الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهرجان الوطنية

خالد صبيح

2007 / 8 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ليس هناك من حدث جمع العراقيين في فرحة مشتركة واسعة وصادقة، بعدما كادوا أن ينسوا الفرح، مثلما فعل فوز منتخبهم الوطني بكرة القدم بكاس آسيا. ولم يسيس من قبل حدثا رياضيا ويؤول بطرق كثيرة مثلما سيس وؤول هذا الحدث الرياضي الكبير. وحينما جمع المستطيل الأخضر حماسة وصدق اللاعبين الذين لهثوا وجهدوا صادقين من اجل أفراح أهلهم، ربما أكثر من رغبتهم بالإنجاز الرياضي. رد مواطنوهم بذات العفوية والصدق فملئوا شوارع مدن العراق رغم المخاطر، واكتظت ساحات وشوارع المنافي والمهاجر بعراقيين فرحين عبروا بصدق عن فرحتهم في مشاعر تتعدى حجم الإنجاز الرياضي لتعبر عن رغبة صادقة للوحدة والتالف. وجميعهم قالوا بلغة صريحة:

انظروا ها نحن موحدون ولا نشعر بفواصل تعزل بعضنا عن بعضنا الآخر.

كانت وسائل الإعلام العالمي قد نقلت صورا عن فرحة العراقيين العفوية بالفوز وتعبيرهم عن مشاعر وطنية ترتفع كثيرا على وعي وقدرات حكام العراق، ( أؤكد حكاما وليسوا سياسيين). العاجزين عن جذب ناخبيهم المخدوعين بهم وعن كسب حب مواطنيهم كما فعل لاعبوا المنتخب العراقي. فعلى سبيل المثال اجتمع في الساحة الرئيسية بالعاصمة السويدية ستوكهولم عشرون ألفا من العراقيين الذين احتفلوا بفوز فريقهم وللتعبير عن وحدتهم، هذا ما نقله الإعلام السويدي مرفقا بتعليقات ايجابية، ونظرة تقدير من أطقم الشرطة وأفراد الحراسات المدنية لنسق الاحتفال الجميل. وكانت الأعلام المرفوعة في الساحة إلى جانب العراقي هي الكردي والسويدي. طبعا غني عن القول إن أي ائتلاف أو حزب سياسي عراقي أو حتى عصابة تستقطب المرتزقة كالبعث لم ولن يستطيعوا على الإطلاق أن يحشدوا هذا العدد الهائل في ساحة العاصمة السويدية.

هذا في ستوكهولم أما في إحدى الضواحي القريبة حيث تقطن جالية عراقية يشكل المسيحيون والصابئة المندائيون فيها ما يزيد على الخمس والتسعين بالمائة، كان مهرجان الفرحة كبيرا ومعبرا حيث اجتمع خمسمائة شخص( حسب مصادر الشرطة السويدية) في ساحة الضاحية رافعين الأعلام العراقية ومرددين أغاني للوطن ولبغداد. أمر قد يثير الاستغراب. فهؤلاء بالذات، أي المسيحيين والصابئة، وفي هذه الفترة بالذات، هم الأكثر عرضة للاضطهاد والتهميش والتشريد، وربما من شان هذا الأمر ان يترك جراحا وندوبا في نفوسهم تطفئ جذوة الفرح عندهم أو تجعله لا يشبه فرحة الآخرين بالوطن، لكنهم بخروجهم واحتفالهم اثبتوا، وبما لا يقبل أي شك، إنهم أكثر عراقية ووطنية ونبل من أولئك الذين يضطهدونهم ويهمشونهم ويشردونهم. هنا يمكن المرء أن يثق بأن إنساننا العراقي لازال بخير.

صورة مفرحة بالتأكيد. والرسائل التي بثتها كانت واضحة وصريحة. لكن المؤلم دائما إن من يقرر مسار الحياة في الواقع ليس لاعبوا كرة القدم المتفانين للفوز لإسعاد جمهورهم ولا جمهورهم الفرح بهم. بل قوى أخرى وأناس آخرون ربما لم يفرحهم الفوز كما افرح الجميع لكنهم راحوا يحاولون استثماره لأمجادهم الشخصية. فأغدقوا بعض من أموال الشعب على أعضاء الفريق العراقي على طريقة المكرمات سيئة الصيت. هكذا فعل رئيس الجمهورية المحاصصي وسيلحق به محاصصون آخرون بالتأكيد.

لكن قبل الفوز وفي طور التهيئة له، بعدما صار هدفا قريبا وممكنا، اندفع عدد ممن اعتادوا على استغلال المناسبات لترويج بضاعتهم وشخوصهم. فتبارت الفضائيات بداية. وتقافز إليها مغنون وشعراء رأوا أن فرصتهم للظهور هي الآن وهنا. بعضهم شارك بحماسة حقيقية لتوسيع دائرة الفرح والمشاركة فيه، وبعضهم كان من مخضرمي التملق الذين تدربوا على أن لا يفوتوا هكذا فرص ذهبية للمغانم. فكان أن كتبت القصائد ولحنت الأغاني على عجل.

ومما يلفت الانتباه هو الأداء الإعلامي لبعض الفضائيات العراقية فبعضها كرس برامجه باحتفالية مستمرة دون توقف معبئا مزاج المشاهدين للفوز والفرح دون أن ينسى غمز السياسيين لأدائهم الركيك وهو محق بذلك، ولدغ الحكومة الهشة والمقصرة والغائبة في كل شيء حتى في رعاية فريق صغير من الرياضيين، وهو محق هنا أيضا.

كانت للفوز والفرحة به إشارات كبيرة وصريحة ومرئية لكنها لم تغط بعض الإيماءات المضادة التي كانت حاضرة في المشهد، حيث لم تكترث الفضائيات الكردية بالحدث وكأنه يقع في جزر مجهولة وبعيدة. فلم تظهر على شاشاتها أي نامة للفرح أو الاستعداد للاحتفال ولم تواكب الحدث إلا بعد ساعات من وقوعه، علما إن الجمهور الرياضي في مدينة السليمانية، على سبيل المثال، خرج إلى الشوارع بعد انتهاء المباراة بدقائق قليلة، لكن الفضائيات الفدرالية لم تكلف نفسها عناء أداء دورها الإعلامي التقليدي والمهني في تغطية الحدث إلا بعد هبوط الظلام وبعدما صارت المسيرة الاحتفالية أمرا واقعا لايمكن تجاهله. وبينما لم تتردد جماهير السليمانية برفع العلم العراقي، لان هذا مسموح به بأمر حكام دويلتهم الصغيرة، ولهامش التعبير الحر الضيق الذي تتمتع به هذه المدينة خلافا لغريمتها مدينة اربيل حيث شمولية الحكم هناك محكمة ومصانة بعصبية القبيلة. فان العلم العراقي لم يرفع في مدينة اربيل( شكل العلم لا يحمل في النهاية دلالة مطلقة ) فسبب محنة لفضائية الشرقية التي ساهمت في رعاية احتفالية المدينة ونقلت صورا حية عنه، فكان مصور الشرقية يتجنب إبراز العلم الكردي البارز في قلب المظاهرة باحثا، دون جدوى، عن علم عراقي يمنح التجمع هوية وطنية اكبر من ضيق أفق السياسيين.

رغم سعة الفرح إلا أن هذه الإيماءات أعادت إلى الأذهان صور الاحتقان القومي المرسومة بحنكة أيدلوجية متقنة. وأحيت بلون فاقع فكرة لا عراقية الكردي. أو العراقية المشروطة بالفدرالية كما عكس ذلك الإعلاميون الكرد في تغطيتهم الهزيلة للفرح العراقي بتأكيدهم على التهنئة (لشعب العراق الفدرالي) ( كذا). والغريب في الامر أن للكرد لاعبا مميزا في المنتخب الوطني ومحبوبا من جميع العراقيين، ويردد اسمه على ألسنتهم لكنه، وكما يبدو، لا يحظى بحب القوميين الكرد ربما لأنه كان قد جهر بعراقيته حين تلفع بالعلم العراقي وأيضا حين قال ( فوزنا فرح لكل العراق من الشمال إلى الجنوب) وكلمة الشمال هي جريمة في عرف القومانيين الكرد. ومع إن هذه الإيماءات الصغيرة ذات دلالات صريحة إلا أنها لم تكف رئيس الإقليم(السه روك الثاني) مسعود البارزاني حيث باغت العراقيين الفرحين بوحدتهم وقبل أن تهدأ انفعالات فرحتهم الكبيرة، بتهديدهم بالحرب الأهلية الحقيقية التي سيشعلها الكرد إن لم تطبق المادة 140 المقدسة ويأخذوا ما يريدونه.

الفضائية الرسمية العراقية( العراقية) انشغلت على طريقة أسلافها العظام وباسلوب باهت بنشر برقيات التهاني على شريطها الإخباري من المسؤولين الحكوميين صغارا وكبارا. المسؤولون الحكوميون الغافلون عن الحدث والممتلئين حسدا وغيرة من غرمائهم الرياضيين. ولما كان حدث الفوز والفرح حدثا حيا وحياتيا لم تكترث به بطبيعة الحال فضائية المناحي والبكائيات، قناة الزهراء الفضائية، فهي في النهاية محطة معنية ومنغمرة في معالجة حدث وقع قبل ألف وأربعمائة عام، وتهتم بشؤون أخرى بعيدة عن أهواء الدنيا الفانية، هموم بعيدة عن الحياة ومشغولة بالموت وبتمجيده.

قبل الفوز طالب بعض الطائفيين الشيعة، المنغمرين بصراع عقيم مع الوهابيين، الفريق العراقي أن ينسحب من المباراة النهائية ليعبر عن احتجاجه ضد فتاوى الفقهاء الوهابيين بهدم المراقد المقدسة في العراق. لاباس عند هؤلاء من التفريط بهذا الإنجاز الكبير والفرحة الأكبر من اجل اغاضة آل سعود. فالمهم عندهم أن ينتصروا في حربهم الفئوية ( المقدسة) وليذهب العراقيون وفرحهم إلى الجحيم.

كان الفوز والفرحة به مهرجان فرح ووطنية بحق. لكن من يدري إن كانت الدورة الرياضية القادمة سترى فريقا عراقيا جميلا وموحدا ووطنيا بحق مثل منتخبنا الفائز بالبطولة أم لا؟



31-7-2007










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت