الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة التهم الجاهزة

هفال زاخويي

2007 / 8 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


هذا ما تعودنا عليه ، "الضحية والجلاد" كلاهما تعودا على هذه الثقافة المعيبة في هذا البلد الذي ابتلي بالكثير من الأمراض الاجتماعية التي تتجلى جراثيمها في الحياة السياسية .

ما ان يطرح احدهم فكرة او موضوعة تخدم الحاكم والمحكوم معاً ويقصد من ورائها العدل والحق والصدق والنزاهة والاصلاح الا وقامت القيامة عليه ، فهناك مختصون يمتهنون مهنة الصاق التهم الجاهزة به وما اكثر مصطلحات التخوين " خائن، عميل، مرتد، سارق، فاسق ...الخ" .

هذه الثقافة المقيتة المعيبة عانينا منها منذ القدم وكم من الضحايا الأبرياء ذهبوا ضحية هذه المهنة التي يمتهنها اولاً رجال الحكم ومن بعدهم وعاظ السلاطين وكذلك الأجهزة الأمنية والمخابراتية التي حمت وبأساليب قذرة أنظمة الحكم القذرة التي لم تبخل في التنكيل بالمصلحين والمخلصين ممن ارادوا وعبر التاريخ ان يخدموا شعوبهم وبلدانهم.

الانبياء قبل ان يبعثوا كانوا محل احترام بين اقوامهم ، فالرسول محمد كان ينعت بالصادق الأمين بين ابناء قومه ... وما ان اعلن دعوته حتى انهال عليه نفس اؤلئك بانواع التهم والأوصاف تراوحت بين "الساحر والشاعر والكذاب والمجنون " وهم كانوا يعلمون علم اليقين بانه لم يكن كذلك بل ان مصالحهم الضيقة التي تعرضت للتهديد من جراء الدعوة الاصلاحية المحمدية كانت من وراء نعته بهذه الأوصاف ... وهكذا كل الانبياء وكل المصلحين تعرضوا لهذه الحملات.

في بلدنا العراق تجلت هذه الظاهرة بوضوح منذ مئات السنين ، فزج بخيرة الرجال في السجون من مصلحين وعلماء ورجال دين صادقين ومواطنين صالحين واغتيل اخرون في ظروف غامضة وقتل اخرون دون حياء من قبل "السلطان" تحت ذريعة التهم الجاهزة التي تراوحت عبر تاريخ الخلافة الاسلامية في العراق " بالكفر والزندقة والفسق والردة" .

هكذا كانت ثقافة البعث أيضاً فعلى مدى اكثر من ثلاثة عقود ذهب الالاف من المخلصين والوطنيين ضحية هذه الثقافة المقيتة التي تفنن النظام وازلام النظام وخدم النظام في اختراعها واطلاقها على الوطنيين من ابناء هذا البلد الى درجة ان البعث غدا ينهش في نفس جسده فالرفيق كان يتهم رفيقه اذا رأى ان مصالحه مهددة او اراد التقرب من السلطان ... وكنا نلعن تلك الثقافة اقذرة الموبوءة .

اليوم تتجدد الحالة فكل من اراد طرح فكرة الاصلاح واراد المساهمة في خدمة البلد وواجه الناس بحقائق الامور لايرى نفسه الا والتهم الجاهزة تنهال عليه " بعثي ، صدامي ، عميل اميريكي وصهيوني، بل تعدى الامر الى ان يصبح الانتماء الديني والقومي والمذهبي والحزبي وحتى الجغرافي تهمة جاهزة ".

الم نتعلم ونتعظ من التاريخ...؟ الا يعلم السلاطين ان وعاظهم مخادعون ...؟ الم يتعظ ثوار العراق من الايام الحالكة التي وصفهم فيها البعث بالخونة والعملاء فيأتون هم اليوم ليمارسوا نفس الدور فينعتون المخلصين والمصلحين بالخونة والعملاء ...؟

لقد دفعنا الثمن باهضاً من وراء هذه الثقافة النابعة من المنظومة القيمية الاجتماعية المشوهة التي تربينا عليها من تربية اسرية ومناهج دراسية وبرامج حزبية انتجت اخطر حالات الازدواجية الاجتماعية لدينا .

كلنا نعلم علم اليقين بأن هذه الثقافة ثقافة مقيتة قذرة تافهة ، وانما نؤمن بها بسبب المصالح الضيقة التي نتكالب عليها ... ألم يحن الوقت للوقوف بوجه هذه الثقافة السلطوية ...؟ ليس كل معارض خائن وليس كل صاحب رأي خائن وليس كل مخلص خائن وليس كل مصلح خائن ... وان تبنينا قاعدة التخوين والعمالة والتهم الجاهزة منهجاً في بلدنا فلن نر مخلصاً واحداً ، فالكل خونة وعملاء...!

- رئيس تحرير صحيفة الأهالي الليبرالية- بغداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وقفات تضامنية بمدن مغربية عدة تطالب بوقف التطبيع ومقاطعة إسر


.. فايز الدويري: المعارك في منطقة جباليا ستكون صعبة وقاسية




.. ناشطة أمريكية تهاجم المتخاذلين عن نصرة غزة


.. تحذير من المحكمة لمايكل كوهين بسبب مقاطع فيديو على تيك توك ح




.. ميلانيا ترمب تمنع ابنها بارون من الانضمام لعالم السياسة.. فم