيد 2000.
في الإطار تندرج دعوة الرئيس الأمريكي بوش للقاء دولي تحت رئاسة وزيرة الخارجية الأمريكية رايس، يقتصر على الفلسطينيين والإسرائيليين بحضور عربي منتقى، ووجود الرباعية الدولية ممثلة بمبعوثها الجديد توني بلير. وفي ذات الإطار تقع زيارة وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين (رايس وغيتس) للمنطقة، كان سبقهما توني بلير في زيارة مماثلة كمبعوث جديد "للرباعية الدولية".
حول طبيعة الحركة الديبلوماسية الأمريكية، الجديدة والنشطة، وحول تقدير أهدافها والتوقعات المعقودة عليها والآمال المتوخاة منها، تباينت آراء المحللين والمراقبين، وتمايزت وجهات نظرهم، بين متفائل ومتشائم و"متشائل".
هناك مَن تفائل حدَّ القول: إن إدارة بوش جادة في مسعى ايجاد تسوية متوازنة للقضية الفلسطينية خلال ما تبقى لها (18 شهراً) في البيت الأبيض؛ وهناك مَن تشائم إلى درجة القول: إن إدارة بوش ترى في الظروف الاقليمية والمحلية الراهنة للقضية الفلسطينية، فرصة ذهبية لفرض حلقات مهمة مِن مخطط أمريكي إسرائيلي قديم جديد لتصفية القضية الفلسطينية؛ وهناك مَن يرى في الحركة الجديدة لإدارة بوش، "حركة بلا بركة"، وأنها لا تخرج عن إطار سياسة إدارة الأزمة، وكسب الوقت لفرض المزيد مِن حقائق الرؤية الإسرائيلية على الأرض؛ وهناك مَن يرى أنها حركة علاقات عامة، ولا تعدو أكثر مِن كونها موسيقى تصويرية، ترمي إلى التغطية على اتجاه الضربة الأمريكية الرئيسية في المنطقة، تتمثل في السعي للخروج مِن المستنقع العراقي بأقل الخسائر، فضلاً عن الحفاظ على النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتعزيز تحالفاته الإقليمية والعربية في وجه الطموح الإيراني، سيان لجهة الاحتواء السياسي أو الضرب العسكري.
في السياق، حري التذكير أن المقترحات الأمريكية حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قد توقفت عند ما كان رفض القبول به الشهيد الراحل ياسر عرفات، أي عرض كلينتون باراك في مفاوضات كامب ديفيد 2000 حول قضايا اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات والمياه. والحال؛ يغدو السؤال: ترى هل حصلت تغيرات نوعية على ميزان القوى، بما يفرض على الادارة الأمريكية تقديم عروض اعلى في سقفها مما كان رفضه الراحل أبو عمار؟!!! هل طرأت مستجدات نوعية مِن شأنها اجبار إسرائيل على التجاوب مع المطالب الفلسطينية كما عرضها ياسر عرفات؟!!! وبالملموس، هل طرأ تحسنٌ على حال العامل الوطني الفلسطيني، لجهة وحدته وتماسكه مثلاً؟!!! هل قام مركز القرار الرسمي العربي بأيِّ شكل مِن اشكال تفعيل عوامل قوته للضغط على الإدارة الأمريكية؟!!! هل طرأ شيء مِن هذا القبيل يلزم الإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل والزامها بالاستجابة ولو إلى الحد الأدنى مِن الحقوق الوطنية الفلسطينية؟!!! وبتكثيف هل شروط ميزان القوى الدولي والاقليمي والمحلي مجافية لإسرائيل درجة اجبارها على التنازل عن لاءات سائد سياستها الثابتة: لا لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم طبقاً للقرار الدولي 194، ولا للتنازل عن القدس كـ"عاصمة أبدية لدولة إسرائيل"، ولا للعودة إلى حدود الرابع مِن حزيران، ولا لتفكيك مستوطنات التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية؟!!!
إذا كانت الإجابة على الأسئلة السابقة بالنفي والسلب، وأظن أنها كذلك، يصبح السؤال: هل مِن المنطقي والحالة تلك توقع ضغط أمريكي وعرض إسرائيلي أعلى في سقفه عما كان عليه الحال في مفاوضات كامب ديفيد 2000؟!!!
إن كان مِن الصعب على المرء تصور أن تنجح إسرائيل بدعم أمريكي في تمرير حلِّ على مقاس رؤيتها الداعية لتصفية القضية الفلسطينية، كون ذلك يتطلب موافقة فلسطينية على ما كان رفضه ياسر عرفات، وهو ما لا يقوى عليه فلسطيني واحد حتى لو أراد، فإنه مِن الصعب أيضاً، وفي ذات الوقت، تصور انقلاباً دراماتيكيا في الموقف الأمريكي الإسرائيلي، يعطي أملاً في احراز تسوية سياسية متوازنة تلبي الحد الأدنى مِن الحقوق الفلسطينية كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية.
أما ما يمكن تصوره وتوقعه والحالة تلك، فيتمثل في محاولة إسرائيلية مدعومة أمريكياً، لاحياء ذات الصيغ، وتجديد ذات العروض التي وصلت إلى طريق مسدود في مفاوضات كامب ديفيد 2000، أي العودة مجدداً إلى اعلان مباديء عامة، يُتفقُ على تطبيقها على مراحل وخلال مدى زمني طويل، يكون التفاوض المباشر (أي ميزان القوى على الأرض) مرجعيتها، وهذا تجريب للمجرب في شروط أسوأ، لن يفضي بالتأكيد إلى انتزاع ما لم يحرزه ياسر عرفات، ولن يقود أيضاً إلى تجريع الفلسطينيين ما لم يقبله ياسر عرفات، لكن عودة الرهان على ذاك المُجَرَّب مجدداً، تنطوي على مخاطر جدية، في مقدمتها تبديد الوقت، الذي ستوظفه القيادة الإسرائيلية مرة أخرى في تكريس المزيد مِن حقائق الأمر الواقع على الأرض، فضلا عن استثماره جدياً في اللعب على وتر الشرخ الفلسطيني الداخلي القاتل وتعميقه، فتكتيك مرونة الشكل وثبات المضمون الذي تبديه هذه الأيام كلُّ مِن واشنطن وتل أبيب، هو تكتيك تمليه ضرورات تجاوز مصاعب السياسة الأمريكية الإسرائيلية وانتكاساتها في العراق وافغانستان ولبنان والمنطقة عموماً، وتتطلبه ضرورات حشد أوسع تحالف اقليمي وعربي في مواجهة التحدي النووي الإيراني سياسياً، وربما عسكرياً. وهذا التكتيك ليس جديداً، بل هو تكرار، في ظروف متغيرة، لذات التكتيك الذي اتبعته الإدارة الأمريكية في مطلع تسعينيات القرن العشرين، في فترة استثمارها لاقتحام النظام العراقي للكويت في آب 1990، وشن العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991، وباقي القصة ونتائجها الكارثية غدت معروفة، وأصبحت مِن أهم دروس كيفية تعامل السياسة الأمريكية مع الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية على نحو خاص.
والحال؛ وإن كنت لست مِن أؤلئك المتفائلين الذين يرون أيَّ "بركة في الحركة" الأمريكية الراهنة تجاه ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإنني أيضا لست مِن المتشائمين الذين يرون أن هذه الحركة يمكن لها النجاح في ارغام الفلسطينيين على قبول ما لم يقبلوه في مفاوضات كامب ديفيد 2000 الشهيرة والمفصلية، التي انكشف خلالها الخيط الأبيض مِن الخيط الأسود في الرؤية الأمريكية الإسرائيلية تجاه قضايا جوهر القضية الفلسطينية: عودة اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات والمياه. ولكن هذا وذاك لا يلغيان ضرورة التنبه إلى مخاطر الحركة الأمريكية الإسرائيلية الراهنة، كحركة غير جادة المسعى، بفعل كل العوامل التي تم ذكرها آنفاً؛ إذ ما الذي يدفع إسرائيل إلى تقديم طبق فيه الحد الأدنى مِن الحقوق الوطنية الفلسطينية، في ظل ميزان قوى راجح لصالحها، وفي ظل تشرذم فلسطيني وعجز وتفكك رسمي عربي؟!!! ثم ألا يجب التفكير بأن الشهية الإسرائيلية قد انفتحت على مصراعيها، لتقديم عرضٍ أقل في سقفه مما جرى تقديمه في مفاوضات كامب ديفيد 2000، ارتباطاً بواقع فلسطيني غير مسبوق في ضعفه وتشرذمه وتيهه؟!!!
الحركة الأمريكية الإسرائيلية الراهنة لا تولي ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأولوية، بل تبثُّ رسائلَ خادعة، لن تسفر عن شيء حقيقي، فهي مجرد محاولة لتسلية الرسميين العرب، وجرهم لمهالك "التطبيع أولاً" بدل "الانسحاب أولاً" كما ورد في "المبادرة العربية" التي لم يتوانَ الإسرائيليون بدعم أمريكي عن رفضها، والتقاط ما في صالحهم فيها، اي التطبيع العربي قبل ايجاد تسوية سياسية، تلبي الحد الأدنى مِن الحقوق العربية والفلسطينية المغتصبة.
وعليه، فإن الحركة الأمريكية الإسرائيلية لن تقود لا إلى تسوية، ولا إلى تصفية، بل هي لا تعدو أكثر مِن كونها تسلية تنطوي على مخاطر عدة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟


.. نبض فرنسا: كاليدونيا الجديدة، موقع استراتيجي يثير اهتمام الق




.. إيران: كيف تجري عمليات البحث عن مروحية الرئيس وكم يصمد الإنس


.. نبض أوروبا: كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا وغزة على حملة الانتخا




.. WSJ: عدد قتلى الرهائن الإسرائيليين لدى حماس أعلى بكثير مما ه